​كيف نقرأ ما يجري في شرق اليمن؟

>
تشهد المنطقة الشرقية من اليمن (حضرموت وشبوة على وجه التحديد) أحداثًا دراماتيكية متسارعة، ويبدو أن فهم وتفسير أسباب وأهداف هذه الأحداث متباين لدى الشارع الجنوبي وعند النخب الجنوبية أيضًا، والكثير من الجنوبيين يرون في تلك الأحداث ترتيبات تسبق عملية فك ارتباط الجنوب عن الشمال،  وبصرف النظر عن وجهات نظر الجنوبيين المتباينة في هذا الشأن،  فالواضح أن السعودية قد وصلت إلى قناعة أن الإخوان لم يعد منهم خير يرتجى بعد أن سلكت معهم سياسية المداراة، ومحاولة كسبهم لحاجتها إليهم في معركتها مع الحوثيين بداية تدخلها باليمن، خصوصًا وأن حليفها السابق صالح وقواته العسكرية وحزبه المؤتمر قد صاروا في صف عدوها الحوثيين، لكن بعد مقتل صالح بدأت السعودية ترتب وبالتعاون مع الإمارات لتأهيل المؤتمر ليكون بديلًا عن الإصلاح،  وتبني قوات طارق لتكون بديلًا عن قوات محسن الأحمر،  بعدها صارت كفة المؤتمر وعائلة صالح ترجح يومًا بعد يوم،  حتى بات واضحًا اليوم أن قوة طارق والمؤتمر هي على الأرض أقوى بكثير من قوة الإخوان والأحمر.

وإذا ما نظرنا إلى تطورات أحداث شبوة وحضرموت من هذه الزاوية، فإنه يمكن اعتبار إزاحة بن عديو الإخواني والمجيء بالوزير المؤتمري محافظًا لشبوة، ثم تحرك قوات كبيرة من العمالقة من الساحل الغربي باتجاه شبوة، يأتي ضمن هذه الاستراتيجية، وهي خطوة في طريق تعزيز مكانة  المؤتمر في شبوة، وجعلها قاعدة انطلاق العمالقة باتجاه مأرب لتحريرها، ومن ثم تسليمها إلى طارق صالح كما تمَّ في الساحل الغربي، كما يمكن ربط ما يجري في حضرموت من تطورات بما يرتب له التحالف بقيادة السعودية في المنطقة الشرقية من اليمن، فربما يكون للسعودية يد في تحريك الشارع الحضرمي وانطلاق الهبة الحضرمية، ليوفر لها الحجة الكافية لإجراء بعض الترتيبات التي تخدم تحركها في الأيام القادمة، ومن المرجح أن يستبدل البحسني بمحافظ آخر من حزب المؤتمر الشعبي العام، أو بشخصية قبلية اجتماعية تحظى بقاعدة شعبية داخل حضرموت وتحظى بثقة السعودية أيضًا لتتمكن من خلالها بناء تحالفات مجتمعية مساندة داخل المجتمع الحضرمي، ليسهل عليها إدارة تحركها في الجبهة الشرقية من اليمن، ويمكن القول إن تحرك قوات العمالقة إلى شبوة إلى جانب كونها عملية تهدف إلى تحرير مديريات بيحان من الحوثيين، يمكن اعتبارها أيضًا عملية عسكرية استباقية من السعودية تحقق فيها غايتين: الأولى تفشل سقوط مدينة مأرب بيد الحوثيين، والثانية تفشل فيها انضمام  قوات المنطقة العسكرية الأولى المرابطة في حضرموت إلى الحوثيين، لأن سقوط مدينة مأرب بيد الحوثيين يجعل من خيار انضمام تلك القوة إلى الحوثيين  في حكم المؤكد، أما في حالة تمكنت قوات العمالقة من حماية مدينة مأرب ومنعت سقوطها ومن ثم تحرير ما يمكن تحريره من محافظة مأرب وتسليمها إلى طارق،  فسيتحول ولاء أفراد وضباط  المنطقة العسكرية الأولى إلى طارق بدلًا عن محسن الأحمر،  وستظل مرابطة في مواقعها في محافظة حضرموت.

 وعليه فإن البناء على ما يجري في حضرموت وشبوة من أحداث واعتبارها ترتيبات لفك ارتباط الجنوب عن صنعاء كما يفهم الكثير من أبناء الجنوب، هو بناء قاصر، فلربما تكون تلك الترتيبات تختص فقط بتهيئة الشروط اللازمة لإيجاد بيئة مناسبة للسعودية في هذه المنطقة، تمكنها من إعادة صياغة ورسم خريطة القوى والتحالفات في الجغرافية اليمنية، حتى تتمكن من تحقيق الأهداف التي تدخلت من أجلها في اليمن، سيما وأن رؤية الرياض ترى أن من مصلحة الأمن القومي السعودي بقاء اليمن موحدًا يدار من مركز قرار سياسي واحد فدراليًا كان أم مركزيًا بسيطًا، لأن التعامل مع مركز قرار واحد هو أفضل بكثير من التعامل مع مركزين متناقضين في القرار.

ومع التسليم برفض التوجه السعودي المساند لوحدة الدولة في اليمن، يظل هناك لاعب رئيس قد يفرض خيارات لا تتفق مع هذا التوجه، وهو القوى الدولية الكبرى، فهذه القوى قد تمنع إلحاق الهزيمة بالحوثيين حتى وإن كان بمقدور السعودية والقوى العسكرية المحلية المناهضة للحوثيين تحقيق ذلك، فالحوثيون  ليسوا أقوياء بالقدر الذي يصعب هزيمتهم، وإنما لأن  هزيمتهم تتطلب قرارًا دوليًا، وإن دخول صنعاء يرتبط بهذا القرار وليس بالقوة العسكرية التي ستدخلها، ومتى ما توفر هذا القرار فقد لا تحتاج هزيمتهم ودخول صنعاء أكثر من  شهر واحد، وكذلك الحال فيما يتعلق بالقضية الجنوبية، وفي خيار فك الارتباط وفي شكل الدولة اليمنية، الذي يتطلب هو الآخر قرار دولي،  وليس للأطراف المحلية ولا حتى للسعودية والأطراف الإقليمية الأخرى القدرة على اتخاذ قرار معين، إنما يترك لهذه الأطراف التحرك على الأرض تحت سقف معلوم مرسوم لن تسمح القوى الدولية الكبرى (الأمريكان والإنجليز خاصة) تجاوزه، وفيما دون هذا السقف يمكن لأطراف الصراع المحلية والإقليمية في اليمن أن تتحرك وترتب أوراق لعبتها، فيما يظل طرف خيط اللعبة يمسك به الكبار فقط.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى