​التهديدات الأمنية والبيئية تعيد التقارب بين جيبوتي والصومال

> مقديشو «الأيام» العرب:

>
بعد مرحلة فتور شابت العلاقات بين البلدين، تحرك الصومال وجيبوتي لمناقشة عدد من الملفات الأمنية والبيئية ما يعكس رغبتهما في التعاون من أجل مواجهة التحديات المشتركة التي في مقدمتها التهديدات المستمرة لحركة الشباب، وملف صومالي لاند بالإضافة إلى الجفاف الذي يهدد الأمن الغذائي للدولتين الأفريقيتين.

مثلت زيارة الرئيس الجيبوتي عمر جيلي إلى مقديشو في الثامن والعشرين من ديسمبر الماضي أول زيارة لرئيس دولة إلى الصومال منذ انتخاب رئيس البلد الأخير حسن شيخ محمود في مايو الماضي.
وتعتبر الزيارة تأكيدا على طي مرحلة الفتور بين البلدين التي شابت عهد الرئيس الصومالي السابق محمد فرماجو.
وكان جيلي من أوائل زعماء العالم الذين هنأوا شيخ محمود بعد فوزه برئاسة الصومال للمرة الثانية ولكن بشكل غير متتال، إذ كانت ولايته الأولى بين عامي 2012 و2017.
  • زيارات كثيفة
زار شيخ محمود جيبوتي مرتين منذ إعادة انتخابه رئيسا، الأولى في يوليو من العام الماضي والأخيرة في الثامن من ديسمبر الماضي، وبعد عشرين يوما حل جيلي في مقديشو زائرا وفي جعبته العديد من الملفات لبحثها.
وتعكس كثافة الزيارات المتبادلة بين الرئيسين في أقل من ستة أشهر رغبة البلدين في تمتين العلاقات الثنائية لمواجهة التهديدات والتحديات المشتركة.

ورغم أن العنوان الأبرز لزيارة جيلي الأخيرة هو المشاركة في الافتتاح الرسمي لمقر "الأكاديمية الإقليمية للغة الصومالية" في مقديشو، إلا أن عدة ملفات مشتركة تهم الجارين تم بحثها خلال الزيارة.

فالشعبان الصومالي والجيبوتي ينتميان إلى عرقية واحدة (الصومالية)، والبلدان عضوان في جامعة الدول العربية، وجزء من القرن الأفريقي الواقع بمنطقة إستراتيجية من خطوط النقل البحري بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.
ويشكل الملف الأمني والتحديات التي تمثلها حركة الشباب إلى جانب الجفاف الذي يضرب منطقة القرن الأفريقي، والوساطة الجيبوتية في ملف المفاوضات مع إقليم أرض الصومال الساعي للانفصال عن البلاد، أبرز هذه الملفات ذات الاهتمام المشترك.
  • الملف الأمني
تتزامن زيارة جيلي إلى مقديشو مع عدة انتصارات حققها جيش الصومال بدعم دولي ومشاركة مسلحين قبليين في قتال حركة الشباب، وتحرير عدة مدن وبلدات إستراتيجية وسط البلاد.

فجيبوتي كان لها الدور البارز في إعادة تشكيل الدولة الصومالية في عام 2000 بعد انهيارها إثر الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد في العام 1991م، وأن الجارة الشمالية للصومال تساهم منذ 2011 بمئات من الجنود في القوات الأفريقية التي تسعى لاستتباب الأمن في البلاد.
وجاءت الزيارة لتأكيد استمرار دعم جيبوتي للحكومة الصومالية في حربها ضد حركة الشباب التي تسيطر على أجزاء واسعة من الأقاليم الجنوبية للبلاد.

وقبل ثلاث أيام من وصول جيلي إلى مقديشو، أعلن الرئيس الصومالي تحرير إقليم هرشبيلي الفيدرالي المكون من إقليمي هيران وشبيلي الوسطى، بالكامل من سيطرة الشباب.
وتعد الزيارة استكمالا لزيارة شيخ محمود الأخيرة إلى جيبوتي والتي لم يخف جيلي خلالها سعادته بـ "الخسائر الفادحة" التي منيت بها حركة الشباب ووصفها بأنها "نمر من ورق".

وما زيارة الرئيس الجيبوتي الأخيرة إلى الصومال إلا رسالة للخارج بأن حركة الشباب لم تعد تمثل تهديدا وجوديا للبلاد كما في السابق، وأن العاصمة مقديشو أصبحت أكثر أمنا من أي وقت مضى، خاصة بعد تحرير المدن والبلدات المحيطة بها.

ويدرك الرئيس الصومالي مدى حاجة بلاده إلى دعم جارتها الشمالية لحشد الدعم الدولي في حربها ضد حركة الشباب المتمردة، وتحرير الأقاليم والمناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأعلنت السلطات الصومالية الاثنين عن مقتل 61 عنصرا من حركة الشباب في غارة جوية نفذها جهاز المخابرات جنوبي البلاد.

وأوضحت وزارة الإعلام أن "المنطقة الزراعية التي تعرضت للغارة كان فيها نحو 150 من عناصر الشباب، وكانوا يستعدون لشن هجوم على مراكز عسكرية حكومية في ضواحي بلدة حوالي".
  • الوساطة مع أرض الصومال
الرئيس الصومالي يدرك مدى حاجة بلاده إلى دعم جارتها الشمالية لحشد الدعم الدولي في حربها ضد حركة الشباب المتمردة
لم يقتصر دعم جيبوتي للصومال فقط على الحرب ضد حركة الشباب، بل تسعى أيضا ضمن جهود دولية لإحياء المفاوضات بين مقديشو وإقليم أرض الصومال الذي أعلن انفصاله من طرف واحد عام 1991م.

وعلقت حكومة أرض الصومال رسميا المحادثات مع مقديشو في وقت سابق من 2022، والتي انطلقت منذ 2012، وجرت آخر جولة من المفاوضات بجيبوتي في 2020م.
غير أن هذه المحادثات الطويلة لم تخرج بنتيجة بالنظر إلى إصرار حكومة أرض الصومال على الانفصال، بينما تتمسك مقديشو بالوحدة.

في الثامن من ديسمبر الماضي استقبل الرئيسي الجيبوتي بشكل متزامن الرئيس الصومالي شيخ محمود، ورئيس إقليم أرض الصومال دموسي بيحي عبدي في خطوة لإحياء المفاوضات بين الطرفين مجددا.
والتقى شيخ محمود برئيس إقليم أرض الصومال، كما بحث الأخير مع وفد تركي - نرويجي تسهيل إجراء المفاوضات مع مقديشو.

وزيارة جيلي السريعة إلى مقديشو من المرجح أن تكون شملت سبل تمهيد إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين الطرفين، رغم الشروط الصعبة التي وضعتها حكومة أرض الصومال للبدء رسميا في المفاوضات.

وتشترط حكومة أرض الصومال (صومالي لاند)، وفق بيان، قبل إجراء أي محادثات رسمية أن تدخل المفاوضات "كدولة ذات سيادة اتحدت مع الجنوب الصومالي عام 1961 وانفصلت عنه عام 1991م".
وهذا الشرط يعني اعترافا رسميا من مقديشو بانفصال أرض الصومال قبل دخول المفاوضات، بينما يعارض الصومال أي انفصال للإقليم.
  • الأمن الغذائي
يحتم الجفاف الذي يضرب منطقة القرن الأفريقي وبالأخص الصومال وجيبوتي على رئيسي البلدين البحث عن حلول لمواجهة تداعياته على الأمن الغذائي، خاصة وأن شبح المجاعة يحوم حول المنطقة.
وحذرت منظمة الصحة العالمية في أغسطس الماضي من أن منطقة القرن الأفريقي الكبرى تشهد واحدة من أسوأ المجاعات خلال الأعوام السبعين الماضية.

هذا الوضع دفع أعدادا كبيرة من الصوماليين للنزوح من قراهم بحثا عن الغذاء والماء لهم ولمواشيهم التي نفقت قطعان كثيرة منها بسبب الجفاف، بل إن برنامج الغذاء العالمي كشف في الصيف الماضي أن أكثر من 7 ملايين شخص في الصومال (نحو نصف السكان) يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأن 213 ألفًا يواجهون بالفعل ظروفًا شبيهة بالمجاعة.

فترابط الملفات المشتركة بين جيبوتي والصومال يفرض على رئيسي البلدين أعلى درجات التنسيق لمواجهة هذه التحديات المعقدة وحشد أكبر قدر من الدعم الدولي لمعالجتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى