روسيا وأمريكا تعوزهما رؤية شاملة لحلفائهما في الشرق الأوسط

> فيصل اليافعي

> ​حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الظهور بمظهر من يزاول عمله كالمعتاد، خاصة مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من شهرها الخامس، وعليه وصل الثلاثاء الماضي إلى طهران لعقد اجتماع لمناقشة “عملية أستانة” من بين كل المواضيع الأخرى التي يمكن نقاشها، وهو الحوار الذي لا يزال متعثرا بين روسيا وتركيا وإيران حول مستقبل سوريا.

ولم يكن التركيز الحقيقي للاجتماع حول سوريا، بل النزاعات والصراعات السياسية المختلفة التي وجد الزعماء الثلاثة أنفسهم فيها: فبالنسبة إلى روسيا كانت حرب أوكرانيا، وبالنسبة إلى تركيا كانت الميليشيات الكردية، أما إيران فكانت العلاقات مع الغرب والاتفاق النووي، وكان كل منهم يأمل في الحصول على شيء من الآخر لتعزيز مصالحه الخاصة.

وذلك هو السبب في أن الآراء التي تشير إلى أن روسيا تقوم بتشكيل تحالف “مناهض للغرب” في طهران هي آراء بعيدة كل البعد عن الواقع. وهناك مبرر للخوف، خاصة بعد وقت قصير من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لاثنين من دول الشرق الأوسط، لكن بوتين لا يعرض تحالفا مناهضا للغرب ولا بديلا عن النظام الغربي، وحتى لو كان كذلك، فإن تركيا وإيران لن تنظرا إلى ذلك العرض.

لقد أنهت حرب أوكرانيا الكثير من الأفكار الراسخة حول الأمن في أوروبا، وكان لها تأثير أقل خارج إطار الدول الغربية، رغم أنه لا يزال تأثيرا كبيرا، حيث وفرت الحرب طرقا جديدة للبلدان لاكتساب النفوذ وللعب أدوار سياسية مختلفة.

وحاولت تركيا الاستفادة من رغبة فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف الناتو من خلال جني مكاسب سياسية، ونجحت المحاولة إلى حد كبير، وسوف يتطلع أردوغان الآن إلى استخدام نفوذه مع روسيا لحمل موسكو على الموافقة على عملية عسكرية جديدة ضد الجماعات الكردية في سوريا.

وتسعى إيران أيضا وراء هدف ما، فقد خفضت روسيا من قيمة نفطها الذي تبيعه للصين، مما أدى إلى تقليل بعض المبيعات الإيرانية، ولكن مع اهتمام روسيا بشراء الطائرات دون طيار الإيرانية لحربها في أوكرانيا، فقد يكون هناك مجال لحل وسط، فقد تناقلت الأخبار قبل الزيارة، أن روسيا تبحث عن الطريقة التي استطاعت من خلالها إيران العيش في ظل سنوات من العقوبات الغربية.

وتحتل تركيا مكانة غير معتادة في المحور الذي يجمع موسكو وأنقرة وطهران، فبسبب الناتو تميل تركيا إلى حد كبير إلى المدار الغربي، وهي ملتزمة بموجب معاهدات الناتو لمساعدة الغرب في حالة هجوم من قبل روسيا.

وحاولت تركيا التزام الحياد أو على الأقل العمل مع كلا الجانبين، حيث باعت طائرات دون طيار لأوكرانيا مع عرض التوسط بين موسكو وكييف، ولم يكن عملا ناجحا، لأن أنقرة فقدت ثقة كل من الغرب وموسكو.

ويعرض اجتماع أستانة فرصة جديدة، لكن في نهاية المطاف، يتمحور الاجتماع حول المقايضات السياسية، وليس حول صياغة اتفاقية دفاعية جديدة.

وكان هناك بعض التداخل، مع رحلة الشرق الأوسط الرئيسية الأخرى هذا الشهر، عندما وصل بايدن إلى تل أبيب وجدة.

وشهدت تلك الزيارة أيضا اقتراحا بأنه قد يتم الاتفاق على اتفاقية دفاع أكبر، ولكن في النهاية انتهت الرحلة بهدوء بدلا من سماع تهاليل النجاح، ربما خير مثال على ذلك هو التصافح بالقبضة بدلا من السلام الحار بكف اليد.

ولكن في كلتا الحالتين، لا يستطيع الحلفاء الالتزام الكامل مع بعضهم البعض بسبب عدم وجود هدف أكبر.

لا تملك روسيا رؤية أكبر لدورها في الشرق الأوسط، وكل ما تسعى له هو مجرد تعزيز مصالحها بشكل تدريجي، مثل التحالف مع بشار الأسد في سوريا، وتأمين ميناء ذي مياه عميقة في طرطوس، واكتساب النفوذ من هنا وهناك، لكن لا توجد رؤية أكبر، ولا توجد فكرة كبيرة لإيران ولتركيا، وحتى الدول الأصغر، للعمل عليها.

وعلى الرغم من كل الحديث عن رغبة بوتين في إعادة إحياء الاتحاد السوفياتي، فإن ذلك الهدف بعيد المنال، كما أبعدت حرب أوكرانيا ذلك الهدف عن مرمى النظر، ولا يوجد حتى إطار فكري لكيفية عمل ذلك، وبالنظر إلى حقيقة أن روسيا اليوم لا تتبنى نظاما منفصلا، ولكنه نظام مشابه للنظام الغربي، حيث هناك ديمقراطية، ولكن مع فائز واحد فقط، ورأسمالية، ولكن تديرها الأوليغارشية أو الطبقة الحاكمة.

ولذلك السبب لا تستطيع موسكو بسهولة إقناع طهران أو أنقرة بالانضمام إليها لإنجاز مهمة أكبر، وأصبح ذلك التحالف معاديا للغرب بصورة غير واضحة، لكنه تحالف هش، حيث أن تركيا تعمل مع كلا الجانبين، بسبب دورها في حلف شمال الأطلسي ورغبتها في أن تكون أقرب إلى أوروبا، حتى إيران تأمل في استخدام موسكو كورقة لكسب المزيد في مفاوضاتها مع الغرب.

وينطبق الشيء نفسه على الرئيس الأميركي بايدن، فلدى الولايات المتحدة أهداف مجزأة في المنطقة، مثل منع دول الخليج من الاقتراب من الصين وروسيا أكثر من اللازم، وتعزيز مصالحها الأمنية وحماية حلفائها، والتأكد من وجود ما يكفي من النفط لوقف ارتفاع الأسعار في المحطات في الفترة التي تسبق انتخابات التجديد النصفي.

لكن لا توجد رؤية شاملة لما يمكن أن يكون عليه دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتلك المعضلة هي مثال على كيفية اعتماد السياسة اليومية بشكل كبير على رؤية شاملة، وهو أمر غالبا ما يكون غير مفهوم بصورة جيدة، وذلك مشابه لقضية الناتو قبل حرب أوكرانيا، حيث كان التحالف لسنوات، بل ولعقود في حالة هيام، غير قادر على العثور على هدف جديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

ولا يمكن للولايات المتحدة أو روسيا ضم دول أخرى معها من دون توفر تلك الرؤية الشاملة، وأفضل ما يمكن أن تأمل به هو تحالف ظرفي. أما بالنسبة إلى كل من تركيا وإيران، إذا أردنا استخدام تشبيه لتقريب الصورة، فهما تلعبان لعبة البوكر على طاولة الدول الغربية، وتتطلعان إلى روسيا لتقديم أوراق مساومة جديدة فقط.

العرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى