أدباء عائشون معنا

> مررت من هنا وعدن أمامي

> خلال تجوالي في روما العتيقة الجميلة في يوم جميل مشمس ومنعش في منتصف سبتمبر من العام الماضي 2021 مررت في شارع ساحة فينيسيا التي تحكي تاريخ شرفة موسوليني وشرفة "بالكون" نابليون المطلتان على هذه الساحة البهية وما زالتا محط أنظار الناس ولمشاهدات الزائرين والسواح مثلهم مثل كثير من معالم روما وعجائبها الكثيرة المثيرة ومنها تعرج مرورا بمبنى البلدية الشامخ بطلته على تلك الساحة كأنه جبل شمسان، لكن بروح وبحيوية وحوله الشوارع والحارات القديمة والمطاعم والكافيهات المتعددة وهناك لفت انتباهي في الجهة المقابلة لمبنى مقر الفاو منظمة الأغذية والزراعة الهائل وقريب منه مبنى الكولتسيو وأطلال مدينة نيرون المعتوه الذي أحرق روما فاحترق هو وانتهى مثل كثير من الطغاة، وبقيت روما حية مثلما انتهى من سعى لإحراق عدن وسينتهي تابعوه وذيوله الذين يزحفون من جديد نحوها، وقال محمود درويش المناضل والأديب الفلسطيني رحمه الله -الذي عاش في عدن ردحا من الزمن وقال شعرا فيها وفي ساحل أبين معبد العشاق- "يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل.

نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل "وعدن ما زالت تقاتل التتار الجدد ومن يحاولون خنقها بعينيها وستقطع مخالب ذياب الغاب التي تسحي اليوم لعض يديها الممدوة لهم، وعودة لروما تشاهد بالقرب من نهر التيبر الطراز المعماري المبهر والمعتق للعمارة الإيطالية ومنازل مشاهير الفن والأدب والثقافة الإيطاليين الذين أسهموا وأثروا الثقافة العالمية ومنهم الأديب والكاتب البرتو مورافيا، حيث تقف منازل الأدباء شواهد على تاريخهم، لكن بشكل أكثر حميمية مما تقدمه كتب البيوغرافيا.

في شقّة ألبرتو مورافيا (1907 - 1990) على سبيل المثال، وهي محفوظة كما هي مع أثاثه ولوحاته وكتبه، انتقل إليها العام 1963، حيث كتب روائعه على آلة كاتبة طراز Olivetti 82 في مكتبه المطلّ على نهر التيبر، ولأنّه صال وجال في أرجاء هذا العالم الفسيح يحوي بيته أشياء وأقنعة تقليدية من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية اقتناها خلال أسفاره، وأكثر من 15000 كتاب ورسائل جد ثمينة، بيته تبرع به ورثته لبلدية روما العام 2009 مع إشرافهم على إدارته باسم جمعية تحمل اسمه.

أين نحن من هذه الإنجازات والاهتمام والعناية بالإنسان وأعماله وإنجازاته؟ فنحن نضيع كل شيء الهوية والتاريخ والإنسان ولا نسعى إلا وراء الأطماع والتخريب.

وكلما فقدنا أديباً ماتت لغتنا قليلاً، كلما ماتت ذكراه زحف الموت أكثر عليها، وكلما تحوّل منزله إلى طلل أسلمت روحها ودخلت قبرها. يستحيل أن نحظى باحترام لغتنا ونحن لا نحترم من يكتب بها. اهتموا بتاريخ وتراث أدبائكم إنهم المشاعل التي تضئ عتمة ظلامكم وأنهم رسل التنوير وروح الحياة، فالحروب وتجار الحروب هدم وقحط للحياة والسلام وبهجتها، السلام السلام ما أحوجنا إلى السلام والتعايش والأمن والإنسان المسالم لكي نحيا بسلام ونبني وننسج خيوط قوس قزح الجميل، فمن يحافظ على السلام والأمن والحياة في هذا الكون المتقلب من أجل بقاء بسمة طفل برئ وضحكة فتاة فرحة بالحياة؟ وعسى أطماع الشر تخفت وتنطفي لتستمر البسمات والضحكات.

دمتم في سلام.
السفير الدكتور محمد صالح الهلالي "حكايات روما"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى