​يكفي ضجيجا

> كنت وما زلت وسأظل مؤمنا بأن الأرض لله وأن الأصل في هذه الدنيا هو الله الخالق جل جلاله، وفيما عدا ذلك فهي الفروع.
العمل الصالح أفضل من العمل المؤذي والصدق أفضل وأنفع للناس من الكذب.

لم أفكر يوما أن أؤذي إنسانا، فلا أخفيكم أني نشأت وعشت في عدن حيث البيئة الجميلة المتنوعة والجامعة فيها المدارس والمساجد والصحافة والفن والجمال والأساتذة والأفكار والدروس، تعلمنا فيها محبة الوطن والأرض وضرورة رعاية المواطن وبناء البلد والتقدم والاهتمام بالعلم ورفض الجهل والتطرف والمناطقية.
تلك الأفكار كانت مناهجنا في الحياة، فكبرنا عليها وصار الخروج عنها جريمة وسقوطا أخلاقيا وخيانة كبرى لكل ذلك الموروث والانضباط والأساتذة الكبار.

أمي أطال الله في عمرها تقول لي دائما:
"إياك أن تؤذي أحدا أو تنخرط مع جماعات وأفكار أو ساسة يقدسون أنفسهم ولا يهتمون بالبسطاء، فهذا سيؤلمني جدا ولن أرضى عنك. كن إنسانا بقلب سليم وضمير حي ومشاعر لطيفة".
ولهذا منذ أن كنت صبيا وشابا لم أفكر يوما أن أكون رئيس دولة أو رئيس وزراء أو رئيس حزب، ثم أصعد للمنبر وأتحدث للناس بعهود ووعود لا أستطيع تنفيذها.

لا أقبل كرجل دولة أن أتحصل على راتب عشرين مليون ريال والناس الذين أنا مسؤول عليهم يفترشون الأرصفة يبحثون عن ستة أشهر بلا راتب، فهذا مقرف وغير إنساني وشاذ، لا أقبل هذا ولا أستطيع أنام سعيدا.
هناك من يقبلون هذا بفخر واعتزاز ولا يتألمون، بل مستمرين في الخطابات والضجيج.

السلام ومحبة الناس وإشاعة الصالحات يمنحك الرضى الداخلي، والأهم من هذا أن الله ووالديك يرضون عليك، وهذه هي أكبر ثروة في هذه الحياة.
يعتقد البعض أن الوطن هو البهرجة السياسية والصراخ واللقاءات بمندوبي الدول والدبلوماسيين وبمطابخ إعلامية صباحا ومساء تتحدث عن الأحزاب والزعماء وقرارات تم تداولها في اجتماع حدث هنا أو هناك.

يا سيدي الوطن هو حارتك وجيرانك ومؤسسة العمل التي تعمل فيها مع زملائك وتقدمون للناس خدمات وتسهلون مصاعبهم.

الوطن هو أن تقوم بجولة في مدينتك وتطوف الشوارع فتقابل الأصدقاء والأحباب وتتبادلون السلام، ثم تذهب الزاوية تلك وتتناول كوبا من الليمون وتمشي حرا مبتسما والمدينة حواليك تسطع بالحياة والانضباط والنظام، فلا يستطيع أحد أن يتقطع لك في الطريق ويسلب عنك السكينة والأمان.
الوطن هو أن تعود إلى منزلك آمنا معافى فيستقبلك أولادك على الباب وتذهبون لاجتماع عائلي في طاولة للعشاء، ثم مشاهدة مسرحية وتضحكون وتمرحون سعداء لا يؤرقكم مزعج أو مؤذي أو هزة كهربائية أو انقطاع خدمة أو غياب الرغيف أو رصاص الزواج والأفراح في منتصف الليل، فإن أوجدتم لنا هذا الوطن فأنتم الرجال الصالحون الشرفاء، أما ما نراه فهو الضجيج ولسنا في حاجة له ولا لكم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى