على منصات نسيج اليمن.. نساء ينفضن العار المجتمعي في وجه الحرب

> تقرير /معاذ ناجي المقطري :

> يواجه المناصرون لقضايا العنف القائم ضد النساء والفتيات في اليمن وصمة عار مجتمعية، هي التي كثيرًا ما تمنع الفتيات والنساء من البوح والإبلاغ عن الانتهاكات التي تطالهن تحاشيًا للعيب الأسود.
يظهر هذا في الصعوبات والتحديات الواردة على مصفوفات عمل فرق الحماية والتوعية التي نشرتها منظمة مدرسة السلام في مطلع ديسمبر الجاري لمناصرة قضايا النساء في البلدات والقرى التي تشهد عنفًا اجتماعيًا أكبر ضد النساء والفتيات، على المستوى المحلي لمديريتي الشمايتين والمعافر بتعز.

تلحق الوصمة بطريدتها الفتاة ندوبًا معنوية تؤرقها لسنوات طويلة، وربما مدى الحياة، الشيء الذي تصفه الباحثة بلقيس العبدلي بالأثر الأسوأ للسلوك الاجتماعي السلبي الذي عمقته الحرب في اليمن.
وترد وصمة العار المجتمعية عنوانًا مستقلًا لورقة السياسات التي أعدتها بلقيس العبدلي ضمن برنامج "نسيج" لإنهاء العنف القائم ضد النساء والفتيات في اليمن، وهو البرنامج الذي تنفذه منظمة مدرسة السلام بدعم من منظمة أوكسفام الدولية.

أصواتًا تخترق الصمت
تحمل المحامية نبيلة الجبوبي صوتًا كاشفًا لوصمة العار التي تفترضها سببًا غامضًا لتعدد حالات الفتيات والنساء اللواتي يلجأن إلى الانتحار على المستوى المحلي لمحافظة تعز، ومجتمعات يمنية أوسع.
وفي مطلع نوفمبر الماضي كانت الجبوبي ضمن 90 صوتًا مؤثرًا للنساء والرجال الذين استمعت إليهم العبدلي في سياق عرضها لورقة السياسات التي أعدتها حول آثار السلوك الاجتماعي السلبي على التمييز بين الجنسين في مديريتي المعافر والشمايتين بتعز.

قالت الجبوبي إن ضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي يلجأن إلى الانتحار في حال ما إذا كانت عملية الاغتصاب التي تعرضن لها قد أدت إلى حمل محقق أو أزالت فيهن غشاء البكارة، وفي ذلك فرضين:
الأول: مخافتها من انكشاف أمرها لأهلها والمجتمع أو السطات الرسمية، وفي هذه الحالة يكون الانتحار طريقها الأقصر إلى الخلاص.

ويأتي فرضها الثاني في حال ما إذا كان الحامي الوحيد الذي يفترض أن تلجأ إليه الضحية لينتصر لها هو ذاته الذي اغتصبها أو تحرش بها ويحدث أن يكون هذا الحامي المفترض من محارم الفتاة ذاتها، وهي حالات تكرر حدوثها مؤخرًا.
وتشهد مديرية المعافر بتعز، تزايدًا ملحوظًا للفتيات اللواتي يلجأن إلى الانتحار في ظروف غامضة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وحسب الباحثة المتخصصة بقضايا النوع الاجتماعي بلقيس العبدلي، تشكل وصمة العار المجتمعية عقدة التقاء التأثيرات النفسية السلبية العميقة لصنوف العنف الذي يطال الفتيات والنساء، وهو العنف الذي توسع مداه مع اتساع أوحال الفقر والبطالة والانفلات الأمني كأثر مباشر للحرب، فضلًا عن تزايد موجات النزوح وغياب القوانيين وعجزها.

قضبان العيب الأسود
أنتجت الحرب ظاهرة السطو المسلح على أراضي النساء، وضرب الأبناء لأمهاتهم لإجبارهن على إعطائهم المال، فيما تبلغ نسبة الأسر التي تحملت أعبائها النساء بسبب الحرب 21 ٪ من إجمالي الأسر التي غادرها الرجال.
وحسب ورقة السياسات المتخصصة "بأثار السلوك السلبي على التمييز بين الجنسين" يكون على المرأة تحمل صنوف العنف الأسري لارتباطه بالعيب الأسود الذي يمنعها من اللجوء لأجهزة الأمن والقضاء، ذلك أن في شكواهن تفاصيل قد يخجلن من البوح بها للرجال الذين يحتكرون الوظيفة بهذه الأجهزة بصورة مطلقة.

على أنه يسمح لهن اللجوء إلى التحكيم والوساطة الأسرية المجتمعية في بعض الحالات.
واستمعت الباحثة إلى شهادة الفتاة "م.ج" التي أفادت بأن قسم التبليغ عن المفقودات الذي كانت موظفاته نساء في المجلس المحلي لمديرية الشمايتين بتعز، تم نقله إلى إدارة الأمن، وعندما توجهت للإبلاغ قام أحد الموظفين بالتحرش بها.

ويشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن ما يقرب من نصف النساء في 57 دولة منها اليمن لا يتمتعن بالقدرة على اتخاذ القرارات على مستوى حياتهن الشخصية.
وأنتجت الحرب قوى مختلفة لا تستطيع قوة القانون ردعها في أحيان كثيرة، حيث أدى انتشار السلاح بين أفراد المجتمع إلى استقواء من يحملونه على سلطة الأجهزة الأمنية والقضائية.

وفي المقابل قيدت حركة النساء ومنعن من السفر والتنقل في كثير من الأحيان وصودر حقهن في التعبير بسبب تزايد المخاطر الأمنية.
وعلى الرغم من أن مديريتي الشمايتين والمعافر من المديريات الأعلى انتشارًا للتعليم والوعي الحقوقي في أوساط أبنائها، إلا أن المديريتين شهدتا موجات نزوح كبيرة، بعد أن تضاعف سكانها المحليين على مدى السنوات العشر الأخيرة؛ الأمر الذي يقابله ثبات أو نقصان في البنى التحتية وشحة في الموارد وفرص العمل.
ويشير تقرير (UNFPA) إلى أن ما بين 4.3 ملايين نازح في اليمن خلال الأعوام من 2017 حتى 2019، تبلغ نسبة النازحات النساء 50 ٪ وأن 27 ٪ منهن دون سن 18 عامًا.

المناصرة في سياق سلام شامل
تبرز أهمية ورقة السياسات الخاصة بتأثيرات السلوك الاجتماعي السلبي على التمييز بين الجنسين، في أنها نسجت خارطة قضايا العنف القائم على النساء والفتيات على المستوى المحلي لتعز، بغية نسج شبكات الأصوات المؤثرة لتبني قضايا هذا العنف ومناصرة ضحاياه على مستوى مجتمعات يمنية أوسع.

وشددت الاستشارية نورية شجاع الدين مديرة مشروع نسيج لدى "مدرسة السلام" على ضرورة حشد المساهمات والأدوار المتكاملة للجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين لتحقيق مناصرة فعالة لقصايا العنف الواردة في ورقة السياسات بما حشده برنامج نسيج من أصوات وشبكات تناصرها وفقًا لما خلصت إليه الورقة من توصيات.

على أن إيقاف الحرب هي التوصية الرئيسة لورقة السياسات هذه، ذلك أن معظم أسباب العنف القائم على النوع الاجتماعي تخضع لمعالجات سياسية وتشريعية واقتصادية وأمنية على المستوى الوطني، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه ما لم يخمد جحيم الحرب ويعم البلاد سلامًا شاملًا يكون من آياته إنتاج حكومة وطنية تمثل كل شعب اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى