​الحرب الروسية الأوكرانية والموقف الألماني

> ألمانيا/د. محمد جعفر زين

>
د. محمد
د. محمد
​الحرب، أية حرب تنشأ في هذا البلد أو ذاك من بلدان العالم، حينما تبدأ، فإنه من الصعب التنبؤ بنهايتها. هذا هو الحال ليس فقط بالنسبة للحرب الجارية في اليمن، وإنما أيضا بالنسبة للحرب التي لا تزال تجري بين روسيا وأوكرانيا. والحرب الجارية حاليًا بين روسيا وأوكرانيا قد غدت حربًا ليس فقط بين أكرانيا من جهة وروسيا من جهة أخرى وإنما حربًا بين روسيا من جهة وأوكرانيا والدول الغربية بأجمعها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخرى. ومن تتبع عن قرب لما جرى من أحداث في أوكرانيا قبل نشوب هذه الحرب فإنه لن يستغرب أن تتحول هذه الحرب إلى حرب بين روسيا والدول الغربية، لاسيما الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي وعلى رأسها الولايات المتحدة ألأمريكية.

منذ الانقلاب الذي جرى ضد الرئيس السابق لأكرانيا يتفشنكو، بسبب رفضه التوقيع على اتفاقية الشراكة  بين أوكرانيا والاتحاد الأوربي، والتي كان هدفها ربط أوكرانيا بالاتحاد الأوربي بدلا من الاستمرار بالحفاظ على ارتباطها بروسيا ليس فقط من الناحية السياسية كدولة من الدول التي كانت منظمة للاتحاد السوفيتي وإنما أيضًا من الناحية الاقتصادية. وبعد هذا الانقلاب الذي يقال إن هيئة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA لها يد فيه، والذي تم تقديمه لشعب أكرانيا وكانه ثورة ضد الفساد، أخذت العلاقات بين روسيا و أوكرانيا تتجه نحو التدهور وذلك لكون أوكرانيا تريد ليس فقط الانضمام للاتحاد الأوربي وإنما أيضا لحلف شمال الأطلسي مما دفع روسيا إلى تقديم الدعم العسكري والسياسي للقوى السياسية في شرق أوكرانيا التي تطالب بإنهاء هيمنة الحكومة المركزية في كييف على شرق أوكرانيا الذي يشكل الروس أغلبية سكانه والذين تسميهم الحكومة الأوكرانية بالعناصر الانفصالية التي ينبغي القضاء عليها بقوة السلاح، مما أدى إلى نشوب حربين في شرق أوكرانيا بين الحكومة المركزية وما تسميهم الحكومة في كييف بالعناصر الانفصالية المدعومين عسكريا وسياسيا من روسيا . وقد تم إيقاف هذه لحرب مؤقتا بعقد الاتفاقيات المسماة باتفاقيات منسكMinsk الأولى والثانية. فوفقا لاتفاقية منسك الأولى جرى بموجبها تبادل الأسرى بين الطرفين المتحاربين. أما اتفاقية منسك الثانية، فقد شكلت أساسا لحل النزاع العسكري مع ما تسميهم الحكومة المركزية بالعناصر الانفصالية. فوفقا لهذه الاتفاقية فإن على الحكومة الأوكرانية أن تمنح سكان شرق أوكرانيا حكما ذاتيا في إطار دولة أوكرانية فيدرالية. لقد تلكأت الحكومة المركزية في أوكرانيا في منح شرق أوكرانيا الحكم الذاتي وامتنعت عن تنفيذ اتفاقية منسك الثانية وذلك بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. و هكذا اندلعت الحرب من جديد في شرق أوكرانيا التي تحولت،  كما سوف نرى، إلى حرب بين أوكرانيا والدول الغربية المنظمة إلى شمال الأطلسي من جهة وروسيا من جهة أخرى.

إن تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية لحكومة أوكرانيا على رفض تنفيذ اتفاقية منسك الثانية واستمرار الحكومة الأوكرانية في تكرار طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي قد شكل تهديدا كبيرا لروسيا مما دفعها في البداية إلى احتلال شبه جزيرة القرم التي كانت روسيه بحكم أغلبية سكانها الروس وبحكم أنها كانت جزءا لا يتجزأ من روسيا قبل أن يقوم الاتحاد السوفيتي إبان حكم خروشوف له بضمها لأوكرانيا. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن إلحاح أوكرانيا في طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، مما يعني، إن تم ذلك، فإن حلف شمال الأطلسي سوف يتوسع في أتجاه أوروبا الشرقية، وهذا هو بالضبط ما كانت ولازالت ترفضه روسيا بشكل مستمر. فأثناء المحادثات المسماة بأربعة زايد إثنين 4+2، التي جرت إبان حكم جورباتشوف للاتحاد السوفيتي فإن جورباتشوف وافق على توحيد ألمانيا وضمها لحلف شمال الأطلسي كدولة موحدة بشرط موافقة الدول الغربية على عدم توسع الناتو في اتجاه أوربا الشرقية، لكن موافقة الدول الغربية على ذلك لم تتم بشكل كتابي. وقد اتسم الموقف الألماني بالنسبة لانضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي لهذا السبب بالرفض. فحينما كانت السيدة ميركل مستشاره لألمانيا كانت تعترض على طلب انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي وتقوم بعرقلة هذا الانضمام لأنها كانت تعرف مسبقا برد فعل روسيا على هذا الانضمام. فسواءً كان بوتين رئيسا لروسيا أو غيره، فلا يمكن لأي رئيس لروسيا أن يقبل بأن يتوسع الناتو إلى حدود روسيا مباشرة عند انضمام أوكرانيا له. كل ذلك قد دفع روسيا  إلى غزو أوكرانيا والعمل على احتلال شرق أوكرانيا بقوة السلاح. هذا الغزو قد تم شجبه من جميع الأحزاب السياسية في ألمانيا وذلك لأنه يشكل خرقا للقانون الدولي الذي يحرم الاعتداء على الدول المستقلة ذات السيادة.

إن إجماع الأحزاب السياسية العاملة في ألمانيا على شجب هذا العدوان قد اقترن بالاختلاف على العقوبات التي ينبغي فرضها على روسيا وعلى فيما إذا ينبغي على ألمانيا أن تزود أوكرانيا بالسلاح ، لا سيما بالأسلحة الثقيلة كالدبابات وغيرها من الأسلحة الثقيلة، لمواجهة هذا العدوان. مستشار ألمانيا ورئيس حكومتها شولتز Schulz كان من رأيه في بداية العدوان الروسي على أوكرانيا فرض عقوبات اقتصادية فقط على روسيا، عقوبات ماليه وغيرها من العقوبات التي لا تشكل ضررا كبيرًا على اقتصاد ألمانيا مع استمرار التواصل مع الرئيس بوتين من أجل وقف الحرب. فقد صرح أنه حينما أدى اليمين الدستورية وأقسم أمام الرئيس الألماني، كمستشار لألماني، بأنه أثناء أدائه لوظيفته كمستشار لألمانيا، فأنه لن يضر بمصالح ألمانيا وشعبها. لأنه يعرف أن ألمانيا لها مصلحة كبيرة في بقاء علاقاتها الاقتصادية مع روسيا لكونها تعتمد أساسا على استيراد الغاز من روسيا في تسيير اقتصادها وفى توفير الطاقة للمواطنين للتدفئة لا سيما أثناء الشتاء. لكن شريكيه في حكومته الائتلافية، الحزب الديمقراطي الحرFDP وحزب الخضرDie Grünen كانا يصران على أن تشارك ألمانيا ليس فقط في تنفيذ العقوبات الاقتصادية المقرة من قبل الاتحاد الأوربي على روسيا وإنما أيضا في تزويد أوكرانيا بكافة الأسلحة ومن ضمنها الأسلحة الثقيلة لمواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا. وقد رضخ شولتز في نهاية الأمر لهذه الضغوط وللضغوط التي واجهها من قبل حلف شمال الأطلسي، لا سيما من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي سارعت بتزويد أوكرانيا بالسلاح والمال. وقد أيد الحزب الديمقراطي المسيحي CDU/CSU، وهو الحزب الرئيسي المعارض للحكومة في ألمانيا، أيد فرض عقوبات اقتصادية على روسيا وكذا تزويد أوكرانيا بالأسلحة الألمانية. أما البقية من أحزاب المعارضة، وهما حزب، اليسار، المسمى   Diie Linke، فقد عارض تزويد أوكرانيا بالأسلحة أيا كان نوعها لأن ذلك سوف يؤدي فقط إلى إطالة أمد الحرب. أما حزب المعارضة المسى ب AFD)) البديل من أجل ألمانيا فقد عارض ليس فقط تزويد أوكرانيا بالأسلحة الألمانية وإنما أيضا فرض عقوبات اقتصادية على روسيا كمنع أو تقليص كمية الغاز المستورد من روسيا، لأن ذلك سوف يضر باقتصاد ألمانيا وسوف يؤدي إلى حرمان المواطنين في ألمانيا من الطاقة الضرورية  للتدفئة إبان الشتاء. وعلاوة على ذلك فإن فرض عقوبات اقتصادية على روسيا لن يثني روسيا عن الاستمرار في الحرب على أوكرانيا. والسؤال هنا، ما الذي ينبغي القيام به من قبل ألمانيا وغيرها من الدول الغربية المعارضة لشن هذه الحرب على أوكرانيا لإيقاف هذه الحرب؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي طرحه على كل من يريد إيقاف هذه الحرب التي حولت شعب أوكرانيا إلى مشردين ولاجئين والتي سوف يكون لها نتائج سلبية على الاقتصاد العالمي ككل؟ وللإجابة على هذا السؤال فإنه ينبغي علينا أن نعود إلى السبيين  الرئيسن اللذين دفعتا روسيا إلى أن تشن هذه الحرب على أوكرانيا. وهما في تقديري إصرار الحكومة الأوكرانية على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وامتناعها عن تنفيذ اتفاقية منسك الثانية التي تمنح شرق أوكرانيا حكما ذاتيا في دولة أوكرانية فيدرالية. ولذلك فإنه إن أردنا إيقاف هذه الحرب، فإن على الدول الغربية المعارضة لهذه الحرب ومنها ألمانيا أن تقوم بالضغط على طرفي هذه الحرب، روسيا وأوكرانيا أيضا. الضغط على أوكرانيا من أجل أن تتخلى نهائيا عن الانضمام لحلف شمال الأطلسي وأن تعمل على إيجاد علاقة حسن الجوار مع جارتها الكبرى روسيا. فروسيا سواء كان على رأسها بوتين أو غيره، فهي بلد كبير ودولة كبرى، من مصلحة شعب أوكرانيا أن تكون له علاقة حسن الجوار مع جارته روسيا. وعلى ألمانيا وغيرها من الدول الغربية المعارضة للحرب أن تقوم بالضغط على أوكرانيا من أجل تنفيذ اتفاقية منسك الثانية وإجراء المصالحة الوطنية مع شرق أوكرانيا. هذا هو في تقديري الطريق الصحيح لإنهاء الحرب في أوكرانيا. لكن هذا الطريق يواجه صعوبة وعائقا كبيرا من أجل السير فيه، وهو موقف الولايات الأمريكية من هذه الحرب. فالولايات المتحدة الأمريكية هي التي شجعت أوكرانيا على عدم تنفيذ اتفاقية منسك الثانية وهي الداعمة الكبرى بالسلاح والمال لأوكرانيا في الحرب مع روسيا، لأن من مصلحتها إنهاك روسيا في هذه الحرب والتشهير بها كدولة معتدية خارقة للقانون الدولي. وإن أرادت أمريكا إن تنهي هذه الحرب، فإنها تستطيع ذلك بالضغط على أوكرانيا بالقبول بحل سياسي مقبول من الطرفين لإنهاء هذه الحرب المدمرة. وإن نحن قارنا هذه الحرب بما يجري حاليا في اليمن، فإنه يمكن القول أيضا إن الداعم الرئيس في الحرب مع الحوثيين هو إيران. وعلينا ألا نفقد الأمل في أن تقوم إيران بالضغط على الحوثيين من أجل الوصول إلى حل سياسي ينهي الحرب الجارية في اليمن منذ ثمانية أعوام.
خاص بـ"الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى