منشق عن القاعدة وزوجته يكشفان تفاصيل رحلة الانضمام للتنظيم والهرب منه

> «الأيام»"أخبار الآن":

>
  • "ليس هناك مغريات ولا وعود لأنهم ناقضي العهود"
  • انضم بحثًا عن المال وانشق لأنهم "قوم ظالمون"
  • زوجته تفضل الموت جوعًا على الإنفاق من مال التنظيم
تزامنت عمليات الاختطاف الأخيرة لموظفي الأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود في اليمن، تزامنت مع نشر مؤسسة الملاحم لمجموعة من البيانات الإعلامية التي يقر فيها تنظيم القاعدة في اليمن بمقتل مجموعة من قادته البارزين الذين لعبوا دورًا هامًا في إطار شبكة التنظيم العالمية والمرتبطة بالقاعدة الأم.

فقدان كبار القادة العسكريين يوضح حقيقة عدم تمتع التنظيم بقوة قتالية فعلية في الوقت الحالي مما يضع مقاتلي التنظيم أمام أحد حلين، إما مرافقة قاعدة اليمن حتى نهايتها المحتومة تحت وطأة سوء قيادة باطرفي للتنظيم أو ترك القاعدة والعودة إلى ديارهم قبل فوات الأوان.

قصص الانشقاق معروفة في اليمن. ومع ذلك، لا يعرف العالم الخارجي سوى القليل عن أسباب انشقاق أعضاء قاعدة اليمن وما يحدث لهم بمجرد انضمامهم إلى زوجاتهم وأطفالهم. يُظهر هذا الكشف الحصري حالة من هذا القبيل، حيث طفح الكيل بهذا الشاب الذي وجد أن القاعدة في جزيرة العرب لا تستحق إضاعة حياته من أجلها. "أخبار الآن" أجرت لقاءًا مع ناجٍ من القاعدة وزوجته، تحدث فيه عن طرق التضليل والترهيب التي ينوء المجندون في القاعدة تحت ثقلها، وكيف تم تجنيده بإغراء العمل، ومن ثم الخطة التي اتبعها للهروب من معسكر القاعدة، كما أخبرتنا زوجته عن الخوف والقلق اللذين عاشتهما عندما علمت بانضمامه للقاعدة ودورها في نصحه ومساعدته بالعودة لرشده، كما قالت.

قال المنشق، وهو خريج جامعي من إحدى محافظات جنوب اليمن، كان عاطلًا عن العمل حينها، "لم ألتحق بهم، سافرت من أجل العمل عن طريق صديق أعرفه معرفة سطحية، قال إن هناك عملًا ينتظرني. كانت تلك الأيام ذروة الحرب بين الحوثي والحكومة. سافرت ووصلت إلى معسكر بين الجبال قالوا إنه كتدريب في البداية. أعطونا سلاحًا ورواتب وكانت أموري صعبة، فقبلت العمل معهم".

وتابع قائلًا، "ليس في أسرتي أي متخرج. بحثت عن عمل ولم أجد أي عمل، فكانت آخر فرصة لي أن أذهب معهم لأجل الراتب الشهري والمصاريف لزوجتي وأهلي. الذهاب معهم كان إجباريًا وليس اختياريًا، فلا أحد يريد الذهاب معهم إلا من قد أثروا عليه بخطاباتهم أو غسلوا له دماغه".

زوجته تفضل الموت جوعًا على الإنفاق من مال التنظيم
زوجته تفضل الموت جوعًا على الإنفاق من مال التنظيم
وأضاف، "ليس هناك مغريات ولا وعود لأنهم ناقضو الوعود والعهود. يعطوننا مثلًا راتبًا شهريًا وسلاحًا رشاشًا. هذا ما كنت أحصل عليه منهم".

وحول فترة التحاقه، أوضح أنه "بالبداية بقينا في المعسكر بين الجبال أسبوعين تقريبًا، بعدها لم يكن هناك من مكان محدد نتواجد فيه، فقد ينقلوننا إلى الصحراء والجبل. في البداية، كانوا يخافون من الاستهداف. بالنسبة لأكلنا وشربنا فهو أكل عادي، فطور وغداء وعشاء، ويتم تقسيمنا إلى مجموعات. كان معنا شخص صومالي، لست متأكدًا من جنسيته صوماليًا كان أم أفريقيًا، لكن هو من كان يطبخ لنا".

وأضاف، "نويت أن أرجع إلى أهلي، فلدي أطفال وزوجة أحبهم، تأثرت في البداية في خطاباتهم عن الجهاد وعن كثير من الأمور، وقالوا لنا إن هناك أجر كبير إذا جاهدت معهم، ولكن في النهاية اكتشفت أنهم قوم ظالمون".

لم تكن زوجته التي يحبها كما قال تعرف عن التحاقه بتنظيم القاعدة، لكن شكوكًا ما ساورتها ودبّ فيها القلق. قالت: "في البداية لم أكن أعرف شيئًا. كان يسافر ويقول لدي عمل. كان يسافر ويرجع بعد كل 6 أشهر، وبالنهاية اكتشفت أنه كان يحارب مع تنظيم القاعدة، وهذا الشيء سبب لنا خوفًا وقلقًا".

وأضافت: "بعد معرفتي بالأمر، كنت خائفة منه كثيرًا، وكنت أخاف كثيرًا على أولادي حتى أنني وقت النوم كنت أغلق عليهم الباب خوفًا عليهم. حاولت بكل الطرق أن أنصحه لكن النصائح كلها كانت مليئة بالقلق والخوف، وكان بالإمكان أن أكون ضحية هذه النصيحة. بالنهاية توفقت ولم يعُد للتنظيم، والآن نحن نعيش حياة زوجية سعيدة".

كما أضافت زوجة الشاب اليمني الناجي من القاعدة أن سفره كان لأجل "مصاريف البيت والأطفال وكانت أمورنا المادية حلوة، ودون أي مشاكل إلى أن عرفت أنه ملتحق بتنظيم القاعدة، فبدأت المشاكل والتفكير والقلق، وبدا ألف سؤال يدور في رأسي، وعشت أيامًا صعبة جدًا. كنت أخاف منه وأخاف عليه، وكنت أخاف على أولادي أكثر؛ لأن التنظيم خطر جدًا، وأحيانًا أراقب أطفالي حين يرجع من السفر خوفًا عليهم".

وأضافت أن أخبار زوجها كانت تنقطع عندما يسافر، "لم يكن بيننا أي تواصل، ولم أكن أعرف مكان عمله، وهذا ما جعلني أشك وأبحث وأحقق معه حين يعود، وبعدما عرفت عن عمله مع التنظيم، سافر مرتين، وفي المرة الثالثة عاد ولم يرجع لهم. الحمدلله أن ربي هداه ورجع لعقله".

سألنا الشاب الناجي من القاعدة بعض الأسئلة عما كان يقوم به وهجمات التنظيم التي شارك بها، لكنه لم يرغب في الخوض في الماضي كثيرًا. قال: "شاركت بهجوم في المكلا، ولا أريد أن أخوض في التفاصيل أكثر، لكن الأوامر كانت تأتينا من شخص اسمه أبو أسامة الشبواني. كنا حوالي 22 شخصًا، وهو قائد هذا الفريق، لكن هو كان يتلقى الأوامر من شخص يلقب بالصنعاني".

وأوضح: "بين فترة وأخرى كنت أزور أهلي وتركت هذا التنظيم عن قناعة، وأيضًا زوجتي نصحتني أكثر من مرة وآخرها هددتني بالانفصال. تركت التنظيم، فهم أولًا يقولون إنهم يجاهدون في سبيل الإسلام، وهذا غير صحيح، فالإسلام لا يقول لك أن تهاجم نقطة عسكرية أو معسكر أو تقتل جنديًا يقول لا إله إلا الله أو تقتحم بنكًا أو تقطع طريقًا. كانت أعمالهم كلها عدائية".

وأضاف: "تركت القاعدة منذ 3 سنوات تقريبًا بعدما قلت لهم إنني مسافر للاطمئنان على أهلي. طبعًا، في بعض الأحيان لا يسمح لك بالسفر، وكنت كل مرة أعاني لأنهم يحققون معي حول سبب سفري، وكذلك عند العودة، وحين تعود لا تدخل عندهم إلا بملابسك الداخلية، ويفتشونها أيضًا بسبب الخوف من مندسين أو الأشخاص الذين يقومون بزرع شرائح التعقب".

وحول ما إذا كان قد تواصل مع جهات أمنية بعد عودته أو قبيلها، بيّن أنه لم يتحدث إلى أي جهة أمنية. وقال: "لم أتحدث إلى جهات أمنية، فوقتها سيكون مصيري السجن. رجعت إلى البيت وأنا لم أنوِ العودة إليهم. لكن عوتي إلى بيتي كانت مشروطة، إذ بعد ما تمّت مطاردة التنظيم في حضرموت أخذت الفرصة، أولًا للرجوع إلى بيتي وناسي، وثانيًا لرجوعي إلى نفسي".

وأضاف المنشق عن القاعدة: "في ذلك الوقت كانت قوات الجيش تتعقب عناصر وأفراد التنظيم بين فترة وأخرى. أخبرت الشبواني أني مستعد لأن أقوم بعمل استخباري لأعطيهم معلومات بمواقع الجيش، ووافق على الذهاب. سافرت وقطعت كل اتصالاتي بهم، وغيّرت مسكني وأرقام جوالي. بعد عودتي كانت أيام سوداء لأنني كنت خائفًا على نفسي من أن يلاحقونني، لكن مرت الأيام إلى أن استقر وضعي".

استفسرنا عن حال والدته حين علمت بعمله مع القاعدة، فأكد أنه لم يخبرها، مشيرًا إلى أنه، "لم أخبر أحدًا بما أنا فيه. أولًا خوفًا من التنظيم وخوفًا من أسرتي فيما لو عرفوا بي، فهم سيسلمونني للشرطة وقتها بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية"، لافتًا إلى أنه "أبدًا لم أكن مرتاحًا. كنت في البداية أعيش معهم كأنني في معسكر. لكن تطور الأمر إلى الدخول في هجمات، وقطع الطرق والنهب والسرقة. أين الراحة في الموضوع؟ إلا إذا الشخص كان مجرمًا فسيكون مرتاحًا”.

وعن علاقتها معه في بداية زواجهما، فأوضحت الزوجة أن علاقتهما لم تعانِ مشاكل في البداية حتى عندما كان يغيب، إذ "أنني كنت أظن أنه يعمل مثله مثل أي عامل في مطعم أو بقالة، وكان يحضر لنا النقود بين الفترة والأخرى. لكن بدأت المشاكل بعد ما عرفت أنه يعمل مع التنظيم ولم نعد نصرف من النقود التي يأتي بها. كنا بحالة قلق وخوف. بالنسبة لعائلتي، لم يعرف أحد منهم لأنني كنت أخاف أن ينتشر الخبر ويقبضوا علي. وأمي فقط هي التي تعرف".

استوضحنا منها موضوع تهديدها له بالانفصال إذا استمر في هذا الطريق، فقالت إنه، "قرر بعد آخر سفرة ألا يرجع لهم، ونصحته وأثرت عليه نصائحي؛ لكنه بالأساس كان قد قرر عدم الرجوع لهذه العصابة"، مبينة أنه بعد قراره بعدم العودة، "حاولت أن أخرجه لأماكن نتمشى وأساعده في الخروج من الجو الذي كان فيه".

وأكدت، "الحمد لله نحن نعيش بخير. صحيح أن الأوضاع المعيشية صعبة لكن هي قضاء على كل اليمنيين. وأنا عن نفسي أفضل أن أموت جوعًا ولا أخذ فلسًا واحدًا من فلوسهم. الحمد لله نحن الآن نعيش، هو يتابع الأخبار، ويدخل إنترنت ويتصفح. الحمد لله نحن الآن بوضع أفضل. فهو لم يتغيّر كثيرًا عندما انضم لهذه العصابة؛ لأنه انضم بهدف المال، والآن الحمد لله رجعت المياه لمجاريها وخرج من الوضع النفسي الذي كان يعيشه ومن العزلة".

وأكدت زوجة المنشق أن زوجها هو، "السند والأمان الذي نبحث عنه. وصحيح أن الأوضاع صعبة الآن، لكن يكفي أن زوجي بجانبي وأشعر بالأمان"، لتختم حديثها بالتأكيد على أن القاعدة، "عصابة إجرامية، وأنصح كل الشباب ألا يرمون أنفسهم في الجحيم، حتى لو بقوا من غير عمل، فلا يذهبون بأنفسهم إليهم".

"ليس هناك مغريات ولا وعود لأنهم ناقضي العهود"
"ليس هناك مغريات ولا وعود لأنهم ناقضي العهود"

ويتحدث الشاب الناجي عن لقائه الأول بزوجته بعد أن أنقذ نفسه من القاعدة وعاد إلى منزله، فأشار إلى أن "اللقاء كان في سكني الأول، ووصلت ليلًا وفي صباح اليوم الثاني نقلت سكني إلى فندق، وبعد أسبوع غيّرت سكني الأول لكيلا يعرفون مكاني"، وأضاف أن زوجته كانت، "في الفترة الأخيرة تنصحني. لم يحصل لهم شيء الحمدلله. فقد كنت خائفًا عليهم بعد عودتي من أن ينتقم منهم التنظيم".

كما أكد ألا أحد من أهله يعرف أين كان. وقال: "حاليًا أعيش مع أهلي وناسي بشكل طبيعي. فالشخص الذي يعود إلى رشده سيقبله المجتمع. هنا في اليمن المجتمع مسالم، ونحن شعب طيب يحب السلام والسلم. أعتقد أن أي شخص يتوب ويأتي إلى شيخ القبيلة سيقبله وسيعيش معه وسيدافع عنه إذا حصل له أي شيء".

وعما إذا كان يعلم برغبة آخرين بالانشقاق عن القاعدة، أكد أن "هناك أشخاصًا يريدون الانشقاق لكن بعضهم يُهدد بعائلته، وبأخيه وولده، وهناك أشخاص يسيطر الخوف عليهم. طبعًا كان هناك تهديد لأي شخص من خلال الخطابات والمحاضرات التي يتوعدون فيها أي شخص يهرب بالانتقام، ما يسبب الخوف للبقية".

أما عن الرسالة التي يود قولها لمن لا يزالون يحملون لواء القاعدة، فأوضح: "لن أقول لهم شيئًا، لكن مع الأيام سيعودون إلى قراهم أو مدنهم وسكنهم وأهلهم. التنظيم سيذهب وهم باقون. بعضهم مغرر بهم وبعضهم عن قناعة، وكل شخص سيراجع مع الأيام حساباته".

وختم بالقول، "بلادي وأمي اليمن، شيء لا نقارنه بشيء. هل أقارن بلدا تاريخه آلاف السنين بجماعة عمرها عشر سنوات أو عشرين سنة؟ نقارن اليمن بجماعة إرهابية؟ اليمن بلد تبّع وحِمْيَر، أرض استوطنها السلام. لا مجال للمقارنة. نحب اليمن مثل حبنا لأنفسنا وأرواحنا".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى