صراع من أجل بقاء فرحة رمضان

> عدن «الأيام» فردوس العلمي:

> جشع التجار يوجس نفوس الفقراء
الغلاء يهدد بحذف المأكولات الرمضانية ولا ضمانات لبقاء القهوة والتمر

أيام قليلة ورمضان يدق الأبواب، والأسر الفقيرة تعاني من ويلات الحرب في اليمن التي تعيش في عامها الثامن، ففي ظل الحرب احتمال مجاعة وشيكة، وهوما يؤكده تقرير برنامج الأغذية العالمي WFP أن اليمن "في أوائل عام 2021، كان يتجه مباشرة نحو الوقوع في أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، حيث إن أكثر من 400،000 طفل معرضون لخطر الموت" و 16.2 مليون شخص يواجهون انعدامًا حادًّا في الأمن الغذائي في 19 محافظة في اليمن .

وها هي الأسر تستقبل رمضان هذا العام في عدن بفرح مغلف بالحذر والقلق نتيجة جنون ارتفاع الأسعار وهبوط الريال وانعدام المشتقات النفطية وغاز الطبخ، ولكن لسان حال الأسرة يقول: "رمضان يأتي برزقه فالرازق الله".

جولة في طرقات عدن وشوارعها لرصد واقع يعيشه المواطن وجس النبض حول كيفية استعداد المواطنين لاستقبال الشهر الفضيل، في ظل الأوضاع الصعبة التي تعانيها المنطقة أجرتها "الأيام" وأعدت هذا الاستطلاع.

خالة نظرة، امرأة في العقد السابع من العمر ترتدي الشيدر العدني وهي العائل الوحيد لأسرتها. كانت تقف أمام بسطة خضار وتقلب في الطماطم وعينها على الفواكه (التفاح والبرتقال) كانت يدها في سلة الطماطم تسأل البائع عن سعر كيلو الطماطم، رد البائع دون أن يلتفت لها "900 ريال" بنبرة استهزاء. قالت خالة نظرة: "إذا الطماطم 900 ريال التفاح السكري بكم قال لها 3000 شهقت وقالت "حسبنا الله ونعم الوكيل".

صمتت وهي تفتح عقدة مربوطة في طرف الشيدر، اقتربت منها وسألتها كيف تستعدي لرمضان، قالت: "على الله إذا الخلق نسونا رب الخلق لا ينسانا، والله أطفالنا يخوروا "يشتهوا" الفواكه والله حتى الموز لا نستطيع شراءه قد الكيلو 800 ريال".

وأكملت: "ضاعت حياتنا ونحن نجري بعد الماء والكهرباء والدبة الغاز وتوفير لقمة تسد الجوع.. ما عندي شيء في البيت وأنا بلا معاش، حتى البصمة مالنا نصيب فيها، ومعي أحفادي أيتام ولدي بنته مريضة بتكسرات الدم، نعيش باليومية، نشتري خضرة مجموع، والسبار على ما يتبرع به التجار وأهل الخير والحمدلله عايشين ".

وشاركتنا الحديث أم محسن التي كانت تقف بجانبها وقالت: "رمضان يأتي برزقه وخيره كثير لا نقلق فكله بيد الله سبحانه فحين، يأذن المغرب ربك من عنده يشبعنا ونشعر بالشبع حتى ولوكان فطورنا ماء وتمر نشبع ولا نقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل على من أوصلنا لهذا الحال".

سامية فارع، أم فقدت ضناها في حرب 2015، كان شهيدًا شابًا لم يكمل عامه العشرين قالت: "والله لم نعد قادرين حتى على شراء الأساسيات الضرورية خليها على الله".
سامية فارع
سامية فارع


وبقهر تابعت: "أنا بلا عمل ومعاش أبي 32 ألفا ومعاش ابني الشهيد 58 ألفا ونستلمه كل ثلاث أشهر، وأحيانًا أكثر، وفي المقابل الدبة الزيت 60 ألف ريال، هذا غير بقية المواد الأساسية التي زاد سعرها مثل السكر والدقيق والرز والدبة الغاز طبعًا، ارتفعت أسعارها وانعدمت، أما الخضروات فكل يوم بحال.. إذا الأساسيات ما قدرنا نوفرها أيش نسوي.. ما قلنا نشتي حليب ولا فشخرة بس الحاجة اليومية الضرورية اللي بقت حلم".

وبقلة حيلة أخبرتني أم الشهيد أنها ستعتبر رمضان مثل باقي الشهور، "لقمة رز وخبز وجزع اليوم وحسبنا الله ونعم الوكيل بس"، قالت.

أما ميرفت عبدالله عوض "أم يوسف"، فلديها طفل وحيد وأخ مريض. وطفلها يوسف هو من يعول البيت.
ميرفت عبدالله
ميرفت عبدالله


يوسف لديه لعبة بلياردو يسترزق منها ليوفر احتياجات البيت الضرورية، قالت أمه: "يا بنتي خليها على الله الحمدلله على كل حال قد نحنا ميتين ومعذبين من قبل الشهر الكريم، لعبوا فينا التجار برفع السلع الغذائية الأولية ما بالك بقرب شهر الكريم ينتهزوها فرصة، ويستغلوا احتياجاتنا المهمة والأساسية ويرفعوا الأسعار لأجل الربح أكثر، ناسين الإنسانية والضمير، وديننا الحنيف وقول الله ورسوله حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم".

وأضافت: "أوصلي رسالتي للتجار أن يتقوا الله فينا واتبعوا قيم ديننا الإسلامي ودين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأن يخرجوا من أموالهم الصدقات والزكاة بتوفير سلل غدائية لذوي الدخل المحدود والمحتاجين أو تخفيض أسعار السلع الغذائية للشهر الكريم ويعتبرونها صدقة أو من زكاتهم للشهر الفضيل، نقصوا الأسعار.. ارحموا ما في الأرض يرحمكم من في السماء ارضوا بالقليل يأتيكم الله بالكثير".

"نحن من أسرة متوسطة الدخل، كنا الحمدلله مستورين لكن مع ارتفاع أسعار السلع أصبحنا نعاني والراتب صار لا يكفي لشراء المواد الغذائية في الأيام العادية فما بالك في رمضان"، قالت ريم سليمان.

ووجهت رسالة للتجار أن "ارحموا الشعب ونقصوا الأسعار"، كما ترجو أم سعيدة من أهل الخير التقصي عن الأسر الفقيرة المستورة في بيوتها ومساعدتهم في شهر الخير وباقي شهور السنة، فهناك أسر عفيفة لو تموت جوعا ما تخرج من بيوتها، حسب قولها.

حرم محمود محمد قالت:"الحمدلله نحن من ذوي الدخل المتوسط والحمدلله أيوه قادرين نشتري كل ما يلزمني من احتياجات رمضان، لكن إذا نحن استطعنا توفير احتياجات الشهر الفضيل للأسف غيرنا هذا الأيام ما يقدر يوفر حتى قوت يومه الضروري"، موجهة رسالة مماثلة للتجار تذكرهم فيها بالرحمة خاصة في شهر الرحمة.

كذلك أم إسلام أوضحت: "نحن الحمدلله مستورين لكن الناس اللي جالسين على راتب التقاعد رواتب ما تتعدى 30 ألفا بتكفي أيش ولا أيش واللي على رواتب الجيش شهر يجي وعشرة لا كيف بالله عليكم بيستقبلوا رمضان؟! صيام عطوف! والله باطل وأيش من كلمة ممكن تقال وتهز ضمائر التجار أغلبهم ماتت ضمائرهم، بعضهم بيخرجوا زكاة أموالهم لحبايبهم في الضرائب وأماكن مصلحتهم عشان يمشوا لهم المعاملات بدلا من توزيعها على المستحقين، والله يكون في عون الشعب المغلوب على أمره".

وتمنت أم زينب من التجار وفاعلي الخير أن يقيموا موائد إفطار جماعي للأسر المعدمة التي لم ولن تتمكن من شراء المواد الغذائية.

رئيسة مبادرة الخير والتعاون في مديرية دار سعد، زينب قاسم إسماعيل، قالت: "الأوضاع صعبة وكثير من الأسر لم تتمكن من توفير وشراء مستلزمات رمضان والبعض منها لم يقدر على تعليم أبناءهم بسبب الفقر".

وأضافت: "عندي في مبادرة الخير الكثير من الأسر بحاجة إلى لفتة كريمة من أهل الخير، ومع ازدياد عدد الأسر عملنا مبادرة لنتعاون مع هذه الأسر ونرفع أصواتهم ليعرف الأخرون بأنه هناك أسر تعاني من الفقر مهمشة لا أحد يستجيب لها أو يسمع أصواتهم لهذا نقول يا أهل الخير اتقوا الله في الناس الفقيرة التي لا تقدر على شراء أغراض منازلهم واحتياجاتهم مع قدوم رمضان والأعياد وغيره".

وقالت: "تتواجد في الجمعية أكثر من 300 أسرة في مديرية دار سعد وضواحيها قدمت ملفاتها وتنتظر الإغاثة في هذا الشهر الكريم، ندعو التجار إلى دعمنا لتوفير سلة غدائية لهذه الأسر".

وقالت بحزن: "إننا نعاني مثلهم، وهذا الشهر أصعب شهر بالنسبة للفقير وأنا واحدة منهم لا نقدر على شراء احتياجات الشهر.. لا نملك غير راتب 25 ألفا، وماذا سنعمل به ولا ندري ماذا نعمل الحل عندالله أولًا ثم عند أهل الخير".

أروى فضل، من منتسبي رابطة المعتقلين والمختطفين قسرًا، لم تشعر بطعم الشهر الكريم منذ اختطاف زوجها في عام 2016.

"ها هو رمضان يأتي هذا العام والأسعار نار والمعيشة صعبة خاصة على الأسر التي لا معيل لها، فكم من أسرة معيلها أسير أو جريح أو شهيد أو مختطف"، قالت أروى.

وتشعر أن ما يؤسف هو وجود الأطفال الذين يصعب عليهم فهم الظروف والغلاء وعدم القدرة على توفير الحاجيات. "اختفت فرحة رمضان فأبسط الاحتياجات لا نستطيع توفيرها حتى الدبة الغاز، حتى الماء نشتريه بفلوس، وهذا يصعب المعيشة ويزيد الأزمات النفسية والصحية، لدي 7 أبناء أكبرهم 23 سنة وأصغرهم 11 سنة ووالدهم لا نعرف له طريق وهذه أكبر أزماتنا".

الأستاذ ماهر محمد باهديلة
الأستاذ ماهر محمد باهديلة
أ. ماهر محمد باهديلة، مدرس في ثانوية لطفي جعفر أمان قال: "شهر رمضان تتشوق كل القلوب إلى مجيئه وتتطلع النفوس إلى قدومه فهو ضيف حبيب على قلوب الناس وعزيز على نفوسهم، يتهيأ الناس فيها لطاعة الله، والاستعداد للعبادة، والإقبال على الله والتوبة النصوح من كل ذنب وخطيئة".

وتحدث باهديلة عن رمضان زمان قائلًا: "في الزمن الجميل كان الراتب يجيب لك راشن رمضان وتزيد معك فلوس، الآن الأسعار مبالغ فيها ويزايد استمرار انهيار العملة المحلية".

وأضاف: "طبعًا راتب هذا الشهر مارس الذي سيصرف قريبًا سيكون فيه التزامات كثيرة وأعباء كبيرة على رب الأسرة، وخاصة الموظف مصاريف الأولاد والمدارس والجامعة والكهرباء والماء والبعض عليه إيجار سكن وشراء أدوية له أو لأحد والديه وأفراد أسرته، وسيضاف إلى هذا العبء راشن رمضان الذي قد يلجأ البعض أو الأغلبية إلى حذف ما كان يحضره الشخص في الأعوام الماضية في رمضان حتى الباجية والسمبوسة ستختفي من بعض موائد الإفطار لأغلبية الأسر العدنية والسبب انعدام الغاز وارتفاع أسعار الزيت كأهم الأسباب والاكتفاء بالتمر والقهوة إذا ما استبدلت القهوة بالماء".

وتابع: "خلاصة الأمر أن الأسعار أصبحت نارا والراتب ما تغير! أصبح الراتب لا يكفي بسبب استمرار تزايد ارتفاع أسعار المواد الغذائية. يمكن الشيء الوحيد الذي لم يتغير سواء لنا الشباب وكبار سن والأطفال هي ‏فرحة قدوم شهر رمضان بمجرد ما نتذكر أن رمضان على الأبواب ونحس برغبة شديدة في بلوغه ونتمنى من الله أن يبلغنا إياه ومن نحب من الأهل والأصدقاء وجميع المسلمين ونحن في أحسن حال ".

وقال باهديلة:"رسالتي للتجار وأهل الخير ‏مع اقتراب شهر رمضان المبارك أن يكونوا عونًا للأسر المحتاجة والأشد فقرا من ذوي الدخل المحدود التي تهدف إلى تقليل معاناة الناس، وخاصة في عدن؛ لأن هناك معاناة حقيقية يعيشها الناس في هذه المدينة التي تعاني وما زالت تعاني وآخرها الغلاء الفاحش من خلال حملات تقديم وجبات إفطار صائم إلى الكثير من العوائل التي لا تجد قوت يومها والأشد فقرًا أو مساعدة الأسر المحتاجة عبر ما يسمّى السلل الرمضانية أو صرف بطاقات مسبقة الدفع أو مبالغ نقدية موازية للتبضع بأنفسهم في مراكز تجارية، ويحبذا عدم فرض الاختيارات المسبقة عليهم بأصناف لا يرغبون فيها في الأخير أسأل الله عز وجل أن يبلغنا أجمعين شهر رمضان، وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام، وأن يصلح البلاد والعباد ويقلب أحوالنا إلى أحسن حال".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى