​حضرموت والقبيلة

> لعبت القبيلة دورا مهما في تاريخنا، فخلال مراحل كثيرة، كانت هي الدولة في مطلع القرن الماضي وبداية تشكل ما يسمى بالدولة الحديثة ونتيجة الصدامات مع السلطة حينها، تنبهت الإدارة البريطانية للأمر، وأدى ذلك إلى الصلح القبلي العام في ثلاثينيات القرن الماضي.
بعد هذا التاريخ، استمر دور القبيلة الفعال في الحياة العامة، ولكن انحصر دورها في العمل وفق الإطار القبلي حسب الأعراف القبلية، وأنصب دور كثير من القيادات على رعاية الشأن الخاص والحفاظ على المصالح الضيقة من إصلاح ذات البين، وحماية القبيلة من التهديدات الخارجية، التي انحصرت في الجوار القبلي، لذلك حرص أفراد القبيلة على أن يكون الأمر للشخص الأكثر علما بالأعراف القبلية، وتم إهمال الجانب السياسي بالرغم أن التهديد الأكبر كان سياسيا. 

في الجانب الآخر، النخب السياسية والفئات المتعلمة توجهت للمجتمع كأفراد، وليس كقبائل ورغم قدرة القبيلة على الحشد والتأثير إلا أن انخفاض مستوى وعي القيادات القبلية جعلها لا تدرك الخطر الذي يحيط بها وبحضرموت.
بعد 30 نوفمبر، نشأ كيان جديد معتمد على نخب سياسية بعيدة عن تأثير القبيلة، وغير مرتبطة بالمجتمع بشكل كافٍ، وفي أحيان كثيرة ناقمة عليه، وأصبح الحكام الجدد في حالة صدام مع القبيلة، لذلك تم تحييدها والقضاء على دورها، أو نستطيع أن نقول إنه تم وضعها في حالة موت سريري.

بعد السقوط المدوي للنظام عام 1994م، وهروب القيادات السياسية التي كانت تقود تلك المرحلة، وجد الشعب نفسه في حضرموت والجنوب مكشوفا أمام دولة لديها أفكار سياسية مختلفة، ولا يوجد أحزاب أو مكونات وطنية حية لكي يلتف الناس حولها، فلم يجدوا غير  قبائلهم ومكوناتهم الأسرية، فتم إعادة أو إحياء القبيلة، وعاد كل شيء إلى مرحلة ما قبل عام 1967م، وتم البحث عن المقادمة وشيوخ القبائل وإعادتهم إلى مواقعهم، ومن مات منهم، تم تعين ابنه خلفا له، متناسين مرور 27 عاما من التاريخ. 

صعدت القبيلة من جديد بقيادات تعرف كثيرا من الأعراف القبلية، ومحملة بإرث من التاريخ الشفهي الذي يوثق الصراع القبلي والعلاقات المعقدة بين فروع القبائل المتعددة، متناسين أن التهديد الذي يحيط بالقبيلة ليس القبيلة المجاورة التي ستشن غارة عليها، بل من السياسية التي لا تفقه فيها تلك القيادات شيئا.
ورغم كل هذا وفي غياب النخب السياسية للبلد، أصبح الشارع يراهن على المكون القبلي لإحداث تغيير معبر عن حقوق المجتمع، بعد أن أصبحت النخب السياسية رهينة لنظام صنعاء أو ما تبقى من نظام عدن، وفي ظل هذه الظروف، تصدر كثير من المقادمة والشيوخ للأمر، واستطاعوا إحداث اختراق نسبي، رغم ضعف الإمكانات وغياب الوعي السياسي. وخلال هذه المراحل كانوا عرضة للاختراق، وفي أحيان كثيرة تم حرف كثير من المحاولات واستغلال قدرة القبيلة على الحشد من أجل تحقيق مكاسب لقوى سياسية لا تريد الخير للوطن.

هذه إشكالية حضرموت وبعض المناطق الجنوبية، التي إذا لم نجد لها حلا سنظل ندور في دوامة الأحداث السياسية المؤسفة دون أي فائدة للوطن.
على القبيلة أن تصبح أكثر وعيا بالسياسية، لكي لا يسهل استغفالها، وعلى النخب السياسية أن تلتحم بأهلها، وتعرف أن التغريد خارج السرب جعل كثيرا منكم مطاردين، تعيشون المهانة والذل في الوطن وخارجة، واعلموا أن الشجرة دون جذور تعصف بها الرياح، والقائد دون رجال لا قيمة له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى