إدمان "الحشيش" ينتشر بين المراهقين في اليمن

> «الأيام» أحمد الحساني*:

>
تسللت ظواهر سلبية بصورة مفاجئة وبوتيرة عالية مؤخرًا إلى المجتمع لتستهدف فئة مهمة وفي مرحلة عمرية حساسة مثل المراهقين، ووقوع بعضهم فريسة لبعض المواد التي أدمنوا على تعاطيها مثل نبتة "الحشيش".

وذلك في مختلف المدن، بالأخص الرئيسة كالعاصمة صنعاء وعدن وإب وتعز، التي ترصد منها "خيوط"، ما تمثله هذه الآفة من خطر شديد على الشباب والمراهقين التي تُعد من أكثر الفئات المتضررة من الحرب وتبعاتها، في ظل تركيز أطراف الصراع والحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، على استقطابهم وتجنيدهم والزج بهم في معاركهم العسكرية، إضافة إلى تدهور التعليم ومعيشة الأسر اليمنية وتغير اهتماماتها وأولوياتها، والتي كان الأطفال والمراهقون والشباب أبرز ضحايا هذا التغير.

لم يقتصر إدمانُ فئةٍ كبيرة من الشباب في مدينة تعز، على تعاطي نبتة القات، إنما يبدو أنّ نوعًا جديدًا من الإدمان بدأ ينتشر مؤخرًا بين الشباب وصغار السن، وهو تعاطي "الحشيش"، الذي أصبح ترويجه أو الحصول عليه سهلًا ومتداولًا، في ظل حالة الانفلات الأمني والأوضاع التي خلقتها الحربُ الدائرة في البلاد.

على الرغم من أن تعاطي الحشيش أصبح شائعًا بين جميع الفئات العمرية، إلا أن غالبية الضحايا هم المراهقون، الذين يقعون فريسةً سهلة أمام إغراء مروجي الإدمان، بصورة تدفعهم في بعض الحالات إلى ارتكاب جرائم مثل السرقة.

من "تحقيق الذات" إلى الجريمة

"لقد دمّر الحشيش صديقي القاصر، ودفعه لارتكاب جريمة السرقة من أجل حيازة الحشيش، بعد أن وجد نفسه مدمنًا دون أن يشعر، الأمر الذي كلفه ذلك ضياع مستقبله ودراسته وخمود عنفوان شبابه المتقد وفاعليته"، يروي الشاب يونس الحضرمي (25 سنة)، جانبًا من تبعات إدمان أحد أصدقائه للحشيش، مع بعض رفاقه المراهقين في حي "الضربة" بمدينة تعز.

يتحدث الحضرمي عن أحد مروجي الحشيش، يسكن بالقرب منه في ذات الحي. يقول إنه يمارس نشاطه ويتحرك بحرية تامة دون أن يتدخل أحد لإيقافه، "اليوم المخدرات صارت تباع علنًا، لم يعد المروجون يخشون من السلطات، حتى أصبحت هذه المادة شائعة بين مختلف الفئات العمرية؛ وصل الأمر بها إلى انتشارها في أوساط النساء، مما ينذر بكارثة مجتمعية وشيكة"، يردف.            

ويعزو الدكتور المختص في علم النفس، ماهر شير، انتشار ظاهرة تعاطي هذه الآفات بين المراهقين وصغار السن بكثرة، إلى الدوافع النفسية التي تهيمن على الشباب في هذه المرحلة العمرية، منها الرغبة في التجربة، والتعرف على الأشياء الجديدة، في محاولة لتحقيق الذات، إضافةً إلى الواقع النفسي والاجتماعي الصادم لتطلعاتهم وآمالهم المستقبلية، الذي يدفعهم إلى اللجوء إلى العادات السلبية.

الأقل تكلفة والأسهل تداولًا يغري الشباب الفقير
الأقل تكلفة والأسهل تداولًا يغري الشباب الفقير

يلفت شير، إلى أن الدراسات العلمية، تؤكد أن المجتمعات الفقيرة التي تتفشى فيها البطالة والتفكك الأسري، تعد داعمًا سلبيًّا في انتشار ظاهرة تعاطي الحشيش، كونها المادة الأقل تكلفة والأسهل تداولًا وترويجًا من غيرها من أنواع المخدرات، كما أن ضعف الضوابط المجتمعية والأسرية يسهم في تسهيل الاستهداف للكثير من الشباب.

قانون مغلول اليد

ينص قانون مكافحة المخدرات اليمني، الصادر عام 1993، على تنفيذ عقوبة الإعدام للمدان بتهريب المخدرات أو زراعتها أو المشاركة في تصنيعها، والسجن لمدة تتراوح ما بين 15 إلى 25 عامًا، لمن تثبت إدانته بحيازة أو نقل أو ترويج المخدرات.

من جانبه، يقول مدير دائرة مكافحة المخدرات في البحث الجنائي بتعز، المعروف بـ"الفندم فؤاد" إن الأجهزة الأمنية في تعز، تبذل قصارى جهدها للحد من انتشار هذه الظاهرة، لكن قصور الإمكانات حالت دون قيامهم بالواجب وبالصورة المطلوبة والمؤثرة للقضاء على تجارة الحشيش، حد قوله.

عن ماهية القصور الذي تفتقر إليه الدائرة، يوضح فؤاد، أن الفريق الأمني كان من الممكن أن يحقق إنجازًا فارقًا في القضاء على ظاهرة المخدرات بتعز، لولا أنهم يعوزهم كثير من التجهيزات؛ "نحتاج ميزانًا حساسًا، حقيبة فحص، قوة كافية مع السلاح، اعتمادًا ماليًّا مناسبًا، وتأهيلًا لكادر العمل، وغيرها".

وتمر المخدرات التي تدخل إلى البلاد، عبر المنافذ البرية والبحرية في محافظات المهرة، والحُديدة، ومأرب، والجوف، وكذلك عبر محافظتي صعدة وحَجة، المحاذيتين للحدود مع المملكة العربية السعودية (شمال اليمن). كما يشاع عن وجود مزارع حشيش مخفية في مناطق تابعة لمحافظة صنعاء (شمال اليمن)، ومناطق مختلفة في محافظة إب، بحسب معلومات حصلت عليها "خيوط" من مصادر محلية.

ذات المصادر أفادت أن مناطق في مدينة تعز، باتت معروفة كأوكار لتجار المخدرات، الذين يستهدفون ـ عبر مروجيهم ـ فئة المراهقين غالبًا، مستغلين ضعف تجربتهم وسهولة إقناعهم ودفعهم إلى الانحراف.

آثار اجتماعية

عن الآثار الاجتماعية لظاهرة تعاطي الحشيش، يؤكد الدكتور في علم الاجتماع، محمود البكاري، أن الحشيش يعد آفةً اجتماعية شديدة الخطورة على متعاطيها، خاصة فئة الشباب والمراهقين؛ "نظرًا لحاله الطيش وعدم إدراك المخاطر الصحية والنفسية والاجتماعية، التي تجعلهم أكثر عرضةً لتعاطي الحشيش، وأكثر استجابة في التأثر بالأقران من رفاق السوء".

ونظرًا لما يمثله الحشيش من مخاطر على الفرد والمجتمع ـ بحسب البكاري ـ تُجمع كل التشريعات على تجريمه ومنع تعاطيه والاتّجار به، مشددًا على دور الأسرة في حماية أبنائها من الوقوع فريسة لهذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة.

ويضيف: "من الناحية النفسية تنعكس الآثار الاجتماعية بشكل سلبي على الجانب النفسي، فيحدث القلق والاكتئاب للمدمن، وتسوء حالته النفسية مع تزايد مستوى الإدمان، فيصبح عرضة للأمراض النفسية التي قد تصل إلى مراحل تهدد حياته بالخطر".

وللحد من انتشار الظاهرة، يشدد كثير من المهتمين على ضرورة تفعيل القوانين وتحديثها، وإشراك منظمات المجتمع المدني في نشر الوعي، ومساعدة الشباب ودفعهم إلى الانخراط في سوق العمل من خلال توفير الفرص العادلة، لتفادي ضياع الطاقات الشبابية، وتسخيرها في بناء وتنمية المجتمع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى