​طيور النصر الزرقاء

> محمد العولقي

> * يحلق ناشئو النصر في سماء عدن مثل طيور الكناريا الصغيرة، لا يكفون عن التغريد ولا يتوقفون عند غصن شجرة بعينها، فقط يصدحون لزرقة السماء، ويلونون حاضر الكرة العدنية بريش أزرق لا يعترف بغير القمة العالية.

* حضرت نهائي كأس عدن للناشئين ، في ملعب نادي شباب المنصورة ، وكنت مشدودا منذ البداية ، بأصداء فريق شمسان ومدربه التربوي القدير على بادي ، لكنني فوجئت بلاعبي فريق نادي النصر ، ينحتون الإحساس في قلب من شاهدهم ، وهم يعصرون البرتقال في نهائي متاخم للبوفيهات المجاورة للملعب، ثم يجرعون نخبه وقد استحقوا الفوز فيه مائة مرة.

* معذرة كابتن محمد سعيد مدرب طيور (الكناريا الزرقاء)، لا أستطيع مصادرة اندهاشي من هذا الركام الممتع الذي خلفه هؤلاء الصبية، تماماً مثلما أعترف أننا في الغالب لا نرى إلا كبار الكرة العدنية الوحدة و شمسان والتلال والشعلة ونتجاهل أندية حديثة تكبر يوما بعد يوم وتتوعد بتغيير معالم خريطة الكرة العدنية.

* كنت مشحوناً بأداء وسرعة ونوعية لاعبي شمسان ، لكنني فوجئت بالكناري الصغير عبد الرحمن باسل يداعب الكرة في انسيابية مثل قط سيامي جميل يلهو بكومة قش، يراوغ كما يتنفس وينطلق في العمق كالسهم المسموم .. شاهدت نصراً ممتعاً ومقنعاً يلعب بنهج ذكي يتيح له أسلوبه فرصة التدفق في أرجاء الملعب بذكاء نوعي جميل ، و شاهدت فريقاً مترابط الخطوط، منسجماً فكرياً، متحمساً إلى أبعد الحدود، و عندما تشاهد لاعب الارتكاز (رقم ثمانية) كيف يهدم الهجمات ، وكيف يحييها في رمشة عين، ينتابك شعور بأنك تعرضت لأكبر مؤامرة تعتيم ، فالنصر الذي يقدم مثل هذه اللآلئ بالتأكيد يمتلك جواهراً ثمينة لا تقل لمعاناً عن الدرر الصغيرة.

* ومثلما عشت لحظات من المتعة مع النصر و هو يحجم شمسان ، ويجبره على خوض مباراة (مخاض) صعبة وقاسية ، استمتعت بدقة التنظيم وروعة الترتيب وجمال التنسيق، وهذا شيء يستحق عليه نادي المنصورة التحية والتقدير.

* وإذا كان لاعبو النصر هم من ارتقوا بالمباراة فنياً إلى مستوى القمم الكبيرة ، فإن الإثارة وإن قلت داخل الملعب ، إلا أنها كانت ساخنة في مدرجات جماهير النصر وشمسان .. جماهير فريق شمسان ، لم تعترف بالهزيمة فزفت الصغار في تظاهرة برتقالية فرائحية وكأنهم ظفروا باللقب ، وهذا (سلوك حميد) يُزرع في نفوس الصغار .. حقيقة أنهم اجتهدوا وكافحوا ولم يدخروا جهداً في مقارعة فريق يمتلك قدرات نفسية تفوق لاعبي شمسان.

* أما جمهور النصر فقل عنه ما شئت دون أن تُضبط متلبساً بالإنحياز لمدرجاته الزرقاء ، فهذا الجمهور كان رجاء البطولة و زهرتها ، وهو الجمهور الذي عرف كيف يفرض نفسه (اللاعب رقم واحد في كل المباريات) ، ولعل هذا الجمهور المهووس بفريقه أهم أسباب فوز النصر بالبطولة.

* أغلب المتابعين كان تركيزهم على اللاعبين داخل الملعب ، إلا العبد لله ، فقد كان تركيزه على انفعالات وتغييرات مدربي الفريقين الكابتنين محمد سعيد وعلي بادي ، الأول كان يمتلك (عصمة) المباراة بين يديه ، فحسمها بخطأين شمسانيين في وقت الهدايا فيه ممنوعة ، ثم استطاع تسيير الشوط الثاني مرة بـ (الكونترا تاك) خلف دفاع شمساني مرتبك ، ومرة بقتل إيقاع اللعب وسد المنافذ من العمق.

* من جانبه اجتهد الكابتن علي بادي في محاولة تجاوز صدمة الهدفين المبكرين اللذين قررا مصير المباراة وحاول في الشوط الثاني تصحيح المسار ، لكن نوعية لاعبيه وتكوينهم الجسماني خذلاه ، في إحداث اختراق من العمق ، في وقت كان الرواقان خارج نطاق الخدمة.

* بالمبارك للنصر هذا اللقب الغالي الذي يمكن البناء عليه مستقبلاً في حال (إن وجد هؤلاء الصبية اهتماماً وحوافزاً داخلية) تبعدهم عن مغريات أندية المال والنفوذ، وهارد لك لصغار شمسان ، الذين جربوا العام الماضي حلاوة اللقب ، ولا بأس من تجربة مرارة الخسارة ، فهذه هي (كرة القدم يوم لك ويوم عليك).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى