بامطرف: نقل صلاحيات هادي إعلان دستوري مشروع وعلى المجلس الرئاسي تعطيل العمل بالدستور

>
أثار إعلان إنشاء مجلس القيادة الرئاسي الذي أصدره يوم الخميس الماضي 2022/4/7 رئيس الجمهورية السابق عبدربه منصور هادي ونقل إليه صلاحياته جدلاً واسعاً داخلياً وخارجياً من الناحيتين القانونية والسياسية، فمن الناحية القانونية التي تهمنا على وجه الخصوص -باعتبارنا قضاة في السلطة القضائية مما يستوجب ابتعادنا عن الخوض في الناحية السياسية- نرى بأن الواجب الوطني يُحتِمُ علينا أن نوضح لشعبنا الراي القانوني السليم لِما يدور الجدل فيه حالياً حول مدى دستورية أو عدم دستورية إعلان رئيس الجمهورية إنشاء مجلس القيادة الرئاسي ونقل صلاحياته إليه، فهناك من يُخطي أو يجافي الحقيقة -بقصد أو بغير قصد- في قولهِ بأن الإعلان يستند الى احكام الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المُزمنة ، وهناك من يرى عكس ذلك بأن الإعلان يخالف أحكام ونصوص الدستور، في حين ذهب البعض الى أبعد من كل ذلك بقولِهِ بأن الإعلان هو (انقلاب تجاوز كل المرجعيات والأسس) وهو ما صرح به الرئيس التونسي الاسبق المُنصف المرزوقي رئيس المجلس العربي حالياً في بيانٍ باسم المجلس العربي نشرته صحيفة "الأيام" الغراء في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي 12 أبريل الحالي قال فيه بالحرف الواحد: (إن إعلان تشكيل المجلس الرئاسي اليمني يُعدُ إجراءٌ باطلٌ على الرغم من الاعتراف الدولي الواسع بالمجلس المُشكل من قِبل رئيس الجمهورية السابق عبدربه منصور هادي) ودعا المجلس العربي في بيانه الصادر يوم الإثنين الماضي 11 أبريل الشعب اليمني إلى (رفض المجلس الرئاسي وبدء حوار يمني بعيداً عن كل ما وصفهُ (بالإملاءات والتدخلات الخارجية) ووصف تشكيل المجلس الرئاسي اليمني بأنهُ (انقلاب مُتكاملُ الأركان يُخالفُ كل الأسس) على حدِ تعبيره،

وما من شك في أن هذا التصريح الخطير الذي جاء على لسان الرئيس التونسي الأسبق (المرزوقي) في البيان الصادر باسم المجلس العربي هو تدخلٌ سافِر في الشؤون الداخلية لليمن وهو بمثابة دعوة تحريضية عدائية للشعب اليمني لأغراض سياسية مشبوهة صادرة من المُنصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق الذي لم يَحُز على ثقة الشعب التونسي في إعادة انتخابه رئيساً لفترة رئاسية ثانية،

والمرزوقي هو حاليا شخص مطلوب القبض عليه من قبل البوليس الدولي (الانتربول) عن جرائم جنائية سبق ان ارتكبها ولذلك فإن بيان المرزوقي هو بيانٌ سياسي لأغراض مشبوهة وليس لبيانهِ أية صلة بعلم القانون الدستوري. صحيح أنه لا يوجد نص في الدستور اليمني يُخوِل رئيس الجمهورية في حالة خُلو منصبِهِ أن يُنشئ مجلس رئاسي وأن ينقل إليه صلاحياته،

وإنما في حالة خُلو منصب رئيس الجمهورية لأي سببٍ كان كاستقالته مثلاً أو تنحِيه أو عجزهِ الدائم عن العمل أو وفاته، ففي هذه الحالات يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس، أما في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معاً يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً رئاسة مجلس النواب، وإذا كان مجلس النواب منحلاً حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتاً ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوماً من تاريخ أول اجتماع لمجلس النواب الجديد وهذا ما نصت عليه صراحةً المادة (116) من الدستور. ولذلك كان ينبغي على الرئيس هادي قبل تنحيه عن منصبه إعلان تعطيل العمل بالدستور ثم إصدار إعلان دستوري بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي ونقل صلاحياته إليه. كما أنه من المعلوم قانوناً في حالة الإطاحة بالنظام السياسي في أي دولة بفعل انقلاب عسكري أو ثورة شعبية ففي هذه الحالة تنتهي الشرعية الدستورية وتَحِل محلها الشرعية الثورية وتُعلن السلطة الثورية الجديدة أو رئيس الجمهورية إن كان لايزال مستمراً في منصبه او المجلس العسكري إن كان قائماً (كما حصل في مصر) تعطيل العمل بالدستور ويُصدر إعلان دستوري لتنظيم سلطات الدولة وشؤون الحكم والصلاحيات وإعلانات أخرى دستورية مُكمِلة كلما اقتضت الضرورة ذلك وهذا ما جرى في عدة بلدان في العالم منها على سبيل المثال جمهورية مصر العربية عندما أطاحت الثورة الشعبية عام2011 بنظام حسني مبارك وكل مؤسساته الدستورية تولى المجلس العسكري الحكم وأعلن تعطيل العمل بالدستور وأصدر إعلان دستوري ثم إعلانان دستورية أخرى مُكملة ،

وقبل ذلك في الجمهورية التونسية عندما أطاحت الثورة الشعبية بالرئيس زين العابدين بن علي ونظامه السياسي. وفي اليمن في بداية عام 2015 عندما استولت جماعة أنصار الله (الحوثيون) على نظام الحكم واطاحت بالشرعية الدستورية أعلنت أولاً تعطيل العمل بالدستور وفي نفس الوقت اصدرت إعلاناً دستورياً نظم سلطات الدولة وشؤون الحكم في البلاد، وهذا الإجراء نفسه كان ينبغي على الرئيس هادي اتخاذه في بداية الحرب بإعلان تعطيل العمل بالدستور الذي تم الانقلاب عليه أصلاً وإصدار إعلان دستوري لتنظيم سلطات الدولة وشؤون الحكم وفقاً لمقتضيات ومتطلبات المرحلة وظروف ودواعي الحرب التي تمر بها البلاد، وكان من شأن الإعلان الدستور لو صدر آنذاك أن يُنظم سلطات الدولة وجميع شؤونها بما في ذلك -على سبيل المثال- إعادة بناء سلطة تشريعية مؤقته من الأعضاء المتواجدين من مجلسي النواب والشورى اللذين انتهت شرعيتهما منذ سنواتٍ طويلة وغير ذلك من إجراءات دستورية أخرى بما في ذلك إضفاء الشرعية الدستورية للرئيس هادي نفسه طوال الفترة التي استمر فيها في منصبه بعد انتهاء ولايته من عام 2015 وحتى صدور قراره بالتنحي وإنشاء المجلس الرئاسي في7 أبريل 2022، إلا أنه بدلاً من إصدار إعلان دستوري بمثل تلك الإجراءات استمر العمل بالدستور المُنقلب عليه، وفي حالاتٍ كثيرة يتم خرق أحكام الدستور بدريعة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المُزمنة مع ان المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والتي وُصِفت آنذاك بـ (المزمنة) وُضعتا لفترةٍ زمنيةٍ محددة وانتهت

صلاحيتهما بالإضافة الى أنهما لم تتضمنان نصاً يُجيز خرق الدستور أو تغليبه على المبادرة، هذا من جهة، ومن جِهةٍ أخرى فالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار الأمن مجلس الأمن الدولي رقم 2216 وغيره من قرارات اُممية صادق عليها مجلس النواب هي بمثابة قانون يُسمى في الفقه الدستوري بالقانون الخارجي لا تعلو نصوصه على أحكام الدستور الوطني الذي له الغلبة والسمو تجسيداً لمبدأ السيادة للشعب. ولذلك فإن إعلان رئيس الجمهورية السابق (المتنحي) عبدربه منصور هادي هو (بمثابة) إعلان دستوري وهو إجراء مشروع وصحيح يتطلب من مجلس القيادة الرئاسي الإعلان بأن العمل بالدستور صار معطلاً لأنه لا يجتمع الاثنان في آنٍ واحد فلا يجوز أن يكون الدستور والإعلان الدستوري المخالف له نافذان معاً. ومن الجذير بالذكر أنه قد سبق لنا خلال السبع سنوات الماضية منذ بداية الحرب اليمنية العبثية المأساوية وحتى تاريخ تنحي الرئيس هادي أن نبهنا مراراً وتكراراً في عدة مقالات لنا وتصريحات ومبادرات قانونية سابقة نُشِرت في الصحف وفي وسائل التواصل الاجتماعي أوضحنا فيها المخارج الدستورية والقانونية لمختلف الأزمات الدستورية والقانونية التي تمر بها البلاد والمآسي الاقتصادية والمعيشية والخدمية والأمنية التي يعاني منها الناس بسبب الحروب العبثية المتوالية التي تجري في الوطن، ومع الأسف الشديد لم تكن هناك استجابة ممن بأيديهم مقاليد الأمور، نسأل الله السلامة والأمان والاستقرار والإزهار للوطن، والهِداية والتوفيق للجميع، وحسبنا الله ونِعم الوكيل.
*نائب رئيس المحكمة العليا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى