من معارك المسلمين

>
معركة فتح عكا

جمع السلطان الأشرف خليل بن قلاوون جيشَه، وتوجَّه نحو عكا من مصر والشام، وأحضر معه أدوات الحصار من المجانيق العظيمة، وجعل حول عكا من آلات الحصار ما لم يجمَعه على مدينةٍ أخرى، فقد كان هذا السلطان مُغرَمًا وذا خبرة بفتح الحصون والقِلاع.

فكانت بداية الحصار في أوائل جُمادى الأولى، وحاول الإفرنج فك الحصار من جهة البحر، فمراكبهم كانت ما تزال تجوبُ في البحر وترمي بالمجانيق والنشاب على المسلمين، وكذلك فَعَل أهل عكا من فوق الأسوار.

وكان أقوى ما شاهده الجيش الإسلامي سفينةٌ عظيمة ترمي عليهم بالمنجنيق من بعيد، فكانوا في شدةٍ منها كبيرةٍ، لكن رياح عاتية، فكسرت المنجنيق tلم يَعُد يعمل. وخرج الإفرنج ليلًا بغارات على عسكر المسلمين، ووصلوا في بعض غاراتهم إلى خيام المسلمين، لكن المسلمين صدوهم وقتلوا كثيرًا منهم.

وشدَّد المسلمون في الحصار والرمي على عكا، وكان الزحف العظيم في 17 جمادى الأولى، وطلع المسلمون على الأسوار مع طلوع الشمس، وركَزوا الأعلام عليها، وقاتَلوا الفرنج من مكان إلى مكان حتى قتلوا أعدادًا كبيرة منهم، ولما رأَوا أن مقاومتهم انهارت ولم تَعُد تُجدي، ركِبوا سفن التجار وهرَبوا، فدخل المسلمون عكا وحازوا ما فيها، وكان نصرًا عظيمًا؛ لأنها آخر أكبر مَعقِل للصليبيين بالشام.

يقول "أبو الفداء" صاحب "المختصر في تاريخ البشر" - وكان حاضرًا المعركة مع جيش حماة -:

"ومن عجائب الاتفاق أن الإفرنج استولوا على عكا وأخذوها من صلاح الدين ظهر يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة (587هـ)، واستولوا على من بها من المسلمين وقتلوهم، فقدَّر الله عز وجل في سابق علمِه أنها تفتح في هذه السنة في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة (690هـ).

قال: "فاستوثق الساحل للمسلمين، وتنظَّف من الكافرين، وقطع الله دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين. وبعد فتح عكا، هرب الصليبيون من صيدا وبيروت وصور وطرطوس، وتسلَّمها السلطان خليل بغير قتال، وهكذا أُسدِل الستار على الحروب الصليبية على يد هذا السلطان سنة 690هـ.

ــــــــــــــــــــــ

معركة شَقحب

كان الناس في الشام في خوف ورعب من التتار، فقد سمِعوا أنهم عبَروا الفرات وتوجَّهوا للشام في سنة 701هـ، فانقلبَت المدن بعضُها على بعض، والناس يَبغون الفرارَ، ومنهم مَن أرسل أهله إلى مصر، وغَلَت الأرزاق، ونودي للالتحاق بالجيش واقتراب وصول التتار.

وقد قام شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة بدورٍ كبير في الحشد لهذه المعركة، وبث روح الحماس في الجند والناس، فقد اجتمع بالنائب في دمشق، وشجَّعه على الصمود ولقاء العدو، وأن الشعب كله من ورائه، كما اجتمع بابنِ مهنا أمير العرب الذي أبلى في موقعة حمص بلاءً حسنًا، وشجَّعه على الانضمام لجيش المسلمين والوقوف إلى جانبهم، وكان قبل ذلك في مصر فاجتمع بالسلطان والأمراء، وطلب منهم القدومَ إلى الشام لدفع التتار.

وأصبَحَت مِنْطَقةُ دمشق مِنْطَقةَ تجمُّعٍ للأجناد، فكل حاكم مدينة رحل بجنده إليها؛ كأمير حلب، وحماة، وحمص، والتقى بهم أيضًا ابنُ تيميَّة، وأرسل سلطان مصر قِسمًا من الجيش مع القائد بيبرس، واجتمع مع جيوش الشام بظاهر دمشق.

واقترب جيش التتار بقيادة (قطلوا شاه)، والناس في ترقُّب وغليان، وكلهم لهفة لوصول بقية الجيش، ثم تكامَل جيش المسلمين، وعسكر في جنوب شرقي دمشق بقيادة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ووصل جيش التتار يزحف نحو دمشق، لا يُرى أوَّله من آخره، فطاف بدمشق التي غلَّقت الأبواب فلم يقف لأخذها، وإنما اتجه نحو الجيش الإسلامي، فكان إذا ربح المعركة فلن تستعصي عليه دمشق.

والتقى الجمعان عصرَ السبت في الثاني من رمضان سنة 702هـ قُرب منطقة تدعى شَقْحَب (منطقة الكسوة حاليا تتبع ريف دمشق)، ودارت معركة رهيبة، وركَّز التتار على ميمنة المسلمين فحطَّموها، واستشهد جند كثيرون بينهم قادة، وصمدت الميسرة والوسط، ثم اندفعوا نحو التتار فوقعت الهزيمة في صفوفهم، وهم لا يَلْوُون على شيء.

وتوقف القتال في الليل بين الفريقين، وارتفع التتار تحت جنح الظلام وتسللوا إلى تل هناك، وعندما أسفر الصبحُ شاهد التتار كثرةَ المسلمين فانحدروا من التل للهروب، إلا أن المسلمين كانوا قد رصدوهم فأخذتهم سيوفهم، وقتلوا الكثير منهم، وتشردوا في كل اتجاه، وتَبِعهم جندُ المسلمين إلى الصحراء، ومَن شرد منهم وصل إلى الفرات، وكان النهر في ازدياد في فصل الربيع، فغرِق كثير ممَن أراد العبور، وهكذا تفرَّقوا بين مقتول في المعركة، وهالك غرقًا أو في الصحراء، ولم تَقُم لهم بعدها قائمة، فقد مات ملكهم (قازان) بعد هذا المعركة.

وقد كان لمشاركة الإمام ابن تيميَّة رحمه الله في هذه المعركة أثرٌ كبير في النصر، ومعه تلاميذه وأنصاره، وقد أرسل نائب السلطان في دمشق جمال الدين أقوشي رسالةً من أرض المعركة بعد تمام النصر، يُطمئن فيها أهلَ دمشق الذين كانوا في وجلٍ وخوف، لكنهم ما انقطعوا طيلة هذه الأيام من الدعاء والابتهال إلى الله بنصر المسلمين خصوصًا في يوم الجمعة أول رمضان، إلى أن وردتهم رسالة تنبئهم بالنصر، فاستقرَّت أحوال الناس في دمشق بعد سماعهم هذه الرسالة، وحمدوا الله على هذا النصر المبين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى