"جنون الإيجارات".. بؤس آخر وهم معاناة التشرد

> تقرير/عبدالقادر باراس :

> تشهد العاصمة عدن ارتفاعًا كبيرًا في أسعار إيجارات المنازل، ما يشكل عبئًا إضافيًا على كاهل شريحة واسعة من سكان المدينة الذين يعانون -أصلا- من تدهور وانهيار العملة المحلية التي عصفت بأحوالهم المعيشية، ويرافق هذا الارتفاع في ظل اكتظاظ سكاني تعيشه المدينة، وازدياد توافد آلاف النازحين من المحافظات المتضررة من الحرب منذ عام 2015م، ويقابله شحة في المساكن، بعد أن أصبحت المدينة مقرًا رئيسًا لعاصمة اليمن المؤقتة، وحاجتها للمباني والمساكن لشاغريها وللمنظمات التي توافدت وتوسع نشاطها في المدينة.

وتأتي موجة ارتفاع أسعار الإيجارات في وقت يحاول المواطن إلى تأمين لقمة عيشه ولوازمه الضرورية، لكنه يواجه صعوبة بالغة في مسايرة الوضع الحالي في ظل تفشي الطمع والاستغلال اللذان يعدان من أبرز أسباب غلاء أسعار شراء المنازل وإيجاراتها، حيث بات المواطن يحلم في أن يمتلك مسكنًا بسيطًا في ظل الأسعار الخيالية لشراء المسكن، إلى جانب إيجاراتها الباهظة.

فارتفاع إيجارات المساكن أصبح فاحشًا، غير أنه في عدن يعد الأعلى إطلاقًا بسبب ازدياد الطلب عليها، مما دفع ملاك العقارات إلى رفع إيجاراتهم وزاد من أطماعهم بتحويلهم أسعار إيجارها إلى العملة الصعبة، خصوصًا المساكن والبنايات الجديدة، حيث وصل الحد المتوسط لسعر إيجار منزل صغير مكون من غرفتين حوالي مائة ألف ريال يمني، وهذا لا يتناسب مع غالبية المواطنين الذين يعتمدون على دخول رواتبهم، بينما آخرون يضطرون لدفع الزيادات أو الدفع بالعملة الأجنبية تجنبًا من التشرد.

هناك كثير من ملاك العقارات ألزموا مستأجريهم على دفع إيجاراتهم بالعملة الصعبة (الدولار والسعودي)، وهذا ما أرق حال المواطن البسيط كونه لا يملك منزلًا، خاصة الكثيرون يعتمدون على نمط سكنهم بالإيجار بمبالغ أصبحت عالية، نتيجة استمرار تهاوي العملة المحلية بشكل مخيف، ويؤثر على وضعهم المعيشي في تدبير شؤونهم.

ويشكو المواطنون من ملاك المساكن والعقارات بأنهم يتحكمون برفع الإيجار متى ما أرادوا وبدون ضوابط وذلك لدفع المستأجرين لديهم لإخلاء المسكن أو المحل بهدف استغلالها لجلب مستأجر آخر، فيما يضطر بعض المستأجرين إلى إخلاء المساكن أو المحلات التجارية التي استأجروها لعدم تمكنهم من سداد قيمة ما يطلبه المؤجرين من مبالغ مرتفعة والتي قد تجاوزت ثلاثة أضعاف.

ولا تزال أسعار الإيجارات تواصل ارتفاعها، كما أن هناك تفاوت في الإيجارات بحسب البناية والمساحة وموقع المنطقة، فالشقة التي كان إيجارها سابقًا بستون ألف ريال زاد سعرها الآن في الثلاث السنوات الأخيرة إلى أكثر من مائة ألف ريال بحسب المنطقة، فإيجار منزل متوسط مكون من غرفتين وصالة يبلغ إيجاره ما يقارب المائة ألف ريال، ومنهم من يدفع 500 ريال سعودي، أما إيجارات في السكن العشوائي وملاحق الأحواش يصل إلى 70 ألف ريال.

في حين تتراوح إيجارات الشقق الجديدة المكونة من أربع غرف تصل الى ألف ريال سعودي شهريًا.
أما الفلل فإيجاراتها عالية تصل إيجار الفلة متوسطة المساحة لأكثر من ثلاثة آلاف دولار، ويزداد الطلب على الفلل والتي تعتبر مكانًا لمقرات ومؤسسات حكومية وتواجد المنظمات فيها.

"الأيام" بحثت عن هذه المشكلة مع عدد من المستأجرين الذين يشكون من ملاك المساكن والعقارات بمعاناة جمة بدفعهم إيجارات مرتفعة، ومنهم من اشترط عليه الدفع بالعملة الأجنبية، حيث أن كثيرين من المواطنين المستأجرين أكدوا لـ "الأيام" أنه لا قانون في البلد يحميهم في ظل الفوضى والاستغلال الذي يمارسها المؤجرون، فيفرضون عليهم رفع أسعار الإيجارات وباستمرار وفق مزاجهم دون مراعاة لأوضاعهم المعيشية، كونهم يعتمدون على مصدر دخلهم الشهري بدفع الإيجار وليس بمقدورهم دفع الزيادات أو الدفع بالعملة الصعبة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.

وأشاروا بأن كثيرين من المؤجرين قاموا برفع قيمة الإيجار، ومنهم من حوّله بالعملة الأجنبية إلى (الريال السعودي) في الثلاث السنوات الأخيرة بذريعة أن العملة المحلية (الريال اليمني) ليس له قيمة بعد تدهوره أمام العملات الأجنبية. وطالبوا الجهات الرسمية المسؤولة الوقوف إلى جانبهم في مواجهة ارتفاع الإيجارات، ووقف التأجير بالعملة الأجنبية، وخاصة الجهات القانونية والأمنية بالتدخل الفوري والسريع لوضع حد لحمايتهم من جشع المؤجرين، وعلى الجهات الرسمية أن تقوم بتشكيل لجنة قانونية لمراقبة وضبط أسعار الإيجارات، وإلزام المؤجرين بالتأجير بالعملة المحلية، كما طالبوا بإصدار قانون ينظم الإيجارات بحيث يضمن حقوقهم.

مروان عمر 45 عامًا، الذي يعمل موظفًا مع زوجته منذ 2011م راتبه ما زال هزيلًا لا يتجاوز 55 ألف ريال من دون تسويات، لكنه يعوض في تدبير شؤونه بعمل آخر، بحيث يغطي صرفيات معاش أسرته، يبدي قلقه الآن بسبب بحثه عن مسكن آخر، بعدما أبلغه مالك السكن بمديرية المنصورة بقرار رفع الإيجار من العام القادم من مائة ألف ريال يمني، وتحويل الدفع من العملة المحلية إلى العملة الأجنبية بـ 500 ريال سعودي (الريال السعودي يعادل 400 ريال يمني) بزيادة نسبتها مائة في المائة.

ويقول بالمثل المواطن أكرم ياسين، "أسكن في شارع الكثيري بمديرية المنصورة، كنت أدفع في بداية استئجاري لشقة مكونة من ثلاث غرف، ثلاثين ألف ريال، بعدها رفع الإيجار على مرحلتين زود مالكها 3 ألف ثم ألفين ريال، وأصبحت أدفع 35000 ألف ريال، لكن بعد حرب 2015م تدهورت الأوضاع كثيرًا فاستمر الإيجار يرتفع وحاليًا أدفع منذ أبريل من هذا العام ثمانين ألف ريال".

ويضيف أكرم "كما ترون حال تردي الأوضاع، وبحسب وضعي فلست قادرًا على دفع 80 ألف ريال، على الرغم من أن هناك مستأجرون يدفعون أكثر مني وبالريال السعودي، اعتقد أن صاحبي لا يطمع كثيرًا وهو آخر من يرفع الأسعار عن بقية الملاك، فأنا دخلي محدود من وضيفتي الحكومية والذي لا يتعدى 61 ألف ريال، فلجأت إلى عمل آخر لتحسين معيشتي".

جلال الميسري، الذي استأجر ملحق حوش مكون من غرفة وحمام ومطبخ صغيرين في حي عبدالعزيز بمديرية المنصورة، يشكو كذلك من ارتفاع الإيجارات بشكل كبير، لكنه أشار: " أن مالك الغرفة في الحوش يريد أن يرفع إلى خمسين ألف ريال، كان في بداية استئجارنا قبل أربع أعوام 23 ألف ريال واستمر بالرفع إلى يومنا بـ 40 ألف ريال، ويطالب المالك بزيادة عشرة ألف ريال من بداية العام القادم ليصبح خمسين ألف ريال.

كما يشكو كثير من التجار في ظل الفوضى التي يعيشونها بافتقادهم لقانون ينصفهم كمستأجرين، بحسب إفادتهم لـ "الأيام" بأن سبب غياب القوانين والتشريعات التي تحد من جشع أصحاب العقارات هو نتيجة غياب قانون صريح وواضح ينظم الإيجارات، أدى ذلك إلى ارتفاع قيمة الإيجارات على محلاتهم التجارية وألحق ضررًا كبيرًا بهم، مما يعيق من مزاولة نشاطهم التجاري ويشكل عائقًا لهم قد يؤدي بهم إلى الإفلاس، فهناك مستأجر خرج من المحل بعد مواجهته صعوبات من المؤجر بسبب زيادته المستمرة في رفع الإيجار وحاول المستأجر من المالك أن يتراجع عن زيادة قيمة الإيجار لكن اشترط عليه أن يكون شريكًا معه.

وللوقوف أمام قضية ارتفاع الإيجارات وتحويلها إلى العملة الأجنبية من وجهة نظر القانونيين، أفادوا بوجود خلل في قانون الإيجار اليمني والضوابط التي تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، معتبرين توسع فئة المؤجرين وإصرارهم على التعامل بالعملات الأجنبية مع المستأجرين، تطورًا خطيرًا في ظل الأوضاع المتدهورة وسيزداد عدد المتضررين. مؤكدين بوجود قصور في الحقوق والضمانات في القانون اليمني الخاص بين المؤجر والمستأجر رقم (22) لسنة 2006م، وكذا عدم وجود الضوابط التي تنظم العلاقة بينهما، ولا يحمي المستأجرين من استغلالهم وجشعهم، وخلصوا بأن القانون لم يكفل للمؤجر حقوقه لكنه أغفل حقوق المستأجر.

وهذا ما يوضحه وفي علي عثمان العريقي، المستشار القانوني بهيئة أراضي لحج، بقوله: "إن أساس أي علاقة تعاقدية بين المواطنين هو التشريع باعتباره هو المنظم القانوني، دونه يجعل الأمور مناسبة تسير باستغلالية المؤجر ومزاجه في كثير من العلاقات الإيجارية، وخاصة أن أغلب الملاك يريدون تأجير عقارهم –بالعملة الأجنبية، وسببه غياب العدالة وإغلاق المحاكم لأبوابها أدى إلى عدم قيامهم بواجبهم".

مضيفًا: "إذ أن من واجب القضاة التدخل بالفصل في المنازعات بين المواطنين خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، أضف إلى ذلك غياب مؤسسات الدولة، فالمشكلة ليست ذات معيار شخصي وإنما موضوعي، إذ لابد من وجود الدولة بكافة مؤسساتها للحد من هذه الظاهرة لحماية المستأجر، كما أن هناك سبب آخر هو عدم تدخل المشرع للحد من تعديل القوانين المنظمة للعلاقة بين المؤجر والمستأجر، ووفقًا للظروف الطارئة الذي تمر بها البلاد، كل هذا أدى إلى استشراء هذه الظاهرة السلبية خاصة بعد الحرب".

فيما يبرر كثير من أصحاب مكاتب إيجار العقارات و(السماسرة – الدلالين) على الرغم من درايتهم بتأثر الأغلبية بتدني رواتبهم بسبب هبوط العملة، إلا أنهم بحسب إفادتهم يحاولون إرضاء المؤجر وفي نفس الوقت إقناع المستأجر لمراعاة وضعه المعيشي، لكنهم يؤكدون بأن هناك زيادة في الطلب مما يجعل المستأجرين مضطرين للقبول بدفع الزيادات ولو حتى بالعملة الأجنبية.

وما يعكس عمق هذه القضية هو إقدام الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في الشهر المنصرم على إلغاء التعاملات والعقود التجارية الداخلية بالعملة الأجنبية والتي أقرتها بعدم قانونيتها واقتصارها على العملة الوطنية، (الريال اليمني) لكبح التعاملات في تسعيرة الإيجارات بالعملة الصعبة، والهدف هو وضع حد للتدهور الحاد والمستمر لسعر العملة المحلية المتداعية أمام العملات الأجنبية.

وعلى هذا النحو وجه محافظ عدن أحمد لملس بإعداد خطة ملزمة تخضع جميع عقود إيجارات العقارات السكنية والتجارية بالعملة المحلية.

فيما الحوثيون المسيطرون على معظم شمال اليمن قاموا بتعديل قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر بحجة الظروف الاستثنائية والحرب والنزوح، حيث أقروا تعديلًا في بعض مواد القانون اليمني رقم (22) لعام 2006م بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ونص التعديل الجديد على أن يحمي المستأجر في الظروف الاستثنائية العامة كالحرب والحصار وما يترتب عليها النزوح وضعف الدخل أو انقطاعه، وفقًا لشروط العقد المتقابلة بين المؤجر والمستأجر على أن يظل عقد الإيجار للعقارات المؤجرة للسكن سارية خلال فترة الظروف الاستثنائية وتحدد تلقائيًا بقوة القانون بشروطها الأولى وبالأجرة السابقة، وتضمن التعديل في القانون إلزام الحكومة بوضع المعايير والضوابط اللازمة لتحديد القيمة الإيجارية السكنية التي تراعي الظروف، وعلى أن ينتهي العمل بأحكام هذا القانون عند انتهاء الحرب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى