ما مدى مشروعية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 (2015)؟

>
  • هل أذن مجلس الأمن لدول التحالف العربي بالتدخل العسكري في اليمن قبل أو بعد صدور القرار؟
أود التنويه بأنه ليس من السهولة بمكان الوقوف على ما انطوى عليه القرار 2216، لكنني أقف هنا فقط على مدى مشروعية القرار، وهل صدر وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي العام، أو مخالفًا لها؟
في البدء، لا بد من إعطاء لمحة مقتضبة عن مجلس الأمن، يعد أحد أهم الأجهزة الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، وينهض بالمهام الملقاة على عاتقه بموجب أحكام الميثاق وسبيله في ذلك ما يصدره من قرارات ويجب أن تتوافر في هذه القرارات صفة المشروعية بحيث تأتي منسجمة مع نصوص الميثاق وقواعد القانون الدولي العام وفي حالة مخالفة مجلس الأمن للشروط اللازمة لإصدار القرارات يجعلها تفقد سند مشروعيتها.

وقد أوضحت المادة 1/2 أن"تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها" ففي (م- 24) وضعت قيدين على سلطات المجلس الأمن ينبغي مراعاتهما وهما مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها بوصفها الحد الموضوعي لصحة ومشروعية استخدام المجلس لسلطاته، وتتمتع خمس دول بالعضوية الدائمة بحق النقض "الفيتو"، الصين، فرنسا، روسيا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية.

شارف العام السابع على الانتهاء من الحرب في اليمن وما فتئت الشرعية ومناصريها لحظة واحدة إلا وتطلق التصريحات والبيانات بأن القرار 2216 أذن لدول التحالف العربي بالتدخل العسكري في اليمن، بناء على طلب الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي الذي وجه ثلاث رسائل في 24 مارس 2015م الأولى لرئيس مجلس الأمن "يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لاتخاذ التدابير تحت الفصل السابع لردع المليشيات الحوثية"، والآخرين لدول مجلس التعاون الخليجي وللأمين العام للجامعة العربية يطلب فيهما التدخل العسكري لحماية اليمن والشعب من العدوان الحوثي "استناداً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، واستناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، تقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة بما في ذلك التدخل العسكري لحماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي المستمر وردع الهجوم المتوقع حدوثه في أي ساعة على مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب، ومساعدة اليمن في مواجهة القاعدة وداعش".

وفي 26 مارس 2015م تدخلت القوات العسكرية لدول التحالف العربي تحت اسم "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة البحرين والكويت وقطر والإمارات ومصر والأردن والمغرب والسودان وموريتانيا والسنغال وبدعم لوجستي كبير من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وكندا وغيرها.
وبالرغم من تسلم مجلس الأمن رسالة الرئيس هادي، لم يعقد جلسة طارئة وفقا للمادة (39) من الميثاق التي تنص على أن "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".

وبعد 22 يوما من إبلاغ مجلس الأمن أصدر في 14 أبريل القرار رقم 2216 (2015) وصوت 14 من الـ 15 عضوًا، وامتنعت روسيا إحدى الدول الدائمة عن التصويت، ولم يحدد القرار المادة التي تمثل السند القانوني لهذا الممارسة.
لقد انطوى القرار على ديباجة من 20 فقرة و25 مادة ومرفق أول، جاء في الفقرة الأولى من الديباجة "وإذ يحيط علمًا بالرسالة المؤرخة 24 مارس 2015م الموجهة من الممثل الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة التي يحيل بها رسالة من رئيس اليمن يبلغ فيها رئيس مجلس الأمن بأنه قد طلب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية تقديم الدعم على الفور، بكل الوسائل والتدابير اللازمة، بما فيها التدخل العسكري، لحماية اليمن وشعبه من استمرار عدوان الحوثيين، وإذ يشير إلى الرسالة المؤرخة 26 مارس 2015م الموجهة من الممثلة الدائمة لدولة قطر، 2015/ 217/ S، التي تحيل بها رسالة من ممثلي الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة قطر ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية، وإذ يشير إلى قرار مؤتمر القمة السادس والعشرين لجامعة الدول العربية بشأن التطورات في اليمن"، فيتضح أن مجلس الأمن لم يتجاهل طلب الرئيس هادي بعقد جلسة طارئة فحسب، وإنما لم يأذن لدول مجلس التعاون بالتدخل العسكري، ومجلس الأمن لديه السلطة الكاملة لتحديد الجهة التي قامت بالعدوان، وبالمحصلة لم يكن هناك قد وقع عدوان من قبل جماعة الحوثي، بل إن كلمة "عدوان" وعبارة "التدخل العسكري" لم توردا إلا مرة واحدة في القرار عند استعراض رسالة الرئيس هادي، مثال أدان مجلس الأمن احتلال العراق للكويت، وأصدر فجر يوم الغزو 2 أغسطس 1990م القرار رقم 660 (1990) واعتبره عدوانًا على دولة أخرى.

وتأكيدًا لتجاهل مجلس الأمن أصدر خلال الفترة من 26 مارس حتى 2 أبريل 2015م خمسة قرارات كالتالي: (2211) الكونغو، (2212) أفريقيا الوسطى،(2213) ليبيا، (2214) ليبيا (2215) ليبيريا، بمعنى آخر أنه لم يكترث للتدخل العسكري، علمًا بأن المجلس عقد جلسة في27 فبراير 2013م في صنعاء ونادرًا ما يعقد جلساته خارج مقره الدائم في نيويورك.

وفور صدور القرار 2216 صرح المندوب الروسي فيتالي تشوركين  في مجلس الأمن "أنه لا يجب استخدام قرار مجلس الأمن لزعزعة الاستقرار في اليمن"، مؤكدا أن القرار لم يأخذ في الحسبان الضرر الذي يلحق الشعب اليمني.
بمعنى أن القرار غير مشروع لأنه يلحق الضرر بالشعب اليمني، وبالتالي مخالف لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة.

وبامتناع روسيا عن التصويت على القرار كشفت الدول الغربية بالمجلس المتبنية للمشروع الخليجي بأن القرار 2216 سياسي ولا يمت بصلة للميثاق وللقانون الدولي، ويرى العديد من الفقهاء في الوقت الحاضر أن أساس المشروعية في مجلس الأمن يأتي من الأعراف السياسية والمصالح الاقتصادية للدول، التي تلعب دورًا كبيرًا في إضفاء المشروعية على القرار.

ويرى هربرت هارت أن "أولئك الذين ينتهكون المشروعية هم الذين يدعون دائمًا عدم قيامهم بذلك"، وهذا ما تمارسه الدول الغربية في المجلس، حيث يقوم المجلس بإصدار قرارات غير مشروعة فقط ليرضي بعض الدول العظمى والمتحالفة معها، وأبرز مثال عندما اعتمد مجلس الأمن القرار 1441/ 2002م الذي أعطى الغطاء القانوني للولايات المتحدة لشروعها في غزو واحتلال العراق، حيث انتهكت مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما دون مراعاة للمبدأ السيادي المنصوص عليه في الميثاق، وهذا الأمر ينطبق على القرار 2216 مع أن مجلس الأمن لم يعطِ الغطاء القانوني الشرعي للتدخل العسكري في اليمن.

وبعد صدور القرار بيومين قدم السيد جمال بن عمر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة استقالته و صرح "للأسف، وفر قرار مجلس الأمن 2216 غطاء للفظاعات التي تلت بعد ذلك قرارًا صاغه السعوديون وحملته بسرعة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا إلى مجلس، كان يفترض أنه معني بضمان السلم والأمن الدوليين، لقد كان حليفهم الخليجي في حاجة إلى ترضية بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران في غفلة منه، لا بد من أنها بدت مقايضة ديبلوماسية عادلة لهم. غير أن الطرف الغربي في المقايضة كان يعرف كذلك بأن مطالبة الحوثيين المسيطرين على الأرض المتقدمين ميدانيًا بالاستسلام لحكومة تعيش في منفى فندقي أنيق في الرياض لم يكن أمرًا واقعيًا مقبولًا، لكن ذلك لم يكن ذا أهمية كبيرة بالنسبة لهم، لأنهم كانوا موقنين بأن الروس سيعرقلون القرار".

وفي هذه الحالة فقد أسبغ مجلس الأمن على قراره صفة عدم المشروعية، وكان يشترط أن يكون القرار متصفًا بالمشروعية، وكان يجب على المجلس قبل إصدار القرار أن يتحقق في الوقائع المعروضة عليه هل تشكل تهديدًا للسلم أو إخلالًا به أو عملًا من أعمال العدوان وخاصة بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية في 21 سبتمبر 2014م بين الرئيس هادي وصالح الصماد رئيس المجلس السياسي لأنصار الله تحت إشراف الأمم المتحدة الذي أيده بقراريه في 15 فبراير 2201 (2015) و 24 فبراير 2204 (2015) وبيانه في 22 مارس 2015م اعتبر الاتفاق أحد المرجعيات لحل الأزمة اليمنية إلى جانب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، مع أن الأزمة اليمنية داخلية، والصراع على السلطة بين اللانظام واللامعارضة، منذ مطلع العام 2011م، لكن مجلس الأمن اعتبر الأزمة اليمنية تشكل خطرًا على الأمن والسلم الدوليين وأدرج اليمن تحت الفصل السابع والهدف تقسيم الجنوب بعد إلغاء الدولة الجنوبية ودمجها مع اللادولة في 22 مايو 1990م ويتحقق ذلك بنهب ثروات الجنوب وفصل المحافظات الجنوبية عن بعضها.

كما يدخل في سياق اختصاصات المجلس وجوب قيامه بعملية الإشراف ومراقبة القرارات الصادرة عن اليمن ليس منذ حرب العام 2015م، وإنما منذ حرب الشمال على الجنوب في العام 1994م التي تمثلت بالانتهاكات والممارسات الفظيعة والممنهجة ضد شعب الجنوب وتصفية دولته، لكن هذا لم يحصل قط منذ إصداره قراريه 924 و931 (1994).

فالصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمن ليست مقررة لمصلحته، وإنما لمصلحة أعضاء الأمم المتحدة، بنص (م24) بأن "يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي الذي يعمل نائبًا عنهم في قيامه بواجباته".
ويتضح من ذلك أن القرار 2216 لم يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة ولقواعد القانون الدولي العام التي لا تمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول فقط، وإنما تحظر التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق مع مقاصد "الأمم المتحدة (م 2/4) من الميثاق.
والخلاصة يعتبر القرار 2216 غير مشروع لأنه مخالف لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي والأعراف الدولية، وما يؤكد ذلك عدم تحديد المادة السند القانوني للقرار، وكذلك عدم ترخيص من مجلس الأمن لدول مجلس التعاون الخليجي بالتدخل العسكري بشكل صريح وواضح.

 وللأسف الشديد وقعت قيادة المجلس الانتقالي اتفاق الرياض المتضمن قرار مجلس الأمن 2216 غير المشروع، كأحد المرجعيات الثلاث الذي تنصل موقعوها، والمشكلة تقول إن قيادة الانتقالي تقول إنها لن تقبل إلا باستعادة الدولة الجنوبية ولا أحد من شركائها سيعترف بالانتقالي، لأنه لم يبسط على أرض الجنوب، بالرغم من أن الجنوبيين يقاتلون مع شركاء الانتقالي التحالف العربي، كما وقعت قيادة الحزب الاشتراكي اليمني اتفاق الوحدة في22 مايو 1990م وعندما أرادت استعادة الدولة الجنوبية لم يعترف بها أحد، لأنها أصبحت بدون أرض الجنوب، بل شن حرب ضروس على الجنوب ونعتقد أن اليوم ليس ببعيد عن العام 1994م.
والله يقول في معجم كتابه "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم". صدق الله العظيم.

ملاحظات عامة:
1 - لم يعرف القرار الجمهورية اليمنية بل اكتفى باسم اليمن كبقية قراراته، بما يعني أن اليمن شخص دولي قاصر.
2 - سلطنة عمان العضو الوحيد بمجلس التعاون الخليجي التي رفضت الاشتراك في عاصفة الحزم.
3 - لم يشر قرار مجلس الأمن إلى المادة (51) من الميثاق التي استند إليها الرئيس هادي بطلب التدخل العسكري؟.
4 - يحرم ميثاق الجامعة العربية التدخل في الشؤون الداخلية للأعضاء المادة (6) من الميثاق.
5 - تصدر قرارات الجامعة العربية بالإجماع، المادة (5) من الميثاق، وقد اعترض العراق على قرار القمة العربية (26) أما لبنان نأت بنفسها وشددت على الإجماع العربي والتوافق".
6 - اتفاقية الدفاع العربي المشترك لم تفعل ولو لمرة واحدة منذ توقيعها في 13 أبريل 1953م.
وبالأخير الموضوع واسع وعميق ومن الصعوبة بمكان إعطاؤه حقه ولنا عودة لتناول بعض الجوانب من القرار إن شاء الله.
والله من وراء القصد  
                                         
المراجع:
1 - د. ديمة ناصر الوقيان، مشروعية قرارات مجلس الأمن بين النظرية والواقع العملي، كلية الحقوق، جامعة الكويت، ديسمبر 2018م.
2 - د. عبدالطيف دحية، ود. محمد مقيرش، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد بوضياف، السيلة، الجزائر.
3 - د. داؤد سلمان عبد، مجلس الأمن أضفى الشرعية والمشروعية على احتلال العراق بعيدا عن الفصل السابع، كلية العلوم السياسية، جامعة تكريت، العراق، 2 أبريل 2018م.
4 - رمزي نسيم حسونة، مشروعية القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وآلية الرقابة عليها، رسالة دكتوراه، جامعة دمشق للعلوم السياسية والقانونية، المجلد الأول، 2011م.
5 - صحيفة الأنباء 15/ 4/ 2015م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى