مخطط لتوسيع النفوذ في البحر الأحمر عبر مؤدلجين من شيعة اليمن والصومال

> هشام النجار

>
يبدو المشهد الصومالي قريبا من الوضع في أفغانستان قبيل سقوط كابول في أيدي طالبان خاصة على صعيد ضعف القوات الحكومية وافتقارها للكفاءة وحرمانها من الدعم الجوي الأميركي، بالإضافة إلى سيطرة حركة الشباب على العديد من المدن والبلدات ومحاصرة العاصمة مقديشو.

لم تكن العملية التي نفذتها حركة الشباب الصومالية الجمعة الماضي، رقما فقط في سلسلة عملياتها المعتادة التي باتت تشنها باستمرار، حيث وضح من أسلوب التنفيذ ورمزية الهدف أن فرع القاعدة في شرق أفريقيا يبعث برسائل للعديد من الأطراف مع تنامي دعوات الحوار مع الجهاديين عقب فوز حسن شيخ محمود بمنصب الرئاسة.

لم يكن استهداف الحركة لفندق يرتاده سياسيون ومسؤلون وقيادات عليا في الدولة بقلب العاصمة مقديشو عبر هجوم انتحاري مزدوج، لإثبات أن الحركة لن تتخلى عن العنف ولا تزال حاضرة بقوة، بل أيضا لإحباط استراتيجية الرئيس الجديد القائمة على إضعاف الحركة وإجراء حوار معها من موقع قوة.
  • النموذج الأفغاني
واقتحم انتحاريون تابعون لحركة الشباب الموالية للقاعدة فندق الحياة بالقرب من مطار مقديشو بسيارتين مفخختين وأعقب انفجارهما هجوم مسلح استهدف قيادات سياسية وأمنية بالمبنى، ما أدى إلى إصابة رئيس استخبارات مقديشو ضمن عدد آخر من القتلى والمصابين.
ويعد هذا الهجوم هو الأكبر من نوعه منذ تولي الرئيس حسن شيخ محمود منصبه في مايو الماضي، وبعد هجومين في يوليو الماضي على بلدة بيدوة ومدينة جوهر أسفرا عن مقتل عدد من المسؤولين في الحكومة الصومالية.

ينطوي هذا التطور على رغبة من  قبل الحركة في إظهار شيخ محمود في موقف ضعف، وتفويت الفرصة على تصويره أمام الغرب بأنه مختلف عن سلفه محمد عبدالله “فرماجو” ويستطيع إخضاع حركة الشباب عسكريا تمهيدا لدمجها في عملية مصالحة شاملة.
الحركة تراهن على الوقت والنزيف الاقتصادي لممارسة الحد الأقصى من الضغوط الأمنية والاجتماعية على الحكومة

وبعد أن صرح مسؤولون صوماليون بأن الظروف مواتية لهزيمة حركة الشباب عسكريا وتطويق نشاطها للدفع بها إلى إلقاء السلاح والاندماج في المجتمع، تبيّن أن للحركة خطة مضادة مستوحاة من النموذج الأفغاني تهدف للإطاحة بالحكومة الفيدرالية وجعل البلاد بلا حكومة.

وتجد حركة الشباب أن سماحها بنجاح خطة الرئيس الجديد القائمة على إشراكها في عملية مصالحة وطنية بعد إلقاء السلاح من شأنه أن يسبغ الشرعية على حكمه، في حين تمتلك فرصة لتقويض حكمه ثم إسقاطه، خاصة أنها تحاصر العديد من المدن بما في ذلك مقديشو.
ما جعل شبح النموذج الأفغاني يخيّم على المشهد الصومالي هو انحسار سلطة الحكومة في مقديشو وعواصم أقاليم رئيسية، وتسيطر حركة الشباب على نحو 70 في المئة من جنوب ووسط البلاد وغالبية المناطق الريفية.

وهي الحالة التي كانت عليها أفغانستان قبل أن تسيطر طالبان تدريجيا على عواصم الأقاليم وتدخل العاصمة كابول مهيمنة على السلطة العام الماضي، كما  تستعين الحكومة  الصومالية، كحال الحكومة الأفغانية قبل سقوطها، بقوات دولية لحمايتها والمؤسسات الرسمية والمدن الرئيسية.
وبدأت حركة الشباب التي تُوصف بأنها الأشد فتكا بين التنظيمات الإرهابية في العالم تضع نفسها بديلا عن الدولة داخل مناطق سيطرتها، حيث تقدم الخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية بشكل يفوق ما تقدمه الحكومة المركزية.

وتراهن الحركة المتحمسة لتجربة طالبان على الوقت ومواصلة النزيف الاقتصادي لممارسة الحد الأقصى من الضغوط الأمنية والاجتماعية على الحكومة ومؤسسات الدولة تمهيدا لإسقاطها.

ولم تستجب حركة الشباب لدعوات الحكومة والمسؤولين للحوار وتنظر لنفسها كونها الطرف الأقوى في المعادلة بالمقارنة مع خصومها المحليين، وترى أن اكتساب المزيد من النفوذ تمهيدا للخطوة التي تبنتها طالبان في أفغانستان مسألة وقت بالنظر لما تعانيه الحكومة من ضعف وتخبط.
وكما انتظرت طالبان الانسحاب الأميركي لتنفيذ خطة الانقضاض على كابول تترقّب حركة الشباب لحظة إتمام انسحاب القوات الأفريقية كاملة من البلاد كي تطيح بالنظام الحالي وتنقض على السلطة في مقديشو.

ولذلك أعلنت حركة الشباب على لسان نائب زعيمها عبدالرحمن أحمد الشهير باسم مهد كرتاي منتصف يونيو الماضي رفضها الدعوات التي أطلقها الرئيس الصومالي الجديد بعد شهر من توليه منصبه بشأن إجراء حوار مع الحركة لدمجها في الحياة السياسية الصومالية.
  • خيار المواجهة
لا تثق حركة الشباب في الحكومة الحالية وتجدها غير مختلفة عن الحكومات السابقة التي كان هدفها الرئيسي القضاء عليها وتحييدها، وتشكك في نوايا النظام الحالي الذي يشترط تحرير المناطق التي تسيطر عليها لبدء الحوار، ما يضعف موقفها ويفقدها نفوذها المحلي والإقليمي.
وخططت الحكومة الصومالية لتجفيف موارد حركة الشباب المالية ومنع التدفقات على الحركة من الخارج بالتنسيق مع شركاء مقديشو الدوليين والإقليميين لوضعها في موقف ضعف قبل بدء جولات الحوار المُفترضة.

ولذا تفضل حركة الشباب المُضي في تكريس نفوذها كفاعل رئيسي قادر على لعب دور في المعادلة الداخلية والتأثير في المحيط الإقليمي، على أن تخضع للحكومة الصومالية.
ويؤدي السيناريو الثاني إلى خسارة الحركة التي تُعد أكثر أفرع القاعدة ثراء وقوة، مواردها، من فرض الضرائب فضلا عن الدعم المادي الذي تتلقاه من جهات مختلفة وبلغ عام 2020 وفق تقديرات أميركية 180 مليون دولار.

وترفض حركة الشباب الانخراط في مسار التفاوض الذي قد يُفضي بها إلى التفكك وفقدان الهوية العقائدية التي تميزها، أو على الأقل إلى التشظي والانقسام، وتتحسب من تأثيرات قبولها الحوار مع حكومة وصفتها مرارا بالمرتدة وتخدم مصالح قوى أجنبية على تماسكها الداخلي.
وفي إطار خطط الحكومة لاختراق صفوف حركة الشباب وإحداث انشقاقات داخلها أقدمت على تعيين القيادي السابق في الحركة مختار روبو كوزير للشؤون الدينية ضمن التشكيل الوزاري الذي أعلنته في الثاني من أغسطس الجاري.

واستغلت الحكومة انشقاق مختار روبو عن حركة الشباب عام 2013 بعد أن كان متحدثا باسمها، معلنا دعمه للحكومة الصومالية عام 2017 بعد اختيار أيمن الظواهري لمنافسه مختار أبوالزبير أميرا للجماعة.
كان من شأن هذا الاختراق أن يساعد الحكومة في تمديد نفوذها وتعزيز سلطاتها في مناطق واقعة تحت سيطرة حركة الشباب كمنطقة بكول، خاصة وأنها تعد مسقط رأس مختار روبو وسيطرت الحركة على مساحات واسعة منها، علاوة على تشجيع الانشقاقات داخلها.

إبقاء حركة الشباب ولاءها الأيديولوجي لتنظيم القاعدة العالمي معتبرة نفسها الممثل الإقليمي له في شرق أفريقيا ومواصلتها هجماتها النوعية داخل الصومال وفي محيطه الإقليمي خاصة بكينيا وإثيوبيا، جعلها قادرة على الحفاظ على تماسكها ومنع تفاقم الخلافات الداخلية.

فشل الحكومة الصومالية في إلحاق هزيمة عسكرية بحركة الشباب وبدء حوار معها يُعد خسارة جديدة للولايات المتحدة
كما أن مواصلة حركة الشباب استغلالها لخلاياها في شن هجمات إرهابية داخل مقديشو مستهدفة مسؤولي الحكومة وقادتها العسكريين وفي دول بشرق أفريقيا والتركيز على استهداف المصالح الغربية والشركات متعددة الجنسيات، يعني أنها تتصدى لمخطط اختراقها وتشجيع الانشقاقات داخلها.

وتقنع الحركة أعضاءها بالانفراد بحكم الصومال على غرار ما أنجزته طالبان في أفغانستان والحصول على مزايا اجتماعية وسياسية فائقة، مقابل الوعود التي يتلقونها من المسؤولين الصوماليين في ما يتعلق بالخروج الآمن وعدم الملاحقة والانخراط في الحياة السياسية وتعيين البعض منهم في مناصب مهمة بالدولة، وترد الحركة في كل مرة على خطط الحكومة بتحركات مناهضة في الاتجاه المعاكس.

وفي مقابل مخطط الحكومة بشأن دمج عناصر الحركة البالغ عددهم نحو 7 آلاف عنصر في المجتمع والحياة العامة، تمكنت من إعادة تجميع شتات مقاتليها وتجنيد عناصر جديدة، واستبقت الأحداث وحرمت الحكومة من استعادة السيطرة على المناطق الخاضعة لنفوذها مستغلة الفوضى المنتشرة في البلاد وفي بعض دول جوار الصومال.

ولم تكتفِ الحركة بما أبدته من صمود مانعة الحكومة من كسر شوكتها واختراقها وإنما بادرت بالهجوم مُلوحة بالنموذج الطالباني، ما يزعزع ثقة المجتمع الدولي في الحكومة الصومالية ويقلل من استفادتها من الدعم الموجه لها وتعزيز قدرات قواتها الأمنية والعسكرية.
  • بين واشنطن وطهران
تمثل هذه التطورات هاجسا مقلقا للولايات المتحدة خاصة أن تجربة جديدة مريرة على غرار ما جرى في أفغانستان العام الماضي تلوح في الأفق، حيث انسحبت القوات الأميركية من الصومال على الرغم من أهمية منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة لواشنطن، وأعلنت عن عودة محدودة مؤخرا تعتمد على قصف الطائرات دون طيار لأهداف ورموز محددة.

وأثر الانسحاب الأميركي بشكل كبير على أداء القوات الصومالية بالنظر لما قدمته واشنطن من خدمات لوجستية ودعم معلوماتي واستخباراتي.
لا يخلو الاشتباك الأميركي مع المشهد الصومالي من إسقاطات موحية على الحالة الأفغانية، فقد تمكنت حركة الشباب من إعادة بناء قدراتها بعد الانسحاب الأميركي، وقبلها كانت ضعيفة مشتتة جراء الحملة المركزة التي قادتها واشنطن خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب.

استهداف الحركة لفندق يرتاده سياسيون ومسؤلون وقيادات عليا في الدولة لم يكن لإثبات أن الحركة لا تزال حاضرة بقوة، بل أيضا لإحباط استراتيجية الرئيس الجديد وقبل أن تعيد حركة الشباب بناء نفسها ممسكة بزمام المبادرة تمكنت واشنطن من تقويض قدراتها وقتل المئات من قياديها وأعضائها المهمّين.

ويبدو المشهد الصومالي الآن بالنسبة إلى الولايات المتحدة يقترب تدريجيا من الحالة الأفغانية قبيل سقوط كابول في أيدي طالبان على صعيد ضعف القوات الحكومية وافتقارها للكفاءة وحرمانها من الدعم الجوي الأميركي.
وتقود هذه الأوضاع، إذا استمرت على ما هي عليه، إلى عدم إمكانية إحراز الحكومة لنصر حاسم على الحركة وزيادة فرضية الأخيرة تحقيق التفوق.

تقود انعكاسات تكرار تجربة حركة طالبان في الصومال إلى زيادة زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، في ظل ما يتردد بقوة حول وجود مصالح مشتركة وتحالفات ضمنية تجمع حركة الشباب الصومالية مع إيران.

وأثبتت الأحداث وجود تنسيق بين حركة الشباب وطهران التي تخطط عبر تثبيت موالين مؤدلجين لها من السنة والشيعة في الصومال واليمن لتوسيع نفوذها في البحر الأحمر انطلاقا من التموقع بداية من الصحراء الأفريقية الكبرى حتى السواحل الصومالية مرورا بخليج عدن وباب المندب.
يُعد فشل الحكومة الصومالية في إلحاق هزيمة عسكرية بحركة الشباب وبدء حوار معها خسارة جديدة للولايات المتحدة، يزيد من فداحتها كونها تمثل فائدة كبرى لغريمتها إيران، حيث تصب بصور مختلفة في مصلحتها، ولذلك تعمل طهران على توظيف هذه الأذرع في خدمة خططها الإقليمية القائمة على التوسع وتهديد مصالح الخصوم.
"العرب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى