دعوات لليونسكو لضم العمارة اليافعية إلى قائمة التراث العالمي

> أحمد يسلم

> ​خاطبت معظم الديانات والعبادات القديمة وجمعت بين الأصالة والمعاصرة..

تعد العمارة اليافعية واحدة من أهم فنون العمارة وأقدمها، بماتحويه من قيمة تراثيةوإنسانية وروحية وثقافية في أرفع تجلياتها، وتملك طابعها ورسمها ولونها الخاص الذي يميزها عن بقية الفنون المعمارية في الحضارات العربية والإسلامية والهندية والفارسية والقوطية الأوربية، و العمارة اليافعية جسدت قوة الإنسان هنا وتفوقه بعمل هندسي ابداعي متفرد لاحدود له.



 وفي كل الحضارات الإنسانية تمثل العمارة تاج الفنون وأما لكل الفنون، لأي شعب أو أي أمة من الأمم بما تحويه من دلالات فنون الجمال والنحت والهندسة والمحاكاة لعلم الاجتماع وعلم الجمال والروحانيات والديانات التي حواها وجسدها فن العمارة اليافعية بامتياز.

لماذا ندعو اليونسكو ؟
 دعوتنا هذه ليست الأولى بل تكرار لمناشدات سابقة نشرناها في صحيفتي الأيام كبرى الصحف اليمنية وأكثرها حضورا وانتشارا وصحيفة الثقافية التي تصدر في تعز لسنوات خلت، ومبررات دعوتنا للأسباب التالية:
حوت قائمة التراث العالمي  اليونسكو مدينة صنعاء القديمة بمبانيها القديمة، والعمارة الطينية في شبام حضرموت، وأخيرا تراث مأرب لقائمة التراث العالمي وبالنظر إلى مقومات العمارة اليافعية فهي لاتقل أهمية عن المعالم المعتمدة من قبل اليونسكو بل وتتفوق عليها في أمور كثيرة.


للعمارة اليافعية تفرد وطابع خاص
تمتلك العمارة اليافعية شخصيتها الفريدة ولونها وطابعها وتصاميمها وفنونها وهندستها البديعة، التي لايشبهها في ذلك أحد، اعتماد العمارة اليافعية في البناء على خامات محلية بنسبة  100 % من منتجات البيئة المحلية.  
حيث صممت العمارة اليافعية في الأصل لتبلغ سبعة طوابق وهذا عمل هندسي فريد، دون استخدام الحديد والأسمنت، ويحتاج لمزيد من العناية والاهتمام والدراسة، وقد لا يكتمل عدد الطوابق عادة لكنه قابل لإضافة طوابق جديدة حين يتيسر الحال، انطلاقا من محاكاة السبع السموات حسب الموروث الديني والأسطوري القديم .

فلسفة العمل التعاوني
اعتمدت العمارة اليافعية في تشييدها قديما على فلسفة العمل التعاوني الجماعي، حيث أن أبناء المنطقة يشكلون فرق( المعون ) ويتوزعون حسب قدراتهم بين من يجلب التراب لعمل الخلب ( المادة اللاصقة) المختار بعناية فائقة وفقا ومختبر الخبرة المعرفية المتوارثة لنوعية الطين. 


وآخرون لجلب الحجارة والبعض للأخشاب ويتكفل المبني( صاحب البيت) فقط  بأجرة الباني والنقاش ( بتشديد القاف ) عامل تشذيب و تفصيل حجارة المبنى . وتذهب مهمة النساء لجلب الماء لعمل الخلب والطبخ لصاحب (المعملة) ناهيك عن جلب الحطب ومساعدة ربة البيت في إعداد وتقديم الطعام للأسرة التي يبنى لها البيت في صورة من صور التكافل الاجتماعي إضافة إلى أن العمالة اليومية المساعدة  في بناء البيت اليافعي يتوزعون بالدور في الحضور اليومي بطريقة (المضاهاة) وهي أن مايقدمه المرء من عمل يومي مع صاحب العمارة يظل دينا غير مكتوب يتم رده بالعرف والقيم الإنسانية في حال حان دور بناء بيت من يساهم في المعون في تشييد العمارة وهنا تتجلى أروع صورة التكامل الاجتماعي .

الختيمة
 تعرف الختيمة بالتعبير عن فرحة الإنجاز عند اختتام عمل البيت  حيث يجري الاحتفال، بإقامة الولائم وتتطيب وتتزين النساء بالحلي والمجوهرات وكل ماله علاقة بالجمال وفي الوقت ذاته يضرب طبل الفرح ابتهاجا بهذا المنجز، الذي يحتشد فيه كل أبناء القرية وفي ذات الوقت يتسابق الأهالي بتقديم نقود الرفد، كل بقدرته ليتم تسديده في حالة مماثلة عند بناء البيت لمقدم الرفد، وهنا يستطيع مالك البيت تسديد أجرة وتكاليف البناء في يوم(الختيمة).


البيت اليافعي قلعة عسكرية واجتماعية وجمالية وثقافية في آن


يمثل البيت اليافعي قلعة عسكرية أمنية يوفر لصاحبه مقومات الأمان والحماية من البرد والمطر والخطر، وصورة من صور الترابط الاجتماعي بين أفراد العائلة والمجتمع وتكتمل مقومات الوجاهة عند أي فرد أو عائلة بما يمتلكه من بيت.
يذهب اليافعي مغتربا إلى بلدان المهجر، وأطراف الدنيا ليضع نصب عينيه بناء بيته الجميل في مسقط رأسه، تجسيدا لحب الانتماء وروح الولاء للأرض التي أنجبته.



هناك مقولة تاريخية مفادها ( من ليست له عمارة فليست له حضارة )، والعمارة اليافعية تستوعب كافة الفنون وتجسدها من فنون الهندسة والنحت والرقص والجمال والمحاكاة للديانات السماوية من خلال الرموز والنقوش والمجسمات  الدالة .
اذا كان اليونانيون  قد جسدوا من خلال فنهم المعماري قوة عضلاتهم ورياضة المبارزة. والصينيون  من خلال القبعة التي تكسو قمة البيت. والهندية من خلال تجسيد رموزهم الدينية، والصنعانية في تجسيد صورة الرجل في واجهة العمارة.

تجسيد المرأة الملكة
المعماري اليافعي انفرد في  تجسيد صورة المرأة ولكنها ليست  المرأة العادية بل الملكة التي على رأسها التاج  كيف ؟


تمثل التشريفات أي (الكواثر) التاج الذي تضعه المرأة الملكة على رأسها، ويمثل الوطاف الذي يلف المبنى العقد والجواهر الذي يلف رقبة الحسناء الملكة، ويمثل المرو (حجر الصوان) الذي يزين واجهة البيت الحلي والمجوهرات على صدر الملكة الحسناء، أما الحزام الذي يفصل بين كل طابق فهو صورة جمالية لمحزم الفضة أو الذهب الذي تلفه المرأة حول خصرها، يقال لبداية البناء في تسوية أرضية الدار اليافعية الأرام( الغرام ) لأن يافع في لهجاتها تبدل الغين همزة، والغرام يمثل بداية العشق والغزل بالمرأة فهو من المبنى وليس فيه والغرام يمثل الأساس ليصل إلى مرحلة بناء العلاقة المتوجة بالزواج .


العمارة اليافعية والمعاني والرموز الدينية ورموز العبادات
العمارة اليافعية خاطبت معظم الديانات والعبادات القديمة من خلال تجسيد الشمس والقمر  في تقاسيم البيت الداخلية ونحت الزهرة والنجوم  على الخشب  وبعدها الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، من خلال أدلة دامغة ومسميات في تفاصيل الدار اليافعية، خذ على سبيل المثال يبدأ بناء البيت في أول يوم، يوم الأحد كتقليد متوارث طبقا لما يعتقد في خلق الأرض، وتمثل نوافذ المفرش الغرفة الرئيسية في البيت محاكاة العبادة في المسيحية ثلاثية الله . الروح . الجسد. نافذة(الهدة) إشارة إلى الله في الأعلى، ونافذتان على خط واحد (الروح والجسد) محاكاة للعبادة المسيحية، وتبرز  تجسيد ديانة الإسلام في مسميات الكوثرة، وهو نهر من أنهار الجنة، الغرفة أعلى غرفة في الدار تجسيدا لقوله تعالى (  أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما."75" الفرقان).


المسعى : وهو صف من البناء نهاية البيت وفي أسفله مجسمات المرو (حجر الصوان) بمعنى السعي بين الصفا والمروة لبلوغ الغرفة أعلى منازل الجنة ونهر من أنهار الجنة(الكوثر)، تمثل العمارة اليافعية أعلى ناطحات السحاب الحجرية باتفاق كل الباحثين ليس في اليمن بل والجزيرة العربية والخليج بدون منازع.

الشمولية
لا تقتصر العمارة اليافعية القديمة على بناء بيت العائلة أو الأسرة بل وتشمل دور العبادة وقلاع الحراسة الأسطوانية المدورة وبناء ورصف طرق الجمال والقوافل بطريقة متقنة، إضافة إلى لون آخر من البناء المعروف ببناء(الريش) الذي يبنى دون المادة اللاصقة (الخلب) وهو يقتصرعلى ملحقات البيت كالدروب( سور الدار)  وغرف الطبخ وإيواء الأغنام والبقر، وجدران المدرجات الزراعية، وبيادر محصول الأرض  وغير ذلك. وهو في المجمل لا يتجاوز ارتفاع الطابق الواحد.


طابع السقف الفريد
سقف العمارة اليافعية يمثل طابعا فريدا  وربما متفردا من خلال النحت على واجهات الخشب بالذات(الرواكب) ثلاثة جسور خشبية، وعليها يتم توصيل  الرعايا وهي الأخشاب الفرعية في مربعات السقف، التي تغطي الفراغات بينها(الصلا) وهي حجارات مسطحة مستطيلة، كل حجر بمقاس  قدم مربع تقريبا، و سد الفراغات بحجارة الصلا ميزة تنفرد بها العمارة اليافعية، دون غيرها، و يتم تثبيتها بالمادة اللاصقة (الخلب) أما حاليا فيتم استخدام الأسمنت.  وخشب سقف البيت اليافعي يتم نشره بالمناشير من أشجار السدر (العلب) وبالذات الأشجار الأقدم عمرا، لأن أخشابها ذات صلابة ولا تخترقها الأرضة والحشرات إطلاقا. وفي مباني ملحقات البيت، مطابخ، وعقود الدرج، ومخازن الحبوب، يعتمد على السقف بخشب(السرح) والسقم التي تتواجد بكثرة في أودية حطاط، وسلب، وبناء، وخطيب وغيرها. وميزة خشب السدر والسرح والسقم الصمود إلى مابعد تهدم المبنى ويتم الاستفادة منها في سقف البيوت التي تبنى لاحقا مما يثبت صمودها لقرون وليس لعقود .



 الجمع بين الأصالة والمعاصرة
تمتلك  العمارة اليافعية ميزة متفردة من بين في فنون العمارة الأخرى، كونها جمعت بين الأصالة والمعاصرة لاسيما، وقد واكبت تطور الفنون المعمارية واستوعبتها تماشيا مع ديناميكية التطور والمواكبة لعصرنة العمارة في مختلف العصور والأزمنة المختلفة، وهذا دليل كافٍ على حيويتها وتطورها بتطور الزمان والمكان وهذا طابع كل فن حيوي يجدد ويتجدد وفقا وديناميكية التطور والحداثة.



> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى