​موقع الجنوب في العملية السياسية

>
موقع الجنوب في العملية السياسية القادمة التي سترعاها الأمم المتحدة في المنطقة لم يتحدد بشكل واضح ونهائي حتى اللحظة، لكن هناك خط سير تصاعدي مرت فيه عملية تحديد موقع الجنوب، تجلى خط السير هذا بشكل واضح منذ المبادرة الخليجية الذي كان شرط عفاش لكي يتنحى من السلطة، حل قضية الجنوب، ولكن كما يريدها هو وليس كما يريدها شعب الجنوب، ونص ذلك الشرط حينها على حل قضية الجنوب تحت سقف (الوحدة) أي أن تحل في إطار عملية الضم والإلحاق التي تمت للجنوب في حرب صيف 1994م تحت مسمى (الوحدة).

وكان الحراك الجنوبي السلمي حينها قد هز أركان نظام صنعاء وقواته المحتلة لأرض الجنوب، ولم يكن ممكنا إجراء أي تسوية دون حل قضية شعب الجنوب، وكان يراها الجميع مفتاحا لحل كل مشاكل المنطقة، لكن يختلفون في وضع حلولها، وكان شرط عفاش في المبادرة الخليجية قيد لقوى الاحتلال، لكن لم يدرك أو تعمد أنه  تجاوز حقيقة أن شعب الجنوب قد كسر ذلك القيد، وقد ذهب إلى أبعد من ذلك لاستعادة هويته الوطنية الخاصة به بعيدا عن اليمننة، وأنه ينشد استعادة سيادته على أرضة وبناء دولته الوطنية، فكان مؤتمر حوار صنعاء الذي تضمنته المبادرة الخليجية هو محطة  رسم وصياغة المستقبل، فأرادوا أن تضع قوى الاحتلال الحل لقضية شعب الجنوب معتبرين أنها قضية مظالم فقط، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك أن المظالم قد شملت الكل بما في ذلك شعب (ج ع ي) وذلك بهدف تمييع قضية شعب الجنوب كقضية وطن وهوية ودولة، وحاولوا تزييف تمثيل الجنوب، ففي الشكل أن يكون الجنوب ممثلا بالحوار في نصف قوام المؤتمر، لكن في المضمون حاولوا تسخير هذا التمثيل، فجاءوا  بالنصف هذا ممن لا يحملون قضية الجنوب بل من رافعي شعار حل قضية الجنوب تحت سقف الوحدة كما علمهم كبيرهم، وخصوصا من أعضاء المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع للإصلاح (إخوان اليمن) وغيرها من الأحزاب اليمنية.

 كان ممثلو الحراك أقلية لا تتجاوز عدد الأصابع، وليس لها تأثير في صنع القرار، ومع ذلك فرض الجنوبيون حضورهم لعدالة قضيتهم، وكان حوار الأربعين عشرين جنوبيا وعشرين شماليا، وبعدها حوار الستة عشر، ثمانية جنوبيين وثمانية شماليين، وكانت هذه بداية مهمة للاعتراف بثنائية الشعبين والوطنين والهويتين، وقد جاء ذلك بضغط الحراك الجنوبي السلمي وعدالة القضية ودعم دولي، لكن تم الالتفاف على التمثيل الجنوبي فعاودوا الكرّة باختيار ممثلين للجنوب ممن يعادون قضية الجنوب مثل بن دغر وغيره، فانسحب وفد الحراك عندما وجد التلاعب بالمفاوضات والخروج بالحوار من قاعات المؤتمر إلى ديوان الشيخ ليصنع القرار هناك بين المؤتمر والإصلاح. 

استمر الجنوبيين بنضالهم السلمي وجاءت غزوة اليمنيين للجنوب الثانية في 2015م، فظهرت المقاومة الجنوبية البطلة التي حررت الجنوب بدعم ومساندة من التحالف العربي، وتشكل المجلس الانتقالي الجنوبي بتفويض شعبي ليشكل القيادة السياسية للجنوب، وحاملا للقضية الجنوبية داخليا وخارجيا ومفوضا في إدارة الجنوب.
عندما جاء ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جريفيثس، وبدأ التحضير للعملية السياسية كانت قضية الجنوب حاضرة، ولكن كان القرار 2216م الذي حصر الصراع والحل بين  الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة أنصار الله (الحوثي) ومرجعية المبادرة الخليجية التي لم يمثل فيها الجنوب، ومخرجات مؤتمر الحوار الذي انسحب منه ممثل الحراك الجنوبي، وبعد حوارات بين قيادة المجلس الانتقالي وممثل الأمين العام في عمان وغيرها كان يطرح أن يحضر الجنوبيون العملية السياسية ممثلين بالمجلس الانتقالي بصفة مراقبين، على أن تحل قضية الجنوب بعد الاتفاق بين طرفي الحرب المشمولين بقرار 2216، وحينها اشترط أن يكون لهم حق الفيتو في توقيف أي حديث يعمل على الانتقاص من قضية شعب الجنوب أو أي شيء يستبق حلها، ومع ذلك ظل الطرف اليمني الاحتلالي المتمسك بالضم والإلحاق للجنوب على تشعيب التمثيل الجنوبي ليشمل إلى جانب المجلس الانتقالي حراك فؤاد راشد وحراك باعوم  مؤتمر جامع حضرموت والمجلس القبلي المهرة في محاولة لاختراق الجنوبيين والانتقاص من  حل قضيتهم العادلة. ولم يتم مثل ذلك الاشتراط على اليمنيين (ج ع ي) رغم تعدد القوى السياسية والاجتماعية وتصارعها على السلطة وعلى احتلال الجنوب ونهب ثرواته، ووصل إلى صراع مسلح دام لعدة سنوات، ولا زال قائما.

بعد اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، برعاية كريمة من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودعم المجتمع الدولي، تضمن الاتفاق تشكيل حكومة مناصفة بين الجنوب والشمال، وتشكيل فريق تفاوضي مشترك إلى العملية السياسية بين الانتقالي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وحالما بدأت المشاورات لتشكيل حكومة المناصفة، ظهر التحايل على النصف الجنوبي، الذي يفترض أن يشكله المجلس الانتقالي الجنوبي فأخذ الرئيس الأربع الوزارات السيادية، وبالتأكيد لم يرشح أحد من الجنوبيين الذين يحملون قضية الجنوب بل جميعهم من المناصرين لإخوان اليمن، وتم ترشيح واحد من المؤتمر الشعبي العام وواحد من الإخوان (الإصلاح)، وواحد اشتراكي وواحد من المؤتمر الجامع حضرموت، وواحد من المجلس القبلي المهرة، وبقيت خمس وزارات فقط للانتقالي. هذه الخارطة  للقوى السياسية في النصف الجنوبي في الحكومة تحمل في طياتها كثير من النوايا المبطنة التي تحاول إعاقة تمثيل الجنوب بقواه الحاملة لمشروعه السياسي والوطني في التحرير والاستقلال، وتشتيت تمثيل الجنوب وإحضار مشاريع سياسية معادية للجنوب ليحملها للأسف بعض هؤلاء الجنوبيين الذين ارتهنوا للاحتلال اليمني، ويريدون تدمير تطلعات شعب الجنوب. وفي تقديري أنا، تشكيلة يراد تطبيقها مستقبلا لأي تمثيل جنوبي إذا لم يتوحد الجنوبيون ويحسموا أمرهم في التحرير والاستقلال وتحقيق تطلعات شعبهم.

بعض هؤلاء لم يتحدث يوم عن قضايا الجنوب ولا يعترف بأنه يمثل الجنوب بل نشاطه كله لخدمة حزبه اليمني، لكن من المهم الإشارة إلى أن اتفاق الرياض قد اعترف بثنائية الجنوب والشمال الذي كانت قوى الاحتلال اليمني لا تعترف به، بل وتعتبر الجنوب فرعا والضم والإلحاق هو عودة الفرع للأصل.
إن المحطة الحاسمة والمهمة اليوم هي التمثيل في المفاوضات السياسية القادمة التي سترعاها الأمم المتحدة، وتمثيل الجنوب ورغم أن النص في اتفاق الرياض هو تشكيل وفد مشترك بين الانتقالي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا الذي يشارك فيها المجلس الانتقالي يفترض أن يحصل على غالبية الوفد إلا أنني متأكد أن هناك مساعي يمنية خبيثة للالتفاف على ذلك ناهيك أنه قد تم تأخير تشكيل الوفد بقصد تمرير الخطوات الأولى للعملية السياسية، وهي مهمة جدا، من خلال وزارة الخارجية اليمنية التي يسطر عليها الإخوان، وسيعملون على تشتيت التمثيل الجنوبي بهدف تمييع قضية شعب الجنوب وتطلعاته، إذا لم تتحمل القوى السياسية الجنوبية مسؤوليتها التاريخية في تحقيق اللحمة الجنوبية والاتفاق على تمثيل واحد للجنوب، يلتزم بخيار الدولتين واستعادة الوطن الجنوبي والهوية الوطنية والدولية الجنوبية، ولكن ينبغي النظر أيضا في المستجدات الراهنة، وخصوصا ما جاء في إحاطة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الأخيرة المقدمة لمجلس الأمن وتصريحات المسؤولين الروس  حول القرار 2216، فإن هذه المستجدات  تظهر مؤشرات على خلاف ما جاء في اتفاق الرياض، أي أنها تجاوزت بعض ما فيه بحكم المتغيرات على أرض الواقع، مثل أن العملية السياسية ستشارك فيها جميع الأطراف، أكانت تلك التي شاركت في الحرب أو التي لم تشارك، يعني مفاوضات متعددة الأطراف، ولهذا سيدخل الانتقالي كطرف دون الاعتماد على اتفاق الرياض الذي كان يعتبره الانتقالي جواز مرور إلى العملية السياسية، وما على المجلس الانتقالي إلا دراستها والعمل لتأثير في القرارات والتوجهات التي يريد وضعها مجلس الأمن ودول التحالف والرباعية، وأن لا ينتظر ما يأتيه، وحينها لن يكن بمقدوره تحقيق كثير مما يطمح إليه.
وان لا يقبل بتأجيل حل قضية الجنوب إلى ما بعد استفتاء على الدستور وانتخابات وحكومة يمنية كنتائج للعملية السياسية، لأن قضية الجنوب هي مفتاح لكل القضايا باعترافهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى