خياران أحلاهما مُر

> استمرار الانتقالي في عملية سياسية دون أن يحرز مكاسب لحاضنته في حالة أقل ما توصف بأنها ضبابية، قد يكون حقق مكاسب ما، لكن رهان أعدائه على الوقت سيجعله يخسرها أو الكثير منها إلى جانب خسارته ورقة الجماهير وضغطها فقد يخسرها أو أغلبها بسبب الاستمرار في عملية سياسية تسحقهم معيشيًا وخدماتيًا وهو مقيَّد، ولا يستطيع إنقاذهم، كما أن ورقة القوات العسكرية والأمنية التي في ظل هذه العملية السياسية التي صممها الإقليم بعد تفاهمات الرياض قد تفقد استقلاليتها بل وستصبح مع مرور الوقت حتى بالتنسيق وليس الدمج مكشوفة من حيث العدد والعتاد وغير ذلك لمن يشاركه السلطة ويعاديه في الهدف، لكن لو خرج الانتقالي أو علَّق العمل في حكومة التعذيب وهي حكومة برعاية ودعم اتفاق الرياض مثلما كانت الشرعية برعايتها ودعمها وهدفها ضغط حاضنته لتتخلى عن خيارها الوطني وتكون قضيتها من قضايا الشمال كالجعاشنة أو زواج القاصرات كما وضعوها في مؤتمر حوارهم.

هل سيغير خروج الانتقالي من الأمر شيئًا؟ هل سينتهي التجويع وحرب الخدمات والمفخخات وقطع المرتبات ورفع الأسعار...إلخ؟

لن يتم من ذلك شيئًا؛ بل ستزداد الأوضاع سوءًا، فقد ظل سنوات غير شريك وكان ذلك الضغط قائمًا وظلت حملاتهم الإعلامية وخطابهم السياسي، أنه سبب معاناة محافظة عدن بالذات..

لكن!!

مازال البعض يسقط الثورات الوطنية لمرحلة الحرب الباردة وتصفية الاستعمار على ثورات مرحلة حرب الإرهاب ففي تلك الثورات كان العامل الوطني -الشعار- متوافقًا وقرار دولي بتصفية الاستعمار ثم يتم احتواء استقلالها في إطار معسكري الحرب الباردة واقتسامه على طرفيها ،أما في الحرب على الإرهاب فإن القضايا الوطنية إذا لم تسوسها قيادات تفهم خبث هذه الحرب جيدًا فإنها ستصبح في الخانة التي يقف العالم كله ضدها أي في "خانة الحرب على الإرهاب"

وعلى سبيل المثال فان "السُنَّة العرب" قاطعوا العملية السياسية التي أنتجها اجتياح بغداد وما استوعبوا أن الاجتياح فرض معادلات وغيّر معادلات، فشكَّل الشيعة وإلى حد ما الأكراد العملية السياسية ولم يهتم الغرب الإنساني للسنة؛ لأنه يريد حرب إرهاب حتى من العدم، ولم يهتم الجوار العربي لهم لأنه كان في"ثأر داحس والغبراء" فانتقل ملف السُنَّة العراقيين إلى القاعدة وداعش ولم تغيِّر شراكة الإخوان المسلمين العراقية مع "برايمر" من المعادلة شيئًا لصالح السُنَّة العرب ومعلوم بقية القصة؛ بل فرضت الظروف الدولية حاليًا على الإقليم العربي الربط الكهربائي مع نظام معادٍ في بغداد أكثر ارتباطًا بطهران من ارتباطه بهم، لم يكن الحال مختلفًا كثيرًا في سوريا إلا بفارق أن طائفتيها كانتا تلبسان الزي العربي ولم يكن خطاب كل قواها السياسية الوطنية مطمئنًا لمصالح العالم وما أفادتهم المكونات العشائرية التي حاول الجوار استنباتها كمكون"شيخ شمر" فاختاروا "بشار" وعروبيته النصيرية الشيعية رغم أن حركة الإخوان في سوريا من أوسع الحركات وما أفادت سُنَّة سوريا في كبح جماح داعش والنصرة إن لم تكن مفرختهم.

الحال في الجنوب إن اليمنيين يعلمون أنهم ليسوا بقوة 1994 وإن الجنوبيين ليسوا بضعف 1994 لكن أي غلطة في الحسابات السياسية ستضع الجنوب في خانة "سُنَّة العراق" أو "سُنَّة سوريا " خاصة والجنوب مخترق وكل قواهم السياسية وأطرفهم تقدم نفسها أما نحن في الجنوب أو الإرهاب، وهذه الخانة ستفيدهم جميعًا مهما اختلفوا بل يحاولون فصل المحافظات من سياقها الجنوبي إما بمكونات عشائرية أو محلية لتكرار ذات التجربة.

إن خروج الانتقالي ووقوفه على الضد من سياسة التحالف ومن يقفون خلفه مهما كانت مرارتها ليست خيارًا سديدًا ، ليس الآن ولا على المدى المتوسط والطويل؛ مهما كانت الضغوط والحرب المتنوعة على حاضنته الجنوبية فمخرجات ما بعد الحرب ستكون لها مرجعياتها غير المرجعيات المتهافتة التي كانت بين طرفين هما الشرعية والانقلاب لذا فاليمننة والقوى الإقليمية التي تريد حل قضايا اليمن على حساب الجنوب كلها حريصة على إخراجه ووضعه في خانة "لا يعنينا" ولا يهمهم أن يكون حل قضية الجنوب حتى عبر ملف الإرهاب وحرق الجنوب فالمهم الجغرافيا.

لقد حوى بيان بايدن "الأطراف" وهو مفرد مهم سياسيًا حلَّ بدل طرفي الشرعية/الانقلاب التي قامت المرجعيات عليها وهي إشارة مهمة للمستقبل.

يعلمون أنه دون حل قضية الجنوب لن يكون يمنًا وطنيًا إطلاقًا، ولذا فإنه إمَّا حل قضية الجنوب أو تنتصر السلالية ومشروع إيران ولن توقف انتشارها الهاشتاجات ولا وصفات الترقيع من الجوار وسيكون الخيار لحل قضية الجنوب إمَّا حلَّها عبر منظورها الوطني وهذا دونه ضغوط طاحنة محلية وإقليمية على الانتقالي أو وضعها في سلة الحرب على الإرهاب على الطريقة العراقية أو السورية، ولن تكون أي منطقة جنوبية أعتى من الفلوجة أو الموصل أو حلب وإن تأخونت أو تعفَّشت.

مثلما طالت الحرب بضع سنوات سيطول تحقيق السلام بضع سنوات أخرى حتى مع وقف إطلاق النار، ولذا فإن ملف"الإرهاب" في الجنوب يجب أن يكون من أهم ملفات الجنوب كي لا يمسكه الشماليون ثم يصنِّفون الجنوب كله إرهابًا، وألا قوة ستواجهه إلَّا قواتهم، وأيضًا على الانتقالي أن يثبت للعالم قدرته بالتحوّل من المؤسسة الثورية إلى المؤسسة المدنية وتقديم نموذجًا أمنيا في عدن يبتعد عن المليشياوية التي تتسم بها بعض المفردات والقادة المنسوبين إليه التي أصبحت تجاوزاتها لا تُطاق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى