المخدرات: حرب حضرموت الصامتة

> عبد الله الشادلي:

> تعتبر محافظة حضرموت، في جنوب اليمن، من أكثر المحافظات التي تعاني من مخاطر انتشار المخدرات بشتى أصنافها، لا سيما النباتية منها مثل الحشيش، وتساعد مساحتها الجغرافية الكبيرة وحدودها البرية والبحرية المفتوحة في تعقيد عملية المكافحة.
ومما يزيد من المشكلة، أنَّ حضرموت تعتبر أيضا من نقاط العبور النشطة لكميات كبيرة من المخدرات التي تدخل اليمن لتستقر في محافظات أخرى، مع تزايد المعلومات عن احتضان مناطق في المحافظة لمعامل إنتاج بعض المخدرات الصناعية.
وفي وقت سابق، حصل مركز «سوث24» على معلومات وصور تشير إلى وجود مصنع لإنتاج مادة الشبو المخدرة "ميثامفيتامين" بوادي حضرموت، وزعمت مصادر محلية خاصة أنّ هناك مصانع ومعامل أخرى تنتج بعض الأصناف من المخدّرات بالوادي.

الحشيش والحبوب
يتصدَّر الحشيش، وهو مخدر يستخرج من نبات القنب الهندي (Cannabis Sativa)، قائمة المخدرات النباتية الأكثر انتشارًا في محافظة حضرموت، طبقا للعقيد عبد الله لحمدي، مدير إدارة مكافحة المخدّرات في ساحل حضرموت المعين مؤخرا مديرا لإدارة مكافحة المخدرات في عموم البلاد.
وقال لحمدي "الجزء الأكبر من المخدرات يتدفق إلى حضرموت عبر محافظة المهرة المجاورة، بينما تتدفق المخدرات الصناعة والحبوب غالبا من المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي".
وبدرجة رئيسية، تُعتبر باكستان وأفغانستان وإيران من أكثر الدول إنتاجا للمواد المخدّرة النباتية مثل الحشيش، وفقا لتقرير "الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات" لعام 2021. ويؤكد العقيد لحمدي أنَّ هذه الدول بالفعل هي أبرز المصادر الخارجية للمخدرات التي تدخل حضرموت.
وفي أكتوبر 2018، أعلنت السلطات في محافظة المهرة ضبط طن ونصف الحشيش في سواحل مديرية حصوين. كما أعلنت في أكتوبر 2020 ضبط كمية من الحشيش المخدر والهيروين والحبوب. وفي أبريل 2021 أعلن أمن المهرة ضبط قارب محمل بالحشيش في سواحل مديرية الغيظة.
وتحصَّل مركز سوث24 من مصادر مسؤولة في إدارة مكافحة المخدرات بحضرموت على أرقام بالضبطيات الرسمية الحشيش في 2022، التي بلغت نحو 25.5 كيلوجرامات في الساحل، وما يقرب من 5 كيلوجرامات في الوادي.
ويُشكَّك الباحث القانوني أديب باجبران بدقة هذا الأرقام. وقال لـ "سوث24": "أنا أثق بنزاهة إدارة مكافحة المخدرات، لكن أظن أنّ هناك كميات كبيرة لا يتم رصدها أو ضبطها، لا سيما في مناطق وادي وصحراء حضرموت".
ولم يعلَّق مسؤول إدارة مكافحة المخدرات بساحل حضرموت العقيد عبد الله لحمدي حول أرقام الضبطيات الرسمية، لكنَّه أكَّد استمرار الجهود لملاحة المتعاطين والمروجين.
 ولفت لحمدي إلى أنَّ باكستان، وأفغانستان وإيران هي "الدول الرئيسية المصدرة للمواد النباتية المخدرة مثل الحشيش والأفيون." وأضاف: "محافظة المهرة هي أكبر منفذ لتدفق المخدّرات حتى الآن، لكن نخشى من دخول محافظات أخرى على الخط".
ولفت لحمدي إلى حادثة تحطم سفينة مخدرات في ديسمبر المنصرم قبالة سواحل محافظة أبين. وعثر مواطنون في 7 من ذات الشهر على كميات من الحشيش والشبو في سواحل شقرة وأحور، لتوضح الأجهزة الأمنية لاحقا أنها تنتمي لسفينة مخدرات تحطمت في البحر.
وقال لحمدي: "هذا مؤشر خطير على دخول شبوة وأبين وعدن في منظومة التهريب." لكن تجارة الحبوب المخدرة بعكس مادة الحشيش، طبقا للحمدي، تأتي عبر شمال اليمن الخاضع للحوثيين وليس عبر المهرة.
وأضاف: "لدينا معلومات موثقة أن  هناك كميات من الحبوب المخدرة تأتي من مناطق الحوثيين، وتدخل حتى الأراضي السعودية" وزعم المسؤول المحلي أن الحوثيين المدعومون من إيران يستخدمون الطيران المسير لتهريب الحبوب المخدرة.
وأردف: "ثبت لدينا أن الحبوب المخدرة تأتي من الجهة الغربية عبر الحديدة في شمال اليمن. في الفترة السابقة، كانت تحصل صفقات تبادل بين تجار المخدرات في اليمن ما بين الحشيش والكبتاجون، وتحديدا في مأرب والجوف".
وأعلنت البحرية الأمريكية، الأحد، مصادرة مخدرات بقيمة 20 مليون دولار على متن سفينة صيد في بحر العرب. وقال البيان إنَّ الشحنة اشتملت على 1350 كيلوجراما من الحشيش، 276 كيلوجراما من الميثامفيتامين، و23 كيلوجراما من حبوب الأمفيتامين".
وفي 28 فبراير 2019، أعلنت المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت إتلاف 20 طنا والحبوب المخدرة في مدينة سيئون، بتوجيهات من النائب العام وإشراف النيابة الجزائية المُتخصصة.
لكنَّ مصادر خاصة لـ "سوث24" قالت إنَّ الكمية التي تم إتلافها بحضور ممثلين من قوات التحالف بالوادي وإدارة مكافحة المخدرات بالساحل، لا تتعدى 8 أطنان. ولم يتمكن "سوث24" من الوصول لقيادة المنطقة الأولى للرد على الاتهامات.
وتعتبر كميَّة الحشيش المقدرة بـ 150 كيلوجراما، التي تم ضبطها في إحدى المزارع بمديرية الريدة وقصيعر شرق المكلا، في 10 يناير المنصرم من أكبر كميات الحشيش التي ضبطت في ساحل حضرموت.
وفقا للعقيد لحمدي، تعتبر هذه الكمية هائلة مقارنة بالكميات الضئيلة التي ضبطت في ساحل حضرموت خلال 2022.

جنود إدارة مكافحة المخدرات في مداهمة لإحدى المزارع بمديرية الريدة وقصيعر بحضرموت، 10 يناير 2023
جنود إدارة مكافحة المخدرات في مداهمة لإحدى المزارع بمديرية الريدة وقصيعر بحضرموت، 10 يناير 2023


خام الأفيون
في منتصف نوفمبر الماضي، ضبطت إدارة مكافحة المخدرات بساحل حضرموت كميات من المواد المُخدّرة، من ضمنها كمية من خام الأفيون، للمرة الأولى، ورغم ضآلة الكمية التي لا تتعدى 12 جراما، يعتقد العقيد لحمدي أنَّ هذا "مؤشر خطير"
وأضاف: "تظل الكمية رغم أنَّها قليلة جداً مؤشرا خطيرا على بدء دخول خام الأفيون إلى حضرموت". وخام الأفيون، هو مادة مُستخلصة من نبات "الخشخاش" يُنتج منها نحو 22 عنصرًا مخدرا، من أخطرها مخدرات "الهيروين".

كميات من المواد المُخدّرة، من ضمنها كمية من خام الأفيون، تم ضبطها في مدينة المكلا، 14 نوفمبر 2022 (درع الجنوب)
كميات من المواد المُخدّرة، من ضمنها كمية من خام الأفيون، تم ضبطها في مدينة المكلا، 14 نوفمبر 2022 (درع الجنوب)

 ولفت لحمدي إلى أنّ لديهم معلومات "تُشير إلى وجود مصانع لتركيب أنواع من المخدرات، ومصانع أخرى لإعادة تدوير الحشيش الرديء أو التالف بسبب سوء التخزين، وجميعها في مناطق الوادي".
وأردف: "هذه المعلومات لا ينقص سوى إثباتها". وتنتشر في وادي حضرموت ألوية شمالية ضمن المنطقة العسكرية الأولى. وتوفر تضاريس المنطقة بيئة مواتية لأنشطة التهريب وسواتر طبيعية لها.
وطبقا للعقيد لحمدي، "يستخدم مهربو المخدرات الساحل للتهريب والوادي للتخزين"، لافتا إلى أنَّه "توجد سيطرة أمنية في مناطق الساحل إلى حدّ ما؛ تشكل حالة أفضل من أي منطقة أخرى في الداخل".

مهربون شماليون
على الرغم من أنَّ عددًا كبيرًا ممن تم القبض عليهم على ذمة قضايا متعلقة بتهريب المخدرات أو الاتجار بها في حضرموت هم من أبناء المحافظة ذاتها، إلا أنَّ هناك عدد مهم آخر من المهربين المنتمين لشمال اليمن.
واتهمت مصادر قضائية، تحدثت لـ "سوث24"، القوات الشمالية في وادي حضرموت بتوفير الغطاء والحماية للمهربين.
وقالت المصادر إنَّ عددًا من المهربين الشماليين تم ضبهم في 2019 بمطار سيئون الدولي، بعد محاولة تهريب كيلوجرامات من المخدرات، تحفظت عليهم حراسات المطار التابعة للمنطقة الأولى ورفضت تسليمهم للجهات المختصة.
وأوضحت المصادر أنَّ النيابة الجزائية المتخصصة خاطبت سلطات الوادي والمنطقة الأولى عددا من المرات دون استجابة، وحاول "سوث24" التواصل مع النيابة الجزائية المتخصصة إلا أنَّنا لم نتلق ردًا حتَّى الآن.
وينصُّ قانون مكافحة الإتجار والاستعمال غير المشروعين للمخدرات والمؤثرات العقلية اليمني لسنة 1993 في المادة (33) على أنّه: "يُعاقَب بالإعدام كل من صدّر أو جلب مواد مخدرة بقصد الاتجار أو الترويج."

 آثار وخيمة
وفقاً للعقيد لحمدي، فإنَّ "ما نسبته 80 % من الجرائم الغريبة عن المجتمع في حضرموت مثل القتل، والاغتصاب وزنا المحارم، سببه المؤثرات العقلية بشكل عام، وفي مقدّمتها المخدرات بشتى أنواعها وأصنافها".
وأضاف: "لوحظ، مؤخرا، زيادة العنصر النسائي في قضايا ترويج وتعاطي المخدّرات. هذا مؤشر خطير وسيء." ولفت المسؤول إلى أنَّ إدارة مكافحة المخدرات في حضرموت تعاني من شحة الدعم وقلة الإمكانيات.
موفد مركز "سوث24 " مع العقيد عبد الله لحمدي، مدير إدارة مكافحة المخدرات باليمن  
 ويؤكَّد الدكتور سامي بن دهري على الخطورة الشديدة للمخدرات، لاسيما مخدرات الحشيش الأكثر شيوعا وانتشارا، وقال لـ "سوث24": "الحشيش واحد من أشد أنواع المخدرات المُسبّبة للإدمان".
وأضاف: "للحشيش مضاعفات كبيرة جدا حيث إنه يؤدي لمتلازمة عدم وجود دافع (Amotivational Syndrome). هذه المضاعفات، تجعل المدمن يصبح مُحبطا وبلا دافع لعمل أيّ نشاط، باستثناء الحصول على الحشيش".

"سوث24 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى