> محمد العولقي
دمعت عيناي عندما نقل لي أحدهم الوضع الصحي الصعب ، الذي يحيط بالأستاذ القدير أحمد مهدي سالم إحاطة السوار بالمعصم .. دمعت عيناي قهراً وحزناً ، وأحدهم يخبرني بصوت مبحوح ، أن بوابة الإبداع في أبين الأستاذ أحمد مهدي سالم ، رهين محبسي العمى والألم ، يومه بلا بكره ، وليله ما طلع له نهار.
لست في وارد الانشغال عن مأساته المتشعبة الأبعاد ووضعه الصحي، المتعدد الاتجاهات بالتنقيب عن أفضاله الرياضية والأكاديمية والعلمية الكثيرة ، لأنني لو فعلت ذلك ، سأكون في حضرة أقمار لا تأفل ولا تخسف وشموس لا تكسف.
لم أتردد لحظة واحدة حين اعتزمت الكتابة عن هذا الأديب الأريب ، الذي لم يسأم تكاليف الحياة، لكن محوري هنا يدور حول معاناة فارس اللغة ، وبطل اللعبة الأنيقة (كرة الطاولة) ، مع الأمراض المزمنة التي غيرت مجرى حياته وقلبتها رأساً على عقب .. هناك في (جعار) حيث للألم الرهيب ، ريح صرصر ، وللوجع لحن يئن ، يعاني الأستاذ أحمد مهدي سالم ، من قلب مثقوب من وجع ساقط وضيع .. لا تهدأ جراحه، حتى بات ذلك الجرح أطول من الأيام .. هناك في غرفة معتمة ، عين يُمنى تحتضر تتأهب للفظ آخر بقايا نورها ، العمى الكلي يقترب ، وشعاع النور يخبو رويداً ، وكلما بكت عينه اليسرى ، تداعى لها جسده الواهن بالسهر والحمى.
مؤسف أن الكاتب الصحفي والأكاديمي المرموق ، ولاعب كرة الطاولة المعروف ، ورئيس اتحاد الإعلام الرياضي بأبين سابقاً الأستاذ أحمد مهدي سالم يبحث في ظل مأساته عن معروف من ذوي القربى ، وهو الذي كان سباقاً ، في الدفاع عن نجوم الرياضة ، والكوادر الأكاديمية المهملة .. هذا القيدوم الرياضي والتربوي كان إلى وقت قريب نخلة أبينية سامقة يتساقط منها رطب جني ، فيه لذة وحلاوة تفتح شهية كل مبدع واليوم هذه القامة الرياضية والأكاديمية يُعاني من أمراض شتى، من القلب إلى العمود الفقري إلى فقدان عينه اليمنى لبريقها منذ أربع سنوات عجاف.
أطباء مستشفى مكة للعيون ، ودار العيون ، أخبروه أن يسافر بأسرع وقت إلى مصر ، في محاولة أخيرة لاسترجاع نور عينه، لكن ظروفه الصعبة تحول بينه وبين السفر للعلاج.
في تصوري أن (الأستاذ أحمد مهدي سالم) كفاءة أكاديمية ورياضية وإعلامية لها وزنها ، وهو أولى من غيره بدعم حكومي ، من الجهات الإعلامية والرياضية ، والأكاديمية والسلطة الأبينية ، فمن العيب أن تدير كل الجهات المحلية والرسمية ظهرها لمعاناة هذا الرجل.
ويا ذوي القلوب الرقيقة والرحيمة ، والأفئدة اللينة ، تذكروا وأنتم في موقع المسؤولية ، أن العواطف كالتربة تحتاج بين وقت وآخر للتقليب والتهوية ، وتعريضها للشمس ، والفرصة اليوم مواتية لتقليب عواطفكم أمام حالة هذا الرمز الأبيني الكبير.
تعاملت مع أزمة الأستاذ أحمد مهدي سالم بطريقة قطف الكلام، لأن التوغل في سيرته الذاتية تحتاج إلى مساحة تكفي لملء المحيط الأطلسي عن بكرة أبيه وأمه ، لكن يكفي أن ألخص سيرته ، في أنه أحد رواد الإعلام ، وواحد من أهم الذين أعادوا سيرة (سيبويه) ، وانتصروا لقواعده في قبره ، فهو مجموعة أقمار متعدد النشاطات الإبداعية ، كل قمر أجمل من الآخر استطاع خلال مسيرة علمية وعملية ، دامت نصف قرن و نيفاً من الزمن أن يكون لنفسه اتجاهاً خاصاً صب في مجرى إعداد جيل طيب الأعراق.
أحمد مهدي سالم مفكر يصوغ فكره أدباً ، وأديب يجعل من أدبه فلسفة خاصة ، هو من الذين يفكرون و يثرون الفكرة ، لذا كانت كتاباته الرياضية والأدبية فيض العقول تماماً، كما وصف المحللون الشاعر أبا تمام.