رجال في الشمس

> عندما كنا طلابا في نهاية فصول الثانوية، كانت رواية رجال في الشمس، للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، من المقررات الدراسية، وهي رواية رائعة بما تحويه من مضمون أدبي يعبر عن جزء من معاناة شعب تحت الاحتلال بكل بشاعاته ووطأته.

تلك هي حال أحد شخوص الرواية (أبو الخيزران) الذي امتهن التهريب عبر الحدود في خزان شاحنته، وهو الأمر الذي قضى إثره كل من تم حشرهم في صهريج الشاحنة لتجاوز النقاط الأمنية على الحدود. وحالما انتهى من عبور تلك النقاط إذا به يفاجأ بموت كل من في صهريج الشاحنة، فلم يجد سبيلا إلا القول: لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟ هكذا قال الرجل العنين ذو الهوية الفلسطينية بكل برود.

هذا هو الحال بالنسبة لحالنا بعد أن تم إحكام إغلاق صهريج المعاناة الذي حشرنا بداخله، وبعد أن بتنا فاقدين كل وسائل النجاة من جائحة الموت جوعا التي تكبر كرتها الثلجية بصوره ماحقه.

الملفت أن سبيل الخروج من شرنقة الموت، التي تحاك خيوطها بكل عناية، وتصعيد إلى مستويات لا يمكن احتمالها.

نذر كارثية، دون ريب، على كافة المستويات، بل شلل تام لحركة الحياة في ظل انهيار مروع للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع قاتل في أسعار المواد الغذائية، يقابل ذلك تصعيد مستمر في سعر النفط ومشتقاته.

الحال الذي زادت معه حدة المعاناة إثر أزمات يجري العمل عليها بكل إمعان، مما يعني أن انهيار أسعار الصرف ينبغي أن تقابل بزيادة تعجيزية في أسعار النقل، وكل ما يرتبط بالأداء اليومي، سواء في الزراعة والصيد البحري وهي منتجات تؤمن الغداء لملايين السكان.

إننا إزاء وضع كارثي محكم التدبير، وجريمة إنسانية بشعة ترتكب بحق شعبنا عنوة، ولا نملك حيلة لهذا النهج اللا إنساني الذي يستهدف حياتنا بنمط عقاب جماعي فريد من نوعه.

هذه هي نتائج النهج الكارثي الذي آلت إليه حياتنا في واقع اللا دولة، أو هي مفصلية الوقوع تحت البند السابع والمساحة الرمادية التي دمرت قدراتنا وسبلنا في مواجهة الحياه على الأقل كما كنا نفعل قبل جائحة الموت التي باغتتنا أجندتها الفاشية، إن جاز التعبير.

إنها جدران الخزان التي لا سبيل للخلاص منها، إنها النفوس البغيضة التي لا تستشعر آلام غيرها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى