أسرة مسلمة تروي بحسرة كيف هدمت السلطات الهندية منزلها وأحلامها

> «الأيام» زويا متين*

> ​"تحت أنقاضه ترقد مدفونة أجزاء من ذواتنا"..
عقاب قاسٍ يستهدف الأقلية المسلمة

 ماذا يعني البيت؟.. البيت بالنسبة لسمية فاطمة، ذات الـ 19 ربيعا، هو بناية صفراء باهتة، قابعة في إحدى الأزقة الضيقة التي تزخر بها مدينة براياغراج (الله آباد سابقا) الواقعة في ولاية أوتر براديش شمالي الهند، حيث تعيش مع عائلتها المكونة من أربعة إخوة وأبوين.

كان البيت ذو الطابقين معبّأ بالذكريات في كل زاوية من زواياه، كما تتذكر سمية حيث كانت تأكل فاكهة الليتشي (فاكهة استوائية شبيهة بالزهور) وتلهو مع إخوتها في الشرفة الغارقة في نور الشمس، وكانت أيضا تختلس الكتب من مكتبة أبيها ثم تغلق على نفسها الحمّام لتبكي بعد أن يوبخها الأب على فعلتها.


وإذَن، كان البيت بالنسبة لسمية مكانا تشعر فيه بالحرية والأمان وكانت أخشابه، وقراميده، وصخوره ملاذا لها ولعائلتها.

وظلّ هذا الوضع قائما حتى يوم الأحد حين تحطم بأمر من السلطات المحلية قضى بهدم بيت عائلة سمية "دون سابق إنذار"، ليمسي المبنى أنقاضا وغبارا.


وتزعم السلطات أن البيت أقيم على نحو مخالف للقانون، وهو ما تنكره عائلة سمية، قائلين إنهم حتى لم يُمهَلوا لجمع متعلقاتهم.

وتتذكر سمية مكان صورة رسمتْها لأخيها تقبع الآن وسط ركام خرساني كان في السابق جدران بيت عائلتها.

وتقول سمية إنها الآن تشعر بعدم الأمان كما لم تشعر من قبل.. "بيتنا أصبح ذكرى.. لم يتبق منه شيء".


وكان جاويد بين أكثر من 300 شخص تم اعتقالهم في ولاية أوتر براديش على خلفية هذه المظاهرات.

وتعدّ عفرين فاطمة، إحدى بنات جاويد، ناشطة مسلمة بارزة. وكانت عفرين قد شاركت في مظاهرات ضد قانون مثير للجدل حول المواطَنة وحظر ارتداء الحجاب على الفتيات في المدارس الهندية.

وأثار هدم بيت هذه العائلة إدانات من قياداتٍ معارضة اتهمت بدورها حكومة الولاية -التي يرأسها الهندوسي المتشدد يوغي أديتياناث- باستهداف الأقلية المسلمة.

وإلى جانب بيت عائلة فاطمة في ولاية أوتر براديش، ثمة بيتان آخران لعائلتين مسلمتين -اتُهمتا بإلقاء الحجارة خلال احتجاج بعد صلاة الجمعة- تمّ هدمهما خلال الأيام القليلة الماضية.


ويأتي هدم هذه المنازل بين سلسلة من عمليات مشابهة تعرضت لها منازل مسلمين بأيدي السلطات في أوتر براديش وولايات هندية أخرى في أعقاب مشاهد عنف ديني باتت مألوفة في ظل حُكم حزب بهاراتيا جانات الهندوسي القومي.

ودأبت السلطات على القول، إن سبب الهدم هو أن هذه البيوت بُنيت على نحو مخالف للقانون، وهو ما يثير تساؤلات الخبراء القانونيين.

وفي ذلك يقول الباحث السياسي عاصم علي: "إن هدْم منزل هو إجراء وحشيّ، ذلك أن البيت هو رمز للأمان، وبناء بيت قد يستغرق عُمرًا من العمل".

ويضيف: "إن الولاية إذْ تستعين بالجرافات لاستهداف المسلمين، فإنها تبعث إليهم برسالة مفادها أنهم يجب أن يُذعنوا وإلّا ستُتخّذ ضدهم إجراءات غير دستورية لمعاقبتهم. وعندئذ لن ينفعهم لا الدستور ولا القضاء".

وتدّعي الشرطة أن جاويد محمد كان أحد "المتآمرين الرئيسيين" في أحداث العنف، وأن ابنته عفرين كانت "منخرطة في أنشطة مشبوهة".

وتنكر سمية وكذلك ينكر أخوها محمد ذلك، قائلين إن أيًا من أبيهما أو أختهما لم يشارك في المظاهرات.

ويقول الأبناء إنهم لم يكونوا يتوقعون أن ينزل بهم مثل هذا العقاب بسبب "شجاعة" أبيهم وأختهم في إبداء آرائهما.

تقول سمية: "كثيرا ما حذّر أخواي عفرين من مجاهرتها بآرائها، لكن أيًا منّا لم يخطر بباله أننا سندفع مثل هذا الثمن الفادح".

وتنكر عائلة جاويد محمد منطق السلطات في هدم بيتهم.

وتقول هيئة التطوير في مدينة براياغراج إنها أخطرت العائلة يوم 10 مايو، إن البيت مخالف للقانون، وطالبتهم بالإخلاء قبل يوم 24 مايو، لكن الابن محمد جاويد ينفي ذلك قائلا، إن العائلة لم تتلق أي إخطار حتى ليلة هدم البيت.

يقول محمد: "علاوة على ذلك، فإن أرض البيت مسجلة باسم أمي وليس أبي، وعليه فإن كل فواتير المياه والضرائب تأتي باسم أمي. أما الإخطار فكان يحمل اسم أبي".

وحاولت البي بي سي التواصل مع اثنين من مسؤولي هيئة التطوير في المدينة للتعليق لكنهما رفضا.

ورأى جوفيند ماثور، الرئيس السابق للمحكمة العليا في براياغراج، أن قرارات السلطات كانت "جائرة".

وقال ماثور:"حتى لو كان هناك بعض الأخطاء في عملية البناء، كان يمكن للسلطات أن تقضي بالغرامة بموجب قوانين الولاية .. على الأقل كان ذلك كفيلا بأن يعطي فرصة للعائلة لتدارُك الموقف".


ويرى عاصم علي أن أعمال الهدم قُصد بها إثارة الخوف في نفوس المسلمين.. "الرسالة هي لكل المجتمع المسلم في الولاية بالكف عن المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية".

وكان لهدم بيت جاويد محمد آثار واضحة على جيرانه. ولطالما كانت منطقة كاريلي، حيث يوجد بيت جاويد، منطقة مفعمة بالحياة بغالبيتها المسلمة مع قليل من العائلات الهندوسية. وكانت شوارع هذه المنطقة تضج بالحركة قبل اليوم الذي هُدم فيه بيت جاويد.

لكنْ منذ هدْم بيت جاويد، يخيّم السكون على المنطقة ويسودها شعور ملموس بالخوف.

ورفض كثيرون من أبناء المنطقة التحدث، قائلين إنهم يخشون انتقام السلطات إذا عبّروا عن رأيهم. حتى أن كثيرين يخشون التحدث بصوت مسموع في حضرة غرباء فضلًا عن التحدث مباشرة إليهم.

لكن جارًا، طلب عدم الكشف عن هويته، أراد أن يعرف لماذا تُستهدف بيوت المسلمين بدعوى المخالفة في بنائها للقانون، قائلا: "مئات العقارات في المدينة لا تمتلك، عند البحث، وثائق قانونية. لا يمكن للسلطات أن تمضي في هدمها جميعا - وإلّا باتت مدينة أشباح".

أما بالنسبة لعائلة سمية، فإن الألم يضاعفه شعور بغياب العدالة. وتقول سمية وأخوها إنه لم تكد تمضي أسابيع على احتفالهم بعيد الفطر "في وقت كان فيه المنزل عامرًا بالبهجة والسعادة".

تقول سمية: "إنهم لا يحطمون البيت فقط إذْ يفعلون،إنما يحطمون عائلة بأسرها، تحت أنقاض هذا البيت ترقد مدفونة أجزاء من ذواتنا".

*"بي بي سي عربي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى