​أموال المودعين بالبنوك.. المبادرات ووضع الحلول يا مركزي

> يبدو أن الكوارث والمشاكل  والمصاعب والمصائب  الاقتصادية والمالية قد أدمنت العيش في وطننا ووجدت فيه بيئة خصبة ومثالية  للاستمرار والبقاء إلى ما لا نهاية Indefinitely.
- كل العوامل والمؤشرات الاقتصادية والمالية تبين تدهورًا قائمًا وتوقعات قاتمة ومظلمة في المستقبل، غير قابلة للاحتواء أو التقويم. وذلك في كافة قطاعات الاقتصاد الوطني الإنتاجية والخدمية على حد سواء.

- وإذا كانت الحرب إحدى المسببات الرئيسة لهذه الحالة المفزعة، فإن ["سوء إدارة واستخدام " آلية الاقتصاد] بكافة فروعها وتخصصاتها، تكون هي وبجدارة السبب الأول المتصدر والمتربع دون منازع والتي أوصلتنا إلى هذا الوضع غير المسبوق إطلاقًا في تاريخنا المعاصر.
- لقد تهاوى وسقط وتقزم حجم الاقتصاد الوطني المتمثل في الناتج المحلي الإجمالي  GDP بأكثر من 60 في المئة هذا العام (2021م) مقارنة بالعام 2014م؛ ليصل إلى أقل من 19 مليار دولار أمريكي في بلد يفوق تعداد سكانه عن 31 مليون نسمة.

وليصبح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي "الأصغر" ليس على مستوى العالم العربي بل على مستوى العالم بأقل من 600 دولار أمريكي للفرد الواحد (1.70دولار أمريكي في اليوم).
- وفي أقل من 6 سنوات فقدت العملة الوطنية (الريال) نحو 90 في المئة من قوته الشرائية مقابل الدولار الأمريكي في وطن يستورد ما يقارب من 90 % من السلع الغذائية الأساسية. كما أن متوسط الرواتب والأجور هو ماكروسببلي ضئيل إذ يصل إلى 40 ألف ريال يمني شهريا (20-25 دولارا أمريكيًا بسعر الصرف المتداول) ويعتبر الأدنى على مستوى المعمورة.

- وعليه، وبحسب وكالات الإغاثة الأممية فإن 80 في المئة من سكان اليمن باتوا يرضخون طوعًا تحت خط الفقر، أي أقل من دولارين في اليوم الواحد؛ هي مأساة إنسانية بكل المقاييس لا يمكن تصورها أو تخليها في أجواء تضخمية وبائية معدية شرسة ومستمرة وسريعة في الأسعار عامة وفي أساسيات البقاء الإنساني خاصة.

- إذًا "سوء الإدارة الاقتصادية" هي المسبب الأول  لهذه الحالة المزرية و "اللاإنسانية"  والذي لا حول للمواطن  و لا شأن له فيها، فإنه ومن ناحية أخرى يتم على أرض الواقع اليقين الفعلي حرمان وانتهاك وتجاهل لحقوق ومصالح فئة من الشعب (أفرادًا ونساءً ورجالًا..) كانت قد وضعت ثقتها المطلقة وائتمنت بنوك ومصارف القطاع المصرفي اليمني وأودعت فيها من أموال ومدخرات هي حصيلة حصاد عمرها وثمار عرقها وجهدها وشقاء كفاحها العملي، داخل وخارج الوطن؛ هم عملاء البنوك من "المودعين" تحديدًا، من لديهم حسابات جارية وحسابات توفير وودائع آجلة  ومحافظ استثمارية...إلخ  سواءً بالريال اليمني أو بالعملة الصعبة (دولار أميركي).

- وبدون الخوض طويلًا في قانون البنوك اليمني ولكن وبناءً عليه فإن طبيعة العلاقة بين البنك وعميله (المودع) تكون أساسًا مبنية  على اتفاقية فتح حسابات (المختلفة) والتي فيها تعطي في مجملها للعميل المودع الحق المطلق غير القابل للمراجعة، في السحب من رصيده (كاملًا أو ناقصًا) متى شاء ذلك ورغب (في الحسابات الجارية تحديدًا) وعلى البنك وتلقائيًا التنفيذ والانصياع الفوري دون تأخير أو مماطلة. أيضًا وبنفس الآلية لبقية الحسابات (الآجل والاستثمار) و"لكن" مع الفارق وهو متى حان  "استحقاقات" هذه "الودائع "للمدد الزمنية المتفق عليها (بين البنك والعميل) مسبقًا(مثال: شهر، 3 أشهر، 6 أشهر 12 شهرًا ..إلخ) ليدفع البنك أصل المبلغ مع نسب الفوائد/ الأرباح السنوية المرافقة للمنتج البنكي.

- ولكن هذا العلاقة القانونية وبناءً على العرف السائد  والتقليد المتبع والممارسة الفعلية والتي تحكم العلاقة بين البنك وعميله (المودع) كما أسلفنا، قد تم رميها ليس عرض الحائط؛ بل في الزبالة من قبل طرف البنوك. ذلك ومنذ أكثر من 5 سنوات مضت توقفت وامتنعت بنوك القطاع المصرفي اليمني (الأصغر عربيًا) عن التقيد والالتزام باتفاقياتها مع عملائها المودعين خاصة، الصغير والكبير معًا، والوفاء والاستجابة لطلباتهم بسحب أرصدتهم/أموالهم كاملة/ أو جزءً منها. وهي بذلك تكون قد انتهكت وخرقت أبسط قواعد وأسس التعامل والعلاقة البنكية بينها وبين الأطراف ذوي العلاقة من العملاء (المودعين). وهي أي (البنوك) تكون قد "ناقضت" في واقع  الأمر كل ما جاء في حملاتها التسويقية لجذب عملاء جدد والإبقاء على القدامى منهم من شعارات ومصطلحات كـ[الأمان، الخبرة، المسؤولية، الثقة، التميز..  إلخ]. ولكن عند الحاجة/ اللزوم لم تتبلور هذه الصيحات الفارغة إلى واقع فعلي وعملي وملموس. وبدأت البنوك بتطبيق أداة بنكية (وليست قانونية) تسمى " التقيد الرأسمالي - Capital Restrictions" ويتيح هذا التطبيق للبنوك، وبناءً على تقديراتها وتقييماتها المطلقة "الامتناع والوفاء كليًا و/أو جزئيًا بطلبات عملائها السحب  كل/ أو بعض من أرصدة حساباتهم البنكية.

- ولقد "بررت" البنوك مثل هذه المواقف "غير المقبولة" لتآكل وضعف وشحة السيولة المتوفرة لديها مقارنة بأحجام طلبات السحوبات من العملاء، بالريال اليمني أو عملات أخرى. وإن ما تحتفظ به من سيولة هو مقدار هين (!!!) يبقيها عائمة - Floating دون اضطرارها لغلق أبوابها للعمل أو إعلان إفلاسها.
-ومنذ ذلك الحين (5 سنوات) فقد الريال اليمني نحو 80 في المئة من قوته الشرائية وغطس سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي من نحو 330 ريالا لكل دولار أمريكي إلى نحو 1520 ريالا كما هو في 23 نوفمبر 2021م. بمعنى أوضح، أنه حينها كان باستطاعة من كان لديه 100 ألف ريال يمني شراء ما قيمته 100 ألف ريال فإنه اليوم وبنفس الـ 100 ألف ريال، المحتجزة خلف قضبان البنوك، سيتمكن من شراء ما قيمته 15 ألف ريال يمني وليس أكثر. كما أن ال100 ريال يمني حينها كانت ستأتيه بنحو 300 دولار أميركي. اليوم بذات المبلغ سيستلم ما يساوي 68 دولارًا أميركيًا فقط.

- ولكن الجدير ذكره وإحقاقًا للأمانة والحق، فإن "بعض" من البنوك أقدمت على تخفيف مثل هذا الإجراء وسهلت على عملائها سحب "حد أدنى" من أرصدة حساباتهم بين فترات زمنية متفاوتة. إجمالًا فإن مثل هذا لم يلقَ رضا أو ترحيبًا جماهيرًا؛ لأن "حدود السحب القصوى" محدودة جدًا ولا تقارن بحجم أرصدتهم ولم تكن كافية ولا تفي أو تخدم انتفاعهم، بتقدير "المودعين".

-- ولسوء حظ عملاء البنوك (المودعين) فلا تظهر أي إشارات إيجابية أو بصيص أمل قريب وسريع بحلحلة هذا الوضع الظالم واللاإنساني وذلك لسببين اثنين رئيسين. الأول، هو التطورات الخطيرة والتي حدثت والمستمرة في القطاع المصرفي اللبناني من أواخر العام 2019م وما تبع ذلك على المستوى الاقتصادي والمالي للدولة اللبنانية. ذلك أن بعض من هذه البنوك اللبنانية كانت بمثابة "بنوك مراسلة " للبنوك اليمنية في تعاملاتها مع البنوك الخارجية في أعمالها خاصة فتح الاعتمادات (الاستيراد). ومقابل هذه الخدمات والمنتجات البنكية، احتفظت البنوك اللبنانية (المراسلة) بمبالغ، أغلبها بالدولار الأمريكي، بصورة ودائع استثمارية كضمان لهذه التسهيلات الائتمانية المقدمة للبنوك اليمنية. ويذكر أن إجمالي المبالغ اليمنية لدى القطاع المصرفي اللبناني تقارب ال500 مليون دولار أميركي. لسوء القدر، ما زالت الأزمة الاقتصادية والمالية وشلل القطاع المصرفي اللبناني وتأثير الأخير على المواقف المالية للبنوك اليمنية.

- السبب الثاني هو تجاهل وغض طرف البنك المركزي اليمني عن مثل هذه الحالة (وما زال) وهو وضع يشكل واحدًا من أهم مهامه ووظائفه ك "بنك البنوك". وعلى الرغم من مرور ما يقارب ال5 سنوات على هذه المعضلة الإنسانية بحق عملاء البنوك (المودعين)، لم يتطرق أو يشير من قريب أو بعيد أي من هم على كرسي البنك المركزي لوضع تصورات عامة أو مبادرات عملية أو مخارج مقبولة لجميع الأطراف تحفظ بالدرجة الأولى حقوق ومصالح العملاء (المودعين) ولا تترك تشوهًا مستدامًا على واقع القطاع المصرفي اليمني.

- بدلًا عن ذلك ينخرط البنك المركزي اليمني والجالسين على كرسيه في أمور بعيدة كل البُعد أن تلامس مهنيتهم وخبرتهم المفقودة والمعدومة  في مجال ومهام ووظائف البنك المركزي الأساسية كالفشل الذريع والإخفاقات القاتلة في أمور "الوديعة السعودية وآلياتها "; والسقوط المدوي المتوقع " في دمية مزادات منصة أسعار الصرف " الجاري العمل بها حاليًا وما يصاحب ذلك من تبديد لا داعي له وإهدار لأموال غالية ونادرة من النقد الأجنبي.

- فهل يحرك البنك المركزي اليمني ساكنًا ويعطي مسألة "أموال المودعين " المحجوزة  لدى البنوك الاهتمام الأقصى الذي يستحقه وبذلك يحقق إنجازًا كبيرًا يشفع لكافة الإخفاقات المدمرة والفشل المتجذر من قبله  في إدارة السياسة المالية والنقدية للدولة منذ انتقال مقر البنك المركزي اليمني إلى عدن قبل نحو 5 سنوات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى