الفساد في اليمن مازال يدار بنفس قواعد ما قبل الحرب

> أحد الأسئلة المهمة التي تطرح اليوم: هل الحكام الجدد للشرعية سيحاربون الفساد ويتصدون لإساءة استخدام السلطة؟ وإلى أي حد سيقومون بذلك؟

المؤكد أن هناك أولويات رسمت للمرحلة القادمة وأهم تلك الأولويات هي إنهاء الحرب، وليس هناك ما يؤشر، على الأقل حتى الآن، إلى أن مكافحة نهب المال العام والفساد وإساءة استخدام السلطة ستكون من الأولويات خلال المرحلة المقبلة، وعلى الأرجح سيتم تفادي التسبب بصدمة لمنظومة الفساد الكبيرة التي تتحدى الجميع.

دوما ما يتسأل اليمنيون لماذا الأداء الحكومي في بلدهم يتسم بالضعف؟ ولماذا كل حكومات بلدهم تتشابه تقريبا عندما يكون الأمر متعلقا بإساءة استخدام السلطة؟ والإجابة سهلة لأن شبكات الفساد والمحسوبية هي التي تدير فعليًا الشؤون العامة للبلاد.

في مطلع هذا العام قالت الحكومة إنها عازمة على المضي قدما في مكافحة الفساد، لكن الكل يعرف أن مثل هذه التصريحات هي مجرد تصريحات، لأن الفاسدين يزدادون قوة ونفوذا، ووقف سرقة المال العام أمر بالغ التعقيد، والسبب أن الكل تقريبا متورط بنهبه بشكل أو بآخر.

ومثلما كان في زمن نظام صالح، ما يزال نهب المال العام يدار بنفس القواعد التي كانت سائدة قبل الحرب.

ولطالما كان استغلال المناصب من أجل المنفعة الشخصية أمرا متجذراً في اليمن، اليمن الشمالي قبل الوحدة، وأصبح بعد ذلك منتشرا وأشبه بالوباء بعد الوحدة، والجنوبيون اليوم ليسوا أقل تورطا بالفساد من الشماليين.

يقال إن محاربة الفساد مثل تنظيف الدرج تماما، يبدأ من الأعلى نزولا إلى الأسفل، فإن كان حدوث هذا التنظيف مستحيلا في اليمن الخاضع لسلطة الانقلابيين، فهل يمكن حدوثه في المناطق التي تحررت منهم؟ الجواب هو: لا شيء يؤشر على حدوث ذلك في أي وقت قريب، وربما ستبقى معادلة دعه يسرق دعه يذهب، لزمن ليس بالقصير.

في عام 2009 شكل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وفي عام 2006، أي قبل سنوات غير قليلة من اندلاع الحرب، أنشئت الهيئة والوطنية العليا لمكافحة الفساد، لكن في ظل العجز الكبير للسلطتين التشريعية والقضائية، فإن دور هذا الجهاز وهذه الهيئة في التصدي للفساد ونهب المال العام، يبعث على السخرية أكثر ما يبعث على الأمل.

تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد أن إساءة استخدام السلطة المؤتمنة من أجل المصالح الشخصية، هذا تعريف واضح ومباشر، وإساءة السلطة المؤتمنة ليست مجرد ظاهرة يمنية ولكنها ثقافة تتقبل الفساد والرشوة والابتزاز، وشكلت هذه الثقافة سببًا كافيا لأن توضع اليمن لسنوات غير قليلة، وعلى التوالي ضمن ترتيب الدول الأكثر فسادا في العالم، وهذا أمر غير مستغرب.

خلال السنوات الماضية مثل اقتصاد الحرب في اليمن رافعة جديدة للفساد ونهب المال العام، ومثل تحدياً لكل محاولات بناء السلام في اليمن.

لقد أتاحت سنوات الحرب الفرصة لانضمام لصوص جدد لنادي الفساد، إلى جانب اللصوص التقليديين، وما زالت آليات الفساد التي تأسست في عهد نظام صالح على حالها، ولوقت ليس بالقصير شكلت تدفقات الأسلحة، وعمليات المناقصة والجبايات وإعانات الوقود وبيانات الرواتب العسكرية المزورة وأموال مقدمة من مانحين وسياسة الابتزاز، شكلت كل هذه الوسائل وغيرها مصدر إثراء كبير للقلة على حساب الكثرة.

في أحد تقارير البنك الدولي الذي صدر خلال السنوات الماضية عن الأموال المقدمة من مؤتمرات المانحين لليمن، جاء في إحدى الفقرات التالي: كل مئة دولار تدخل إلى اليمن من المانحين تذهب نحو ستين في المئة منها لفاسدين كبار، أما الأربعين في المئة المتبقية فعشرون في المئة منها توزع على فاسدين صغار من أجل ضمان ولائهم، والعشرون في المئة الأخرى يتم فيها افتتاح مشاريع لا ترى النور غالبا.

ما هو الفرق بين من يتهم بالشروع بالقتل، وبين من ينهب المال العام في بلد يموت فيه طفل كل عشر دقائق من سوء التغذية؟ الجواب هو لا فرق.

الفساد واستخدام السلطة لتحقيق المنافع الشخصية ليس مقتصرًا على اليمن، بل إنه منتشر في كثير من دول العالم بدرجات مختلفة، يتساءل اليمنيون بحسرة ما الذي جعل جيرانهم يحققون هذا التطور السريع في البنى التحتية وازدهار المدن والرفاه؟ هل هذه الدول تخلو تماما من الفساد؟ والحقيقة هي أن هذه الدول تحارب الفساد فعليا من خلال تفعيل القوانين الرادعة وبوجود قضاء نزيه وقوي، بالإضافة لهيبة الدولة، كل ذلك وقف عائقا أمام ازدهار الفساد وتشعبه، أما في اليمن فكل هذه الأمور ما زالت غائبة، ويوما ما ستكون حاضرة، لكن لا يعرف أحد متى سيأتي هذا اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى