كاتم صوت بتريليون دولار.. لماذا لم يعد أحد يحتج على حروب أمريكا

> واشنطن "الأيام" العرب

> ​كشفت الأستاذة في العلوم السياسية جوان رويلوفس في العام 2003 عن الدور السياسي الذي لعبته مؤسسات النخبة في السلطة الأميركية منذ أوائل القرن العشرين، وحددت ممارستها سلطة قوية لكنها غير ديمقراطية، وتأثيرها الخاص على أولويات السياسة وجداول أعمال المؤسسات المختلفة التابعة للقطاع الصناعي غير الربحي والمنظمات غير الحكومية داخل الولايات الأميركية وفي البلدان الأجنبية.

وفي كتاب جديد صدر بعد 20 عاما بعنوان “كاتم صوت بتريليون دولار: لماذا لم يعد أحد يحتج على حروب الولايات المتحدة”، كشفت أستاذة العلوم السياسية المتقاعدة في جامعة كين عن “الاهتمامات التي أنشأها” اختراق المجمع الصناعي العسكري الأميركي للعديد من جوانب الحياة المدنية الأميركية والذي تجاهله معظم مؤيدي الحركة المناهضة للحرب في الولايات المتحدة.

تناول هذا الكتاب العديد من الصحافيين والمحللين منهم بوب فيلدمان من موقع باتش الأميركي الذي رأى أن الكتاب يحاول “توضيح فظاعة الاختراق” العسكري لجوانب الحياة الأميركية.

ويضيف أنه يقترح السبل التي يمكن أن يتخذها مؤيدو الحركة المناهضة للحرب في الولايات المتحدة لعكس عسكرة المجتمع الأميركي المتزايدة في القرن الحادي والعشرين. ويصوغ “كلمة أخيرة” موجزة، تؤكد فيها رويلوفس أن “الكثيرين قد أصبحوا يعتقدون أن النزعة العسكرية أمر طبيعي وضروري”.

وتناقش مقدمة الكتاب كيف أثرت الحملات الدعائية المؤيدة للجيش، والخوف من الانتقام، والمصالح المرئية والمخفية في الحد من عدد المواطنين الأميركيين الراغبين في المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحرب. وتشير إلى أن “الاقتصاد العسكري يحقق عائدا مرتفعا على الاستثمارات” وأن هذه العوائد تفيد “صناديق النقابات والخدمة المدنية والكنائس والجامعات والمنظمات الخيرية وحقوق الإنسان والمنظمات الثقافية” وكذلك المدراء التنفيذيين الأثرياء والشركات بفضل مخزون مصنّعي الأسلحة.

ويلاحظ الكتاب في الفصل الثالث أن “لشركات الأسلحة قنوات للتأثير على النشطاء التقدميين” لأن “مدراءها التنفيذيين وأعضاء مجالس إدارتها يخدمون في (…) مجالس إدارة جامعات ومؤسسات غير ربحية”. وحدد أنها تشارك كذلك في تقديم المساعدة التقنية “للعدالة الاجتماعية وحتى منظمات السلام”. وفي نفس الوقت “تحصل الجامعات والمنظمات غير الربحية (بما في ذلك الكنائس) على عوائد ممتازة على استثماراتها في المتعاقدين العسكريين”.

في حين أن جميع الفصول توفّر ثروة من المعلومات والصور والرسوم البيانية التي توضح مدى تغلغل تأثير الجيش الأميركي الصناعي في جميع الجوانب والمؤسسات داخل المجتمع.

وفي الفصل الرابع، يذكر الكتاب أنه “بعد أحداث 11 سبتمبر، قُبلت عسكرة التعليم العالي في الغالب، إن لم يكن تم تشجيعها”. وتوفر 1700 كلية أو جامعة أميركية الآن برامج تدريب ضباط الاحتياط. وانتشرت “العسكرة” في البحث الأكاديمي على نطاق واسع.

ويُشير الفصل الخامس إلى أن “المتعاقدين العسكريين هم مصادر دعم مهمة” للمنظمات غير الحكومية.

وقد يجد أنصار الحركة المناهضة للحرب الذين يعملون في مدارس عامة في مدينة نيويورك في قراءة الفصل السادس من الكتاب أن “حكومة الولاية تستثمر الأموال وصناديق المعاشات بشكل كبير في صناعة الأسلحة”.

ورأى آرن ألبيرت في تقرير لموقع “وايجينغ نون فايلنس” أن رويلوفس تتحدث بالتفصيل عن مبدأ أيزنهاور الموجز بكلمات أكثر شمولا، مثل كتالوغ هائل، لدرجة أنه يسمم الديمقراطية ويُسكت المعارضة. وهي “متاهة من المنظمات والوكالات والمجالس والشراكات التي تشمل الحكومة والصناعة والجامعات والمنظمات غير الربحية”، وهي عبارة عن “غطاء كثيف من انعدام الأمن” يسحق المقاومة.

كما يرى أن معالجة رويلوفس للحركة البيئية تثير أسئلة مهمة، حيث يبقى الجيش الأميركي أكبر مستهلك للوقود الأحفوري في العالم. ألا يكون من المنطقي أن تبرز مجموعات مثل “سانراز موفمنت” وأورغ 350 بين المنظمات التي تدعو إلى تخفيضات في الميزانية العسكرية بتقليص حجم القوات البحرية والجوية؟

ويقول “لا يمكنني أن أراها أو أي مجموعات خضراء رئيسية بين المشاركين الأميركيين في أيام العمل العالمية بشأن الإنفاق العسكري. ويصعب تخيل أي شيء أكثر تدميرا للبيئة عند رؤية حقائق الحرب الحديثة، وخاصة تهديد الصراع النووي المتزايد”. ومع ذلك، يوجد عدد قليل من المجموعات البيئية الأميركية من بين شركاء الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية. لكن ماذا عن الآخرين؟ هل أسكتوهم أم أنهم صامتون فقط؟”.

وكتبت رويلوفس في استنتاجها أن “أولئك الذين يرون ضرورة التغيير من أجل بقاء الكوكب والعدالة يجب أن يدركوا جميع الطرق التي يتم من خلالها الحفاظ على التعقيد العسكري الصناعي الكونغرسي”.

ويعتبر ألبيرت أن رويلوفس قدمت خدمة هائلة وأثارت أسئلة مهمة.

أما المحلل دابليو تي ويتني فيرى أن الوعي هو الخطوة الأولى لمقاومة العسكرة الأميركية، وأشار في تقرير لموقع “كاونتر بانش” أن أطروحة رويلوفس توضح أن لمشاركة المؤسسة العسكرية في المؤسسات المدنية تأثيرا في حماية الجيش من الغضب الشعبي الواسع من صنع الحرب والإنفاق الكبير.

ويضيف “يأخذنا كتابها السلس إلى البند الأول على جدول الأعمال وهو إقناع الناس العاديين أن يقولوا لا”.

وتدعو الكاتبة قراءها للتحدث، والكتابة إلى المحررين، والاتصال بالمسؤولين المنتخبين، والانضمام إلى المنظمات المناهضة للحرب والعمل معها. وهي تدافع عن صفقة خضراء جديدة، و”برنامج خدمة وطنية”، و”التحول إلى اقتصاد مدني”. ومن الواضح أنها تأمل في أن تبني الجماهير حركة مقاومة وتحقق بعض الانتصارات.

ويقول ويتني إن رويلوفس لو قدمت موضوعات شاملة مثل المغامرات العسكرية الأميركية السابقة وشرور النظام السياسي الذي يحركه الربح، لما أسفرت دعوتها إلى العمل عن أي شيء. لكنها تقدم الدعم لحركة احتجاج في مهدها.

أما موقع “بوليتكس توداي” فتناول الكتاب من زاوية أخرى ألا وهي كيف تلعب الدعاية دورا كبيرا في صنع الصمت، حيث رأى أن الكتاب يربط الشبكة المعقدة من المنظمات والصناعات والشراكات والوكالات التي تطورت بصمت لتصبح نظاما يلعب فيه المجمع الصناعي العسكري دورا قويا. وتريد رويلوفس نشر الاعتراف بالقضية لمواجهتها بشكل أكثر فعالية.

ويعتبر الجمهور استخدام القوة غير أخلاقي إضافة إلى كونه غير قانوني بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، لا ينزعج أحد من تدخلات الولايات المتحدة العدوانية. لماذا؟ تحدد رويلوفس ثلاثة عوامل: الدعاية، والخوف من الانتقام، والإلهاء.

وتلعب الدعاية دورا كبيرا في صنع حالة الصمت حيث أصبحت العديد من المجالات المختلفة، مثل التعليم والسياسة ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي من المتوقع أن تدعم آراء الجمهور وتعلمها، أداة للتحريف والتلقين. وينشأ الخوف من الانتقام من تجذر الجيش وتصنيع الأسلحة عن طريق التمويل والمشاركة والهبات. ويضطر أولئك الذين قد يرغبون في اتخاذ موقف إلى التضحية بالكثير مقابل القليل. وتعمل المشتتات في هذه الأثناء بالتوازي مع الصمت والانحرافات التي قد تغذيها المنظمات بعناية لتعزيز الهدوء.

 كما ذكر الكتاب الاهتمامات الخفية والمرئية في تشكيل هذه الشبكة. وقد تكون بعض الاهتمامات حسنة النية. لكنها تجذّر في النهاية الضرر الأكبر الذي يلحقه النظام.

ويعدّ المال أكبر كاتم للصوت. وتشرح رويلوفس أن القطاع العسكري يعد قطاعا متناميا ومحفزا بدرجة كبيرة ومقاوما للركود مع القليل من العيوب في التكاليف من المنظور الاقتصادي. كما يحقق الاقتصاد العسكري عائدا مرتفعا على الاستثمارات.

والأهم من ذلك أن الحدود بين العسكريين والمدنيين غير واضحة بالطرق العديدة التي ذكرتها رويلوفس. وهذا ما يغذي بدوره العسكرة دون إشعار عام لأن الخطوط العريضة لماهية العسكرة لا تزال غير مؤكدة.

وأدت الهيمنة الأميركية على الصعيد العالمي إلى تضخيم هذا الاتجاه كظاهرة دولية. وتمكنت الشبكات الدولية، مثل الشبكات المحلية، من التغلب على النشطاء ودعاة السلام.

من جانبه يرى جيريمي كوزماروف في تقرير لمجلة “كوفرت أكشن” أن اختراق الجيش لجوانب الحياة الأميركية يعيق تطور حركة قوية مناهضة للحرب.

ولم تستمر الاحتجاجات المبكرة ضد حرب العراق ولم تتبعها أي تحركات واسعة النطاق ضد التدخلات العسكرية في أفغانستان وليبيا وسوريا والآن أوكرانيا، حيث غرس في الرأي العام أن روسيا هي المعتدية.

وكتب ويليام دي هارتونغ الزميل في معهد كوينسي الدولي لفن الحكم المسؤول، أن أوكرانيا تقدم للمتعاقدين العسكريين حجة أخرى حول سبب ضرورة استمرار سير الأمور إلى الأمام وإلى الأعلى.

وتؤكد رويلوفس أنه في أعقاب حركة الاحتجاج في الستينات، بدأت مؤسسات الشركات في تمويل المجموعات التي دعت إلى الإصلاحات المجتمعية دون تهديد الإمبراطورية أو الرأسمالية الأميركية.

وكشف تقرير سنة 1969 كتبه ديفيد هورويتز في مجلة “رامبارتس” أن وكالة المخابرات المركزية استخدمت ما لا يقل عن 46 مؤسسة لتحويل الأموال إلى المنظمات التي كان هدفها الرئيسي نزع فتيل الاحتجاج المناهض للحرب أو تقسيم اليسار السياسي في الولايات المتحدة.

ثم جاء إنشاء الصندوق الوطني للديمقراطية في الثمانينات لترويج دعاية تغيير النظام التي سلطت الضوء على اضطهاد الأقليات في البلدان التي صاغت سياسات خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة.

لكن كيف يؤثر الإنفاق العسكري على قطاعات المجتمع المدني؟

يوضح الكتاب أن المقاولين والقواعد يصبحون محاور اقتصادية في مناطقهم. وتتشابك حكومات الولايات والحكومات المحلية مع وزارة الدفاع، حتى أن لبعض الولايات إدارات عسكرية. وتبقى الإعانات السنوية للحرس الوطني كبيرة. وتشمل المشاريع المشتركة مساعدة الإدارات البيئية بالولايات وفرق المنظمات الحكومية والبيئية لإنشاء مناطق عازلة لميادين القصف. وتهدف لجان التنمية الاقتصادية إلى جذب الصناعات العسكرية والحفاظ على القواعد والشركات القائمة.

وتحصل الجامعات والكليات وأعضاء هيئة التدريس على عقود ومنح من وزارة الدفاع ووكالاتها، مثل مشروع مينيرفا. كما تدعم الوزارة برامج هيئة تدريب ضباط الاحتياط. وتوفر الوظائف المدنية فيها فرصا للعلماء والمهندسين ومحللي السياسات وغيرهم.

ويتغذى كل نوع من الأعمال التجارية وغير الربحية، بما في ذلك بعض المنظمات البيئية والخيرية، في حوض وزارة الدفاع من خلال العقود والمنح. ويخضع الأفراد والمؤسسات الفنية والجمعيات الخيرية والكنائس والجامعات الربحية للاستثمارات المتعلقة بالجيش. لذلك فإن العمل الخيري هو كاتم صوت آخر.

ويقول الصحافي جيفري سانت كلير إنه ربما يكون سؤال “ماذا حدث للحركة المناهضة للحرب؟” الأكثر خطورة في عصرنا.

ويضيف “تخترق رويلوفس بعمق الأعمال الداخلية في الاقتصاد السياسي الهائل لصنع الحرب، وتكشف كيف عزز كارتل الأسلحة قوته، واستولى على نظامنا السياسي، وتسلل إلى وسائل الإعلام وقمع المعارضة. وأيقظتنا بصوت عال وواضح بما يكفي لإسماع ضمائرنا المخدرة”.

أما الباحثة كاثرين لوتز فتقول إن “الكتاب تمهيدي ومتعمق في مؤسسة الولايات المتحدة العسكرية ذات آلاف الأوجه والوظائف، والمستهلكة لحوالي ألف مليار دولار سنويا لدعم دورها في التحضير للحرب وشنّها في جميع أنحاء العالم. وهو غني بالصور التوضيحية والمخططات والخرائط، أي أن قطع اللغز التي حددتها جوان رويلوفس كثيرة جدا ومعقدة لدرجة أن القراء سيتعلمون شيئا ما في كل فصل وإن كانوا مطلعين جدا عن الموضوع. السؤال المركزي للكتاب هو كيف استطاع المجمع الصناعي العسكري أن يكتسب الكثير من أموال دافعي الضرائب عاما بعد عام مع حشد الموافقة الجماهرية على مهمته العنيفة المجهدة”.

هذا الرأي يبدو قريبا من رأي ديفيد سوانسون المدير التنفيذي لمنظمة “وورلد بيوند وور” مؤلف كتاب “الحرب كذبة”، والذي قال إن الكتاب “يساعدنا على إدراك اختراق كل شبر من المجتمع الأميركي من خلال تطبيع الاستعدادات للحرب أو الاحتفال بها. ترسخ هذا في ثقافتنا، ويقدم هذا الكتاب أيضا إرشادات حول ما يمكننا فعله حيال ذلك”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى