​قصة مأساوية.. القابلة أشواق أنقذت حياة جارتها وفقدت حياتها ووالدتها

> زكريا حسان

> بين الإحساس بالمسؤولية المهنية، وتأنيب الضمير، والخوف من العواقب الوخيمة التي لن تتحملها وحدها، وستجر أسرتها إليها، وقفت القابلة أشواق حائرة وهي تسمع صرخات جارتها تتعالى باستمرار من شدة الألم.
تختفي الصرخات في كل مرة يقوم الزوج بنقلها إلى مستشفى من مستشفيات عدن (جنوب البلاد)، فتحس بالسعادة لعل جارتها تكون قد تجاوزت محنتها، ونجحت الولادة، لكن ما تلبث الأصوات أن تعود بنبرة أعلى، وممزوجة بوجع أشد.

حاولت أشواق مرارًا أن تصم أذنيها عن أنات جارتها، وتتجاهل وخزات ضميرها وواجبها المهني، وتقنع نفسها بأنها صارت متقاعدة، ليس خوفًا على نفسها من انتقال العدوى، وإصابتها بفيروس كورونا، ولكن خوفًا على والدتها المسنة التي تعاني من أمراض القلب والسكر والعديد من الأمراض المزمنة، ولن تستطيع مقاومة المرض إذا انتقل إليها.

تضحية غالية

تعرف أشواق يقينًا إصابة جارتها وزوجها بفيروس "كوفيد 19"، مما جعل مستشفيات المدينة ترفض استقبالها ومساعدتها في الولادة المتعسرة، وفي كل مرة يضطر إلى أن يعود بها إلى المنزل.
يدق باب أشواق مرة أخرى، لطلب المساعدة، فتعتذر والألم يعتصر قلبها، ويحتدم الصراع بداخلها، ويغلبها الشعور بالتقصير وتأنيب الضمير، إلا أنها تمتنع، لأنها تدرك جيدًا عواقب مغامرتها، والثمن الغالي الذي قد تدفعه.

انضمت والدتها المريضة إلى صف جارتها، ومع إلحاحها على ضرورة مساعدة المرأة، وعدم تركها وحيدة تصارع الموت والوجع، وافقت أشواق على المساعدة والاستماع إلى صوت ضميرها وتوسلات والدتها، وبذلت أقصى ما تستطيع حتى تمكنت من إنقاذ الأم والوليد.
شعرت بالسعادة والرضا وهي ترى الأم تحتضن صغيرها، والفرحة تعود إلى منزل الجيران، فعادت إلى شقتها تزف البشرى لوالدتها، ولترتاح بعد الجهد الكبير الذي بذلته، لكن الفرحة لم تدم طويلًا، وسرعان ما بدأت علامات المرض تظهر على والدتها المسنة، فسهرت على رعايتها ليلًا ونهارًا، إلا أن كل تلك الجهود لم تنقذها من مصيرها، وتوفيت بعد أيام قليلة.

أصيبت بالحزن الشديد على والدتها، لكن "كوفيد 19" لم يتركها لحزنها، وبدأ يهاجم جسدها المرهق بشراسة، حتى لحقت بوالدتها بعد أقل من أسبوع، لتُخلد أكبر وأسمى ملاحم التضحية في سبيل إنقاذ حياة الآخرين.


جنود مجهولون

أشواق قصة مأساوية من بين عشرات قصص التضحيات للقابلات في مختلف المحافظات اليمنية، اللاتي قدمن أرواحهن وصحتهن ثمنًا لمساعدة النساء في الولادة بالريف والحضر، لاسيما في بداية انتشار الموجة الأولى، بداية العام 2020، التي رافقها نقص حاد في وسائل وتدابير الوقاية والأنشطة التوعوية.
وليست أشواق إلا واحدة من 4 قابلات توفين بكورونا خلال العام 2020، و36 قابلة أخرى أصبن بالفيروس، وهن يقمن بعملهن الإنساني في خدمة الناس، بحسب فطوم علي الوزير، أمين عام الجمعية الوطنية للقابلات اليمنيات، التي توضح أن القابلات لسن عرضة للعدوى بفيروس كورونا وحده، وإنما عرضة للإصابة بكافة الأمراض المنقولة والمعدية والحميات، ومخاطر التنقل من منزل لآخر.

وتتفق معها نبيلة العيال، مديرة الصحة الإنجابية بمحافظة مأرب (شمال اليمن)، بأن القابلات جنود مجهولة، ويقدمن خدمات جليلة للمجتمع، ويقدمن الكثير من التضحيات في فترات انتشار "كوفيد 19"، بخاصة أنهن لا يمتلكن وسائل الحماية اللازمة للقيام بعملهن بأمان.
وتقول العيال: القابلات لم يتوقفن عن العمل خلال توسع موجات الجائحة، وبقيت كل واحدة في موقعها سواء بالمرفق الصحي أو مركز العزل أو في مخيمات النزوح، وبذلن جهودًا كبيرة، وتضحيات غالية، وهن يقمن بواجبهن في خدمة المجتمع.

أعلى معدلات الوفيات

وفيات الأمهات في اليمن من أعلى المعدلات على مستوى العالم العربي، وأسهمت الحرب وما خلفته من أوضاع اقتصادية وصحية متردية، في ارتفاع المعدل من 148 حالة وفاة لكل 100 ألف حالة ولادة، إلى 385 وفاة لكل 100 ألف ولادة، بزيادة تصل إلى 160 %.
وللحد من عدد الوفيات من الأمهات، تحملت القابلات على عواتقهن عبئًا ثقيلًا في تقديم خدمات الصحة الإنجابية، لاسيما أن 77 % من الولادات تتم في المنزل، وأغلبها في ظروف غير آمنة.

"تم نشر هذا المادة بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا" .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى