المجلة الحائطية

> يشرد الذهن عند تذكار الماضي سواء كان الكلام قليلًا والعمل كثيرًا، والمكاسب تتحقق.

بعض الناس يقولون الآن: "ذهب الذين نحبهم"، والزمن الذي نحبّه.

لو ترى يا صاح كيف غطّى وشاح الدنيا على سلوك وثقافة الناس من الرأس إلى أخمص القدم.

لقد انسحب صراع الناس من أجل "الكرسي والمال" من أعلى الهرم إلى أسفله، وصار الكثير يبحث عن لعاعة من الدنيا بالركض إليها ولو في الطريق المعوج الحرام، ولا يضيره إنْ أراق ماء وجهه وكُسِر شرفه وصار عبداً لهذه "الدَنيّة" تقوده كالبهيمة، فما جدوى أن ينشد من بعد:

أطعتُ مطامعي فاستعبدتني

ولو أني قنعت لكنت حرّا

كانت الناس تسمع أكثر مما تتكلم، واليوم "يهرفون بما لا يعرفون"، وفتحت أبواق ونصبت منابر.. بوق " الواتس" وبوق "الفيسبوك" وبوق "اليوتيوب"، ويسمّون الكلام في تويتر تغريدة ولو جاء شرّاً خالصاً أو باطلاً محضاً أو فضول كلام، بينما تعلمنا من الطفولة أن التغريدة الجميلة التي تصنع سلاماً وتنشد حرية وتمنح حبّاً وتهبُ سعادة هي " تغريدة" بلبل يشجي الأرواح عند الصباح أو عصفور في السحر يبث قصيدة حب من فوق غصن شجرة، أما تغريدة الآدمي كما يزعمون على تويتر غالباً ما تأتي مشحونة بالكراهية والضغينة تستدعي الحرب وتتلقفها الخصومة بفرح.

الناس في العالم البعيد تستخدم وسائل التواصل لتسجيل أرقام الإنجاز وضخ المشاريع ورسم الخُطط وتدريب صناع النهضة ونحن نستخدمها في مجالس التفرطة الموبوءة بالكسالى والعطالة والبطّالين في "قيل وقال" وإضاعة الوقت والمال.

كان الفأس والمنجل والمطرقة والمعول أدوات لا تفارق كَف الرجل، واليوم "حنانيك" الجوّال فحسب.

كانت الأصوات تنبعث من الحقول والمصانع والورش والمراعي وأماكن الصيد والعمران، واليوم تأتي الأصوات من "التطبيقات" حتى كأن الألسن صارت فؤوسًا تقطع ومناجل تحصد ومطارق تضرب ومعاول تهدم، إلاّ من رحم الله.

ولا أنسى أن أهدي كل موهوب ومبدع وصانع كلمة طيبة وكاتب كلمة خير وعبارة جميلة تصنع حبّاً وسلاماً في الواتس أو حائط الفيسبوك أو تويتر ويوتيوب، وردة حمراء جميلة مع أبيات قصيرة لشاعر موهوب هذه كلماتها:

فهذي زهرة نبتت بتربي

بدت في حمرةٍ من ذوب قلبي

تقبّلها بهذا القلب رفقاً

فلي قلب وهذا القلب حسبي

يا قومنا بسبب حشو الكلام صار الناس يمضون في التيه، فما حصلوا على معلومة ولا التقطوا فائدة.

كذا مثل منهاج تلاميذ المدرسة، طفل صغير يحشون كتابه بالتمارين والتدريبات والتعليقات وتكثيف النصوص والتجارب والتقاويم حتى كأنه يعيش لحظات يوم الحساب، فصار التلميذ يكره الكتاب وإذا حدّق فيه يحتار ويقلق ويحزن ويرى في المدرسة حملًا ثقيلًا، فلا "ملخّص" ولا إيجاز ولا أسلوب ولا فائدة محفوظة، فتراه يمضي وسط صفحات الكتاب شاردًا مُمعناً في التيه، فلا يجد في رأسه ما يحفظه.

عندما تجلس مع واحد من تلاميذ الزمن الجميل، وقد صار اليوم شيخاً كبيراً تجده يحفظ نصوص اللغة العربية عن ظهر قلب من قبل "قد كان عندي بلبل في قفص من ذهب"، وغنِّ غنِّ يا عصفوري"، و "دفاتري دفاتري بها انشراح خاطري"، رغم أن بينه وبين مرحلة الابتدائية حوالي نصف قرن، لكنه زمن البساطة والصفاء الذهني.

أما تلاميذ اليوم ترى أن القليل الذي يحفظه في المساء ينساه في الصباح، في زمن شغلت الناس بمعايشها، وضاعف المنهاج من صفحات الكتاب فصار محشيّاً بالمكرر والممل والمعقد.

فضلاً دعونا يا قوم من فضول الكلام، وامنحوا التلاميذ ملخص الدرس وعلقوا لنا مجلة حائطية في جدار المدرسة نذوق خلالها طعم القراءة، وأنتم يا علية القوم أوقفوا ضخ الكلام وصوت الرصاص، فقد اشتقنا للحب والسلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى