مجلس حكماء الجنوب

> قرأت في إحدى المطبوعات قبل بضع سنوات، لا تسعفني الذاكرة باسم المطبوعة، عن مكتب فتحه كبار السن في مدينة باريس، ممن نجحت زيجاتهم، يقدمون فيه نصائح مجانية للمتزوجين الجدد من الشباب، من واقع تجاربهم، في كيفية الحفاظ على حياتهم الأسرية متماسكة في وجه المصاعب التي لا يخلو منها بيت على وجه الأرض.

هؤلاء الشيوخ يقدمون فائدة مزدوجة لمجتمعهم، فهم من ناحية لا يحرمون المجتمع من عصارة تجاربهم، ومن ناحية أخرى يساعدون في الحفاظ على الأسرة بوصفها اللبنة الأولى للمجتمع السوي.

الواقع أن هذه التجربة البسيطة تفتح الآفاق للاستفادة من تجارب القادة، في السياسة والإدارة، ليصبحوا مصدر إلهام للقادة الشباب من خلال تكرار تجارب النجاح وتجنب الأخطاء.

نشهد هذه الأيام حوارا جنوبيا شاملا لا يستثني أحدا ويمتد إلى سلاطين الجنوب الذين حكموا إلى ما قبل الاستقلال عن بريطانيا في 1967م، ولا لزوم لذكر آثار الصراعات المتكررة التي أعقبت الاستقلال وآثارها الكارثية التي ما زال شعب الجنوب العربي يتجرع مرارتها حتى اليوم.

بعض من قادة الجنوب السابقين تحول إلى (خشبة) في عجلة التقارب الجنوبي، بعضهم مسكون بثقافة الصراع التي (ترعرع) سياسيا فيها، وبعضهم مسكون بهوس السلطة، رغم فشلهم في إيصال الجنوب العربي إلى بر الأمان، بل إن عدن التي كانت ذات يوم مدينة أحلام سكان الجوار تحولت إلى قرية مقارنة بمدن الجوار التي كانت حتى الأمس القريب تفتقر إلى ما كانت تعيشه عدن في ستينيات القرن الماضي.

بعض كبار السن يصل إلى مرحلة النضوج التي تجعله يفكر كيف يورث معرفة وتقاليد تجعل ورثته يترحمون عليه، وبعضهم يظل مسكونًا بذهنية المراهق (يريد أن يعيش زمنه وزمن غيره) كما يقول المثل المصري.

من حق أجيال اليوم أن يعيشون زمنهم، ومن واجب قادة الأمس أن يتحرروا من ذهنية (ثقافة الصراع) ومن هوس السلطة، ويبادروا إلى توريث نمط جديد من الإيجابية تحسب لهم، فما عليهم من دين للإنسان الجنوبي الكثير، وذلك بإعلان أنفسهم (مجلس لحكماء للجنوب العربي) يتحررون فيه من كل المطامع الشخصية، ويقدمون من خلاله عصارة تجاربهم، والتراكم المعرفي الذي اكتسبوه طوال حياتهم، يجتمعون لينصحوا بتجرد ويضعون نصب أعينهم مستقبل الجنوب وأجيال المستقبل، وعندما نسمع ذلك سننسى آلام الماضي وسنضعهم تيجانًا على الرؤوس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى