عشوائية محطات المياه في صنعاء وتعز.. خطر كبير يهدد صحة المواطنين بلا رقابة

> أسامة عفيف

> تعد اليمن من أكثر الدول التي تواجه أزمة خانقة في المياه، كما أن موارد المياه العذبة تتضاءل بسبب الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية مع تزايد الطلب عليها بفعل الاستهلاك المرتفع، وسوء إدارة الموارد المائية، فيما فاقمت الحرب الدائرة في البلاد، الظروف المعيشية للمواطنين، وتسببت في نقص مياه الشرب النظيفة، مع انتشار واسع للمحطات العشوائية، والتي لا تخضع لأي رقابة من قبل السلطات.

بدون تراخيص
وانتشرت في الآونة الأخيرة محطات تعبئة المياه المعدنية بشكل كبير دون وجود أي رقابة حكومية عليها، الأمر الذي فاقم المشكلة هو استخدام مادة "الكلور" السامة، والتي يقول خبراء في الطب إن عملها يجب أن يتم تحت إشراف متخصصين، وبنسب محدودة جدًا، حيث أن عدم الالتزام بذلك سيكون له نتائج قد تكون وخيمة، أبرزها الإصابة بأنواع كثيرة من السرطانات والفشل الكلوي.

في إحدى محطات مياه الكوثر في مدينة تعز، رصد مراسل "المصدر أونلاين" عددًا من الإجراءات الخاطئة، منها أن البراميل التي يتم فيها تعبئة المياه، غير نظيفة وبالية جدًا، ولا تبدو عليها أنها صالحة للاستخدام، بالإضافة إلى أن المحطة تقع في شقة صغيرة بإحدى الحارات، ولا تلتزم بأي معايير تذكر.

"منار محمد" مواطنة من صنعاء قالت في حديثها لـ"المصدر أونلاين" إن "المحطات العشوائية منتشرة بشكل كبير في صنعاء، لدرجة أن كل من لديه مبلغ بسيط يفتح له محطة لتعبئة المياه، بدون أي مقاييس أو مواصفات، وعدة مرات نشتري ماء ونجده ملوث وبداخله أشياء غير طبيعية، بالإضافة إلى أننا نعرف أناس فتحوا لهم محطات من داخل بيوتهم، وهذا يعني أنه لا مختبر ولا أي فحص للماء ويصّدروه إلى السوق مباشرة".

تضيف فتقول "أمي وأخي على الرغم من حرصهم على شرب مياه نقية ومعدنية إلا أنهم أصيبوا بمشاكل في الكلى وترسبات الأملاح، وقبل سبعة أشهر اشترت أختي قارورة ماء 75مل، وفي البيت وجدت داخلها أشياء تشبه الخيوط، وهو نوع من المياه الجديدة المنتشرة في السوق"، بعدها قررت أسرة منار عدم شراء أي نوع من المياه غير المياه المشهورة في السوق منذ زمن.

"أحمد" مالك بقالة في صنعاء، هو الآخر مر بنفس تجربة "منار"، حيث يقول إنه قبل خمسة أشهر، وجد أوساخ كثيرة داخل قارورة ماء تنتجها شركة مشهورة ولها سنوات طويلة في السوق المحلية.

شكاوى المواطنين
في استطلاع أجراه المحرر على عدد من البقالات في مدينة تعز، قال مالكو تلك البقالات، إن المواطنين يشتكون بشكل دائم من تغير طعم المياه، ووجود تلوث فيها، خصوصًا عبوات "ماء الكوثر" غير المرخص لها، وبحسب هؤلاء التجار فإن المواطنين غالبًا ما يعودون بهذه المياه حتى يتوقفوا عن شرائها تمامًا.
تقول "تسنيم دبوان" وهي مواطنة تعيش في تعز، إن طعم "الماء الكوثر" متغير أكثر الأحيان، وكأنها ليست مياه معدنية، وتضيف أنها في أحيان كثيرة كانت تشتري الماء وتجد الطعم غريبًا"، وهذا بالنسبة لها ينطبق على العبوات ذات الحجم الكبير (2 لتر)، وليست العبوات الصغيرة.

"عبد المجيد" هو الآخر يقول إنه توقف عن شرب المياه المعبأة "الكوثر"، وذلك لأنه يستطيع تمييز ما إذا كان الماء نقيًا أم لا، ومع ذلك فإنه يلجأ إليها في حال عدم توفر المياه النقية، ويضيف "أميز طعم الماء الجيد من السيء وأحيانًا أشم رائحة سيئة للفلاتر أو الكلور، بل إن الماء غير النقي أحسه يكبدني عند الشرب".
"محمد رشاد" هو الآخر يقول "إنه ذات مرة اشترى 5 قوارير ماء وعندما فتح واحدة وجد أن رائحة الماء سيئة، فعاد لصاحب البقالة وأخبره بالأمر، وكان يملك صاحب البقالة وقتها أكثر من 40 كرتونًا من ذات الماء، فاتصل بموزع المياه، ليحضر مباشرة وقام بتغيير تلك المياه".
وأضاف "رشاد" "لم أحب أن أفعل للموزع مشكلة وقتها، وإلا كنت سأتصل لمفتشي الجودة، وعدَّت القصة على خير".

نتائج خطيرة
الأطباء يقولون إن إضافة الكلور بنسب عشوائية أمر بالغ الخطورة، ذلك أنه يسبب الكثير من الأمراض المزمنة، وهذا ما أكده الطبيب مرشد القباطي في تصريحه لـ"المصدر أونلاين"، حيث يقول إنه "لابد من إضافة الكلور إلى الماء بنسب معينة ودقيقة جدًا، وإلا فإنه يسبب الكثير من الأمراض، أبرزها الربو والفشل الكلوي والكثير من السرطانات".

"شوقي نعمان" صحفي في صنعاء يقول إنه "لا يخفى على أحد في صنعاء أن محطات المياه أصبحت منتشرة في كل حارة وكل مدخل، ولا توجد رقابة حقيقية على هذه المحطات، ولا تعمل وفق معايير صحية، إذ أن مئات المصانع للمياه في صنعاء فتحت دون أي تراخيص قانونية أو إشراف صحي من الجهات المختصة".

شوقي في تصريحه لـ"المصدر أونلاين" يضيف أنه "أثناء تفشي مرض الكوليرا وبعض الحميات والفيروسات في صنعاء، أخذ عدة منتجات من مصانع المياه وذهب لفحصها في هيئة الجودة والمقاييس"، ويواصل حديثه "كنت وقتها أعد لتحقيق صحفي والكشف عن هذه الأضرار التي تؤثر بالمستهلك، ومن خلال جمع المعلومات اكتشفت أن هذه المصانع تتبع شخصيات لها نفوذها السياسي والعسكري والقبلي في صنعاء ولم تستطع الجهات الرسمية إيقافها أو إغلاقها".

يضيف فيقول "في صنعاء توجد المئات من الأسماء التجارية لمصانع المياه غير المرخصة، إضافة إلى وجود المحطات التي تعمل في الحارات دون أي رقابة أو مراعاة لحياة الناس، هذا بالإضافة إلى الاعتداء على بعض الأسماء التجارية الموثقة بعلامات رسمية لمصانع قديمة وشركات ذات جودة عالية".
"عمر" صاحب سوبر ماركت في تعز يقول إنه وجد قارورة ملوثة لمياه "..."، مع العلم أن هذه المياه انتشرت مؤخرًا بشكل كبير في صنعاء.

غياب المتابعة القانونية
في وثيقة حصل المصدر أونلاين على نسخة منها أصدر مكتب الصناعة والتجارة بتعز تعميمًا بإغلاق كافة المحطات العشوائية وغير المرخص لها، وعدم التعامل معها وضبط كل المخالفين، لكن لم يتم تنفيذ هذا التعميم على أرض الواقع، تارة بتبرير أن مدينة تعز بحاجة ماسة للمياه وأخرى بقوة سلاح المتنفذين.
مدير الرقابة الصناعية في مكتب الصناعة والتجارة بتعز "عبد الواحد الصبري" قال إن "هناك الكثير من المحطات العشوائية وغير مرخص لها في تعز، وقد تم ضبط الكثير منها، لكن وجود المتنفذين وأصحاب الوساطات يعيقون عملهم، بل ويصل بهم الحال أحيانًا للرضوخ لهذه المخالفات تحت تهديد السلاح".

ويضيف "الصبري" في تصريحه لـ"المصدر أونلاين" "يتحجج أصحاب المحطات العشوائية بأنهم يقومون بالتعبئة من المحطات المركزية، وحينما نتابعهم نجد خلاف ذلك، فهم لا يلتزمون بأبسط المعايير والمواصفات، وهناك تساهل وتلاعب من قبل النيابات، فحينما نرفع قضية يتم عرقلتها في النيابة".
أما مدير مكتب الصناعة والتجارة بتعز "أحمد المجاهد"، فقد أشار إلى أنه سيقوم بعمل لجنة ويشرف عليها مباشرة للنزول إلى محطات المياه وعمل الفحوصات لها وتقييم مدى التزامها بالمواصفات والمعايير المتعارف عليها عند الخبراء.
ويضيف "المجاهد" في حديثه للمصدر أونلاين أن "أمر الرقابة لا يقوم به مكتب الصناعة والتجارة لوحده، وإنما المكتب يقوم بالإشراف الرقابي على صحة البيئة في مكتب الأشغال والمواصفات التي ترفع له منهم".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى