​الأدوية المهربة.. الموت المتنكر لمرضى تعز

> تعز "الأيام" موسى المليكي:

>
تنعدم الكثير من العقاقير الطبّية في صيدليات تعز المدينة -التي تعيش حصارا عسكريا فرضته جماعة الحوثي منذ سبع سنوات- خاصة تلك التي ترتبط بها حياة الآلاف ممّن يعانون من الأمراض المزمنة، وقد تظهر بعض العقاقير الطبية البديلة، لكنها غير  رسمية "مهرّبة"، وعادة ما تكون مجهولة المصدر في ظل غياب الرقابة المسؤولة من قبل الجهات المعنية.

وعن الفساد الطبي وظاهرة انتشار الأدوية المهربة والمزورة والمخاطر التي تسببها، قام مراسل "الأيام" في مدينة تعز بفتح هذا الملف ووجد تفاصيل مهمة حول هذا الوضع في سياق التقصي والتحقيق حول ظاهرة الأدوية المهربة والمجهولة.

ولاحظت "الأيام" أن الأدوية المُهرّبة في البلاد ككل وفي تعز بشكل خاص باتت تحتل مساحات كبيرة في أروقة صيدليات المحافظة، وبكل صراحة يباشرك الصيدلاني عندما تعطيه وصفة العلاج: "هذا العلاج معدوم، ولدينا المُهرّب، وله نفس المفعول، ويفي بالغرض".

ضحية الأدوية المزورة

منذ قرابة شهر تعرض مريض في غرفة الإنعاش بأحد المستشفيات الخاصة لنوبة كادت تقتله بعد حقنه بإبرة البيثيدين pethidine المهدئة التي عرضته للغيبوبة بدلا من تنويمه، ومن أجل تلافي هذا الخطأ الكارثي تدخل الطاقم الطبي في غرفة الإنعاش وأنقذ المريض من موت محقق جراء حقنه في إبرة دواء مزورة، أو حسب ما يقال لها في صيدليات المدينة "درجة ثانية".

وأكد د. محمد علي اسم مستعار، رئيس قسم الرقابة الدوائية في أحد فروع مكتب الصحة بالمديريات المحررة أن نسبة الأدوية المهربة بلغت أكثر من 50 % بعد أن كانت لا تتجاوز نسبة 35 % قبل الحرب، وأن  نسبة الأدوية المزورة تبلغ 25 % من الأدوية المتواجدة بالسوق.

وأوضح المسؤول الصحي في الرقابة أن الأدوية المهربة تعرف بأنها توجد فيها المادة الفعالة من الدواء، لكنها تفقد صلاحيتها أثناء عمليات التهريب بفعل درجة الحرارة الكبيرة التي يتعرض لها.

وقال إن الأدوية المزورة تعرف بالأدوية التي لا تحتوي على المادة الفعالة وتضر بالمريض أكثر مما تفيده وقد تسبب له أعراضًا وأخطارًا كثيرة وإصابة بالسرطانات المختلفة.

ويرى أن الأسباب الرئيسية في انتشار الأدوية المهربة والأدوية المزورة هو غياب الرقابة الفعالة في المنافذ البرية والبحرية والجوية من الجهات المختصة، وبالبحث عن الربح السريع من قبل التجار الكبار يتم توريد هذه الأدوية بكميات كبيرة، وعادة ما تتم إضافة الربح بنسبة 30 % فقط، أما الأدوية المهربة يضاف لها بمعدل ألف وخمسمائة إلى ثلاثة آلاف ريال يمني.


وتابع: ارتفاع سعر الدولار ضاعف من أسعار الأدوية الأصلية، لذا لجأ البعض من التجار إلى توريد أدوية مهربة ومزورة لرخص سعرها ولأنها مربحة.

وأضاف، "ارتفاع الطلب على بعض الأدوية المتعلقة بالأمراض المزمنة وانخفاض مستوى العرض ساهم في تهريب معظم الأدوية".

وأشار إلى أن دخول بعض رؤوس الأموال من غير الاختصاصيين أدى إلى عشوائية بيع وشراء الأدوية، الأمر الذي أدى إلى انتشار الأدوية المهربة والمزورة في السوق المحلي اليمني.

واقترح محمد على السلطات المعنية بالمنافذ إخضاع هذا الدواء لفحص سلامته ومنحه صفة الدخول الرسمي إلى البلد بعد التأكد من سلامة استخدامه، بدلاً من الطرق التي يتم التعامل بها حالياً.

وبين مدير إحدى وكالات الأدوية في تعز -فضل عدم ذكر اسمه- أن السبب الرئيس لانتشار الأدوية المهربة والمزورة هو إحجام مصانع الأدوية في البلدان الأوربية عن تزويد الوكيل بالأدوية، نظرا لعدم وجود ضمانات بنكية، وذلك لعدم استقرار اليمن، الأمر الذي بسببه يضطر الوكيل أو الشركة المستوردة للأدوية إلى طلب الدواء من دول أخرى وتهريبها إلى اليمن، وترافق هذه العملية أيضا انعدام الرقابة على بيع وتداول الأدوية، حسب تعبيره.

وفنّد أحد التجار في الأدوية أسباب انتشار الأدوية المهربة والمزورة  قائلا: "هناك سبب رئيسي وهو زيادة الطلب مقابل انخفاض العرض في سوق الأدوية، الأمر الذي يساعد على ملء الفراغ الحاصل بالسوق بالأدوية المهربة والمزورة".

ويقول أحد الصيادلة بمنطقة الشماسي عن الأدوية المهرّبة: "نحن لا نريد أن نبيع الدواء المُهرّب، لكن الدواء الرسمي والمعروف مصدره منعدم تماماً، ونلجأ إلى الدواء المُهرّب من باب إنقاذ حياة المرضى".

ولا يستبعد الصيدلاني الذي قال إنه للمرة الأولى يدلي بتصريح صحفي أن بعضاً من الأدوية المُهرّبة قد تكون تالفة بسبب سوء التخزين، كونها تُنقل بطرق غير رسمية، من خلال شحنها مع بضائع أخرى، وعادة ما يتم إدخالها إلى البلد من منافذ غير رسمية، ويستغرق ذلك وقتاً أطول من الدخول عبر المنافذ الرسمية، الأمر الذي يعرّضها لأشعة الشمس، وغيرها من العوامل التي تقلل من جودتها وعمرها الافتراضي، لكن الضرورة قد تدفع الطبيب والصيدلاني والمريض إلى التعاطي مع هذا الدواء غير الرسمي، وإن كانت ثمة خطورة.

الجدير بالذكر أن عملية تهريب الدواء باتت تجارة رائجة لها تجارها الذين يملكون نفوذاً كبيراً يمكنهم من الاستحواذ على السوق، وتقليص نفوذ الدواء الرسمي والقانوني.

وفي أغلب الأحيان يشهد السوق المحلي تغييباً للدواء السليم لصالح الدواء المُهرّب، وفي هذه الحالة تكون حياة الآلاف، إن لم يكن الملايين، في خطر، خاصة الذين يستخدمون أدوية مدى الحياة، ويكون الدواء غير الرسمي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياتهم، رغم خطورته، الأمر الذي يعتبره تجار الأدوية في البلاد حجة لإدخال المزيد من الدواء المهرب والمزور.

وفي ظل التعقيدات التي تعيشها البلاد بكل الأصعدة وخاصة السياسية والعسكرية غابت الرقابة من قبل السلطات المعنية، وعدم وجود رقابة الضمير، حيث أصبح الدواء تجارة ومهنة الطب تجارة أيضاً، والكثير من الأطباء يتعاملون مع المريض بأنه سلعة يتم الكسب من ورائها، الأمر الذي نتج عنه وفاة العشرات من المرضى بسبب أخطاء طبية أو تناول أدوية غير مرخصة.

وقال دكتور يعمل في إحدى المشافي بالمدينة إن اتساع المستشفيات الخاصة لا يسهم في الارتقاء بالقطاع الصحي فهي كغيرها تتعامل مع هذه المهنة على أنها تجارة ووسيلة للربح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى