كادر طبي وطني يسرد لـ"الأيام" تفاصيل رحلة الطب في مستشفيات أبين ولحج

> التقاه/أحمد يسلم

> ​بعد 60 عاما من احتراف المهنة وذيوع الصيت..
العطوي أحد النماذج المعطاءة التي لم تعط حقها

طبيب مشهود له بالخبرة والمعرفة والنزاهة والإخلاص لوظيفته وعمله الطبي، الذي أبحر فيه على قارب التفاني طوال ستين عامًا خلت ولا يزال بكامل طاقته وحيويته وشهرته ومكانته التي حفرت في ذاكرة الناس ولدى المرضى الذين رعاهم وتناولوا العلاج على يديه فكانت وصفاته الطبية بلسمًا وشفاء.

سالم علي سالم العطوي، مارس مهنة الطب والإدارة الطبية على أصولها كما يحب أن يقول عن مهنته التي تمنحه صفة ملاك الرحمة فتقمص الدور وارتدى الصفة لزامًا طوال سنوات بقائه في أروقة المستشفيات وإلى يومنا هذا.


التحق العطوي بمجال الطب عام 1963م وتعلم فنون الطب على أيدي الإنجليز، ويتذكر ممن زامله حينها "د. عبدالباري السقاف وعبدالله عبدالحبيب، عثمان مهدي بجل، سعيدة عوض النوبي، شيخة حيدرة نعوم، حسن سعيد بكير، علي حيمد حيدرة، زين عبدالله السنيدي، حيدرة عبدالله الطالبي، محمد صالح علي، صالح حسن دحة، محمد مزاحم وآخرين واصلت معهم مشواري منذ ما بعد الاستقلال".

 وعن بدايات عمله الأولى يقول: "عملت بداية في مستشفى المخزن وكان يعمل فيه ثلة من الأطباء الإنجليز أتذكر منهم د. هنتر د. فوردي د. هنري وطبيبان باكستانيان هما د.الزبري د.عزيزي شوكت، و كانوا عند التطبيق العملي  يقدمونا لامتحان قدراتنا من خلال فحص مريض واحد يعاني من عدة أمراض مجتمعة، أتذكر أني طبقت على مريض جاء إلى الدلتا من تهامة وكان يعاني من الملاريا والبلهارسيا وفقر الدم والسل وبه هزر".

وتابع سرده: "هنا كممتحن عليك أن ترتب الأولويات في علاج المرض الأول في الترتيب العلاجي ونجحت في الامتحان لأني بدأت بوصفة علاج فقر الدم، وبعدها كتبت وصفة الملاريا، ثم البلهارسيا وهكذا. يومها كان مدير المستشفى د. صالح عوض نصيب، وهو طبيب ذو كفاءة وأتذكر من أفراد الطاقم الطبي ممن سبقونا في مستشفى المخزن في الستينيات من المساعدين الطبيين محمد سالم عبدالرحمن ومحمد حسن، وعبداللاه سالم الوالي، كان مختبريا، ومحمد عمر صيدلانيا، وهو شقيق صالح عمر، مدير معارف سلطنة يافع.


ويكمل العطوي قصته: "بعد الاستقلال ذهبت لإكمال الدراسة في المعهد العالي للطب في عدن (أمين ناشر) ووقتها كان الكادر الطبي محدود فعدت للعمل في مستشفى ناجي، وعقب تأسيس مستشفى رصد في أوائل السبعينيات وتحديدًا عام 1976م، عينت أول مدير للمستشفى وتسلمت إدارته وهو مجرد غرف وبناية تخلو من المستلزمات والأدوات الطبية تمامًا".

كانت المهمة شاقة عليّ وصعبة للغاية في ظل صعوبة الحياة برمتها وأبرزها  انعدام وصعوبة الطريق إلى يافع في إسعاف الحالات المرضية الصعبة وفي إيصال الأدوية والمستلزمات الطبية.

ويحتفظ العطوي، بصورة نادرة تجمعه بالرئيس سالمين رحمه الله، عنها قال: "زارنا الرئيس يومًا في المستشفى، استنفرت حينها الطاقم التمريضي وطاف الرئيس في أروقة المستشفى الذي رأى بعينيه شحة الإمكانيات والأدوية والأجهزة الطبية فيه، فوجه على الفور مرافقه من وزارة الصحة – لا أتذكر من كان - لتوفير معظم الطلبات التي تقدمنا بها وأتذكر أننا احتفظنا بنماذج للدودة الشريطية وبعض الطفيليات داخل قوارير مضاف إليها محلول طبي فما كان من الرئيس إلا أن قال انشروا التوعية الصحية فالدودة الشريطية سببها تناول اللحم نيئًا فتعجبنا من معلومات الرئيس الطبية فسالمين يعرف الكثير عن العادات الغذائية في المنطقة بحكم هروبه إليها مع رفاقه في عام 1968 م قبل أن يكون رئيسًا".


واسترسل: "غادر الرئيس رصد بالهيلوكابتر وكان علي الذهاب إلى العاصمة عدن لمتابعة أوامر الرئيس وجلب الأدوية والمعدات الطبية، فوجدت صعوبة بالغة في إيصال المعدات بحكم وعورة الطريق عبر منطقة سلب، وأتذكر عندما طلبت مواصلات من الوزارة لي وللمهندس الذي سيركب الأشعة XR سلموني تذاكر باصات للتنقل ولكننا مضينا  إلى رصد عبر سلب حمة على متن شاحنة(فيات).

"بشكل عام عانينا من شحة الكادر الطبي وعمل معي أطباء من عدن في ظروف هي في غاية الصعوبة وهم د. شكيب عبدالولي د. ناصر علي ناصر د.علي العرجي، وبعد عام ونصف تركت المستشفى وتسلم بعدي الإدارة زميلي العدني سلطان محمد سعيد".

وسألناه عن حكاية الإسعاف بالهيلوكابتر من مستشفى رصد، فأطلق تنهيدة وقال: "كان لدينا جهاز (راديو فون) من خلاله وفي الحالات المستعصية كان بمجرد اتصال واحد مع قيادة القوى الجوية بدر على طول تأتي إلينا طائرة هليوكابتر لنقل المرضى، وأتذكر في أيامي أسعفنا 3 حالات بالطائرة منها امرأة متعسرة- اعتراض الجنين - من منطقة  الشبحي، ومريض سقط من على شجرة علب اسمه علي سعيد، عانى من كسور في العمود الفقري والرقبة وظل بقية حياته معاقًا حتى توفي رحمه الله قبل بضعة سنوات، وثالثة لامرأة متعسرة من سرار".

وعن أصعب المواقف التي واجهته وأكثرها غرابة قال:"كانت الحالات التي تنفجر فيها الألغام في السبعينيات من اتجاه سباح والسيلة البيضاء هي ما تقلقنا وكان التعامل مع هكذا حالات يجعلك أمام خيارات صعبة في ظل صعوبة الإمكانيات، لكن كنا نعمل ليل نهار بإرادة وعزيمة. أما أغرب الحالات المرضية فكانت تعاني منها إحدى الأسر في السعدي، حيث توفي ثلاثة من الذكور عند بلوغهم سن السابعة عشرة، فيما الرابع تم أخذه مع بعثة طبية حضرت إلى المستشفى لمدة 3 أيام منهم د. عبدالقادر الجيلاني د. بن حطاب د. ناصر علي ناصر د. أمين ناشر، على متن طائرة خاصة وتبيّن أن الأسرة تعاني من مرض اليرقان كما قيل،  أيضًا عانت امرأة من جلطة بالرجل من مضاعفات  الولادة وآخر كان يعاني من ظهور زوائد عظمية في الفخذين والساقين وهي حالات غريبة".

وتحدث الطبيب والمدير عن الكادر التمريضي في المستشفى وقال إن معظمهم كان من المتطوعين ما اضطره للبقاء طوال الـ24 ساعة ذلك أن أي خطأ طبي يتحمل مسؤوليته مدير المشفى.

ضحك وقال:"تحمل المسؤولية حينها كان يعني الكثير"، وأردف: "كان مجرد عمل تجربة بالمضاد الحيوي أو حقنة ملاريا من ممرض متطوع تعني أما أن تكون بجانبه أو أن اضطر لعملها بنفسي".

وتابع: "رفد المستشفى ببعض الممرضات اللواتي ساعدن على تحسين عمل قسم الولادة والطفولة وأبرزهن الممرضة هندية عوض والممرضة مزنة صالح محسن التي أبلت مع زميلاتها بلاءً حسنًا وحقيقة مزنة برّزت في عملها وهذه شهادة أقولها بتجرد، وما أن فازت في عضوية مجلس الشعب ثم النواب قبل الوحدة حتى حوربت كثيرًا بعده وبدل من مكافئتها على إخلاصها ركنت في بيتها كما علمت إلى اليوم، كغيرها من آلاف الكوادر الجنوبية".

وحكى العطوي أنه ترك مستشفى رصد وقابل سكرتير أول التنظيم السياسي الجبهة القومية حينها جاعم صالح، بسبب موقفه من ضعف الإمكانيات والكادر ومن ممارسات  أحد الأطباء وبعدها نقل نائبًا لمدير مستشفى لودر،"تبيّن بعيد أيام قليلة صحة موقفي وحاولوا إعادتي إلى إدارة مستشفى رصد لكنني رفضت  وعدت للعمل في مستشفى ناجي مديرًا للعيادات الخارجية وهو المنصب الذي شغلته حتى افتتاح مستشفى الرازي الذي بنته دولة الكويت الشقيقة  وعملت فيه حتى عام 2000م".

وعن عمله طوال هذه المدة قال: "اتصف العمل الطبي في مستشفى ناجي والرازي بالمتابعة والرقابة والمحاسبة وساعد في هذا تتابع البعثات الطبية الصينية التي توالت على المستشفى بمقدار 21 بعثة طبية بواقع بعثة كل سنتين آخرها عام 2011م في تخصصات مهمة منها النساء والولادة  الأطفال الجراحة الباطني التخدير العظام أنف وإذن وحنجرة، وأمانتي الطبية تلزمني القول إن البعثات الصينية نهضت بالعملية الطبية وعملت بجد  ومسؤولية فكان الاستدعاء لأي طبيب صيني في أي وقت مسألة لا تخضع للنقاش هذا إلى جانب اكتساب وتبادل الخبرات الطبية مع كادرنا الطبي المحلي".

وتحدث عن التجربتين الإنجليزية والصينية موضحًا الفرق: "الإنجليز استفادوا من دراسة أمراض المستعمرات في آسيا وأفريقيا وحتى الأمريكيتين ولديهم تراكم معرفي كبير  عن أمراض عديدة  وعلاج أمراض المستعمرات؛ لأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، أما المدرسة الطبية الصينية فلديها عمق حضاري وطبي عظيم، والصينيون أنجزوا أبحاثًا علمية أذهلت العالم لربما قد تصبح الصين رائدة العالم ليس في الطب ولكن في جميع المجالات والتخصصات. ورسولنا الكريم قال: اطلبوا العلم ولو في الصين".

وعن راتبه التقاعدي يقول: "في عام 2000م أحلت إلى التقاعد ومنحت راتبًا تقاعديًا بواقع 30 ألف ريال يمني استلمته لفترة إلى أن حملت تظلمًا إلى إدارة المعاشات في عدن فعدل راتبي إلى 105 آلاف ريال يمني فيما زملائي يتقاضى بعضهم 200 ألف ريال، وأنا أقول إنهم يستحقون أكثر من ذلك ولكن لابد من أسس وعدالة في الاستحقاقات".

وتقييمًا لمستوى الأداء في قطاع الصحة اليوم: "بإيجاز شديد لا أوجه للمقارنة بين الأمس واليوم، نعم هناك شهادات عليا في مجال الطب لكن تحول المرض والمريض إلى عملية ربحية استثمارية مجحفة وأحيانًا قاتلة. مات الضمير المهني وعادت كثير من الأمراض التي كانت بلادنا قد أوشكت على اجتثاثها منها السل والملاريا والجدري والحصبة والجتيعة وغيرها، ومن هنا يمكن تقييم الوضع الصحي سلبًا وإيجابًا بلا أية شكوك".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى