العابرون

> تشتهر كثير من بقاع الأرض بأنها محطات عبور بعضها أخذ هذه الشهرة منذ زمن بعيد وبعضها اكتسبها حديثا، وبعضها فقد صفته كمحطة عبور وبعضها ما زال يحتفظ بها، لكن التاريخ والجغرافيا لا ينسيان هذه الأماكن فيما يتم نسيان الكثير ممن مرّون فيها.

في حياة الناس هناك أشخاص عابرون، وأشخاص خلدهم التاريخ، فكم مرت على هذه البسيطة أنظمة ودول على مر آلاف السنين، وكم زعماء ووزراء وحجاب وقضاة وعساكر حكموا وتسلطوا، لكن التاريخ لم يخلد أيا منهم، لأن كثيرا منهم كانوا مجرد أناس (عابرون) أكلوا زادهم ورحلوا.

يذكر التاريخ، قديمه وحديثه، أولئك الذين حفروا أسماءهم في صفحاته بأحرف من نور، وصنعوا مآثر حميدة غيرت حياة شعوب ونقلتها من حال إلى حال أفضل، لعلنا نذكر منهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، واضع لبنات دولة الإمارات العربية المتحدة التي ينعم في ظلها المواطن الإماراتي بالحياة الكريمة القريبة من حد الكمال، ونشهد اليوم في المملكة العربية السعودية الانتقال إلى طور جديد من النهوض الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان على طريق الملك المؤسس، ونذكر في هذا التناول السلطان قابوس سلطان عمان واضع لبنات سلطنة عمان الحديثة.

ولعلنا نذكر من أولئك الزعيم الجنوب افريقي نيلسون مانديلا، أو الرواندي بول كيجاما، الذين نقلا بلديهما من الصراع العرقي والتمييز العنصري إلى وطنين للتعايش والنماء وأصبحا مصدر إلهام لشعبيهما وقدوة يستلهمون منها حتى نوعية ملبسهم.

وهناك طغاة ذكرتهم بطون كتب التاريخ في صفحاته السوداء لا فائدة تذكر من قرأت تاريخهم إلا للاتعاظ والعبرة، عاشوا زمنهم ورحلوا تحفهم لعنات شعوبهم.

لسنا في هذا التناول بصدد سرد تاريخي لعظماء وطغاة الأزمان، فهذا كثير على مجرد مقال صحفي، لكن تحضرني قصيدة لشاعر أمريكي توصف الحياة بأنها طريق مزدوج في غابة تجعل الإنسان في لحظة ما يحتار أي طريق يختار، ويعجز أن يجرب كلتي الطريقين، وحين يختار إحداهما لا يستطيع العودة لأن الطريق تأخذه إلى طرق فرعية متعددة، وهذان الطريقان هما طريقا الخير والشر.

ويقال إن قصيدة هذا الشاعر يتم ترديدها في كل حفلات التخرج في الجامعات الأمريكية.

وفي الجنوب، عاصر جيلنا كثيرا من (العابرين) بعضهم غادر هذه الدنيا، وبعضهم ذهب لأحضان (الرجعية العربية) وبعضهم اختار كنف (الاستعمار البغيض) وبعضهم قاتل ضد وطنه، وكلهم يشملهم قاسم مشترك واحد وهو أنهم أسسوا لـ (ثقافة الصراع) التي نتجرع سمها حتى اليوم، لكن شعب الجنوب لن ييأس من الحلم بوطن يحتضن كل أبنائه، وسنردد مع هذا الشعب الأبي قول الشاعر محمود درويش:

أيها المارون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا

وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة

وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا

إنكم لن تعرفوا

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى