بين حربين

> في عالمنا المضطرب والمتغير باستمرارية متصاعدة بشكل جلي، حيث تجري آخر مراحل عملية انقسامه إلى الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إلى عالم الأقوياء وعالم الضعفاء، عالم الذين يمتلكون مفاتيح المستقبل وعالم من لا يمتلك حتى مفاتيح داره أو بلاده، دعونا من المال فليس هو بحد ذاته العامل الحاسم، بل ما يكفي منه -وذلك ليس كثيرًا- لتدوير عجلة العلم والتكنولوجيا، نقف مشدوهين أمام ما يحدث من أحداث جسام لها تداعياتها ونتائجها، منها الصغيرة ذات التأثير المكاني المحدود، ومنها من ستُغير مجرى التاريخ وهو أصلا (التاريخ) في حالة تغير دائم سواء شعرنا بذلك أو لم نشعر.

ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا من حرب في أيامنا هذه، ليس تعبيرا عن الصراع بين أمريكا والناتو من جهة وروسيا ومن معها ممن لم يظهر منهم سوى القليل جدا من جهة ثانية فحسب، بل هو تعبير عن قراءات متنوعة لأطراف الحرب للواقع واستقراءات متنوعة اجتماعية واقتصادية وعلمية للمستقبل بما يحمله هذا المستقبل المجهول بالنسبة لنا والمعلوم بالنسبة لهم بخطوطه الرئيسية والفرعية.

نحن في عالم لا رحمة فيه (للضعفاء)، نجد أنفسنا تائهين بل إنني أتابع مواقف الدول المحيطة بنا وغير المحيطة، لا أسمع صوتًا أو موقفًا يصدر ممن يعتبرون أنفسهم أقوياء برغم نسبية مفهوم القوة.

منذ زمن ومن خلال زياراتي لأوكرانيا وكدارس في الاتحاد السوفييتي السابق أعلم مثل غيري أن الاتحاد السوفييتي نفسه كان منتصبا على ثلاثة أعمدة هي روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا، ولذلك فأوكرانيا تعتبر دولة قوية بكل المعايير غير أن ما جعلها فيما هي فيه هو الفساد وانتشار النعرة القومية في صفوف شعبها المكون من قوميات أخرى أكبرها القومية الروسية ناهيك عن الأقليات المُترَوّسة التي ذابت في القومية الروسية، حينذاك كان النظام حديدياً ومع ذلك كنا نشعر بالنعرة القومية الأوكرانية المقيتة لدى نسبة صغيرة ممن نلتقيهم.

تغيرت الظروف وزادت أعداد هؤلاء، حتى أصبحوا يشكلون مصدرا للقلق لغيرهم.

ننظر ما يحدث هناك في هذه الأيام وأسمع به، وأقارن بين ما أراه في بلادي من حروب مختلقة واحتراب لا أساس له ولا مصوغات تجعلنا نتفهم لماذا يحدث لنا ذلك؟

أنظر حولي ولست غريبًا في بلدي، فأنا أعرف الأماكن والتاريخ والجغرافيا والزعماء والمتزعمين ومن على شاكلتهم، فأشعر شعور من لقّموه حجرًا في حنجرته، فألعن كل هؤلاء الأوباش ومن يقودهم ويوجههم، ألعن الجهل والجهالة والجهال، وأعلم علم اليقين أن مثل هؤلاء غير قابلين لأن يعيشوا حياة يكونوا فيها بشرا أو رقما ولو صغيرا في مسيرة الحياة، لأنهم بعقولهم لا يفكرون سوى فيما سيملؤون بطونهم به، وكذلك الأمر بما سيرفعون به أرقام أرصدتهم في بنوك الدعارة، ألعن من يحتوي هؤلاء سواء دول أو أفراد، وألعن الأموال المغسولة منها والقذرة. وفي داخلي صوت يصرخ، ولآتية ساعة الندم، وحينها لن تقبل التوبة وإن تدثروا بلباس الكعبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى