قصص الأنبياء

>
​​هجرة إبراهيم عليه السلام

 ذكر الله -سبحانه- هجرة إبراهيم في ثلاثة مواضع من القرآن؛ حيث قال على لسان إبراهيم: ((وأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ))،وقال: ((وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي))،وقال: ((وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ))، وفي ما يأتي بيان الهجرات الثلاث:

هجرة إبراهيم إلى الشام
 خرج إبراهيم -عليه السلام- بنفسه، وزوجته سارة، وابن أخيه لوط -عليه السلام- إلى بلاد الشام، وقِيل إنه نزل حرّانَ فارًّا بدينه يدعو إلى الله، ويعبده، فأقام فيها مدّة، إلّا أنّ هذه البلاد تعرّضت للقحط، والجوع، فارتحل -عليه السلام- وأهله إلى مصر.

هجرة إبراهيم إلى مصر
خرج إبراهيم -عليه السلام- من أرض الشام إلى مصر سارة زوجة سيدنا إبراهيم، وحين علم ملك مصر آنذاك بقدوم إبراهيم ومعه امرأة حَسنة جميلة، بعثَ في طلبها؛ ليتزوّجها، وكان هذا الملك يأخذ نساء الرجال غصبًا، فأخبره إبراهيم بأنّها أخته، فحاول الملك أن يلمس سارة، فلم يستطع؛ إذ تحجّرت يداه، فطلب منها أن تدعوَ الله أن يعيدهما إلى ما كانتا عليه، ففعلت، وكرّر فعلته مرّة أخرى، فلمّا تحجّرت يداه مرّة أخرى، طلب منها أن تدعو له، فدعَت له، فأُطلِقت يداه مرّة أخرى.

* هجرة إبراهيم إلى مكّة
أهدَت سارة زوجها إبراهيم -عليه السلام- هاجر الجارية؛ ليتزوّجها، فحملَت منه، وأنجبَت نبيّ الله إسماعيل -عليه السلام-، ولأنّ سارة كانت عاقرًا فقد غارت من هاجر، فأخذ إبراهيم هاجر وابنها، وخرج بهم إلى الشام، ثمّ إلى مكّة المُكرَّمة وتركهم هناك، ثمّ عاد، وحين نفد ما كان عندهم من الماء والطعام، صار طفلها يتلوّى من شدّة العطش، وطفقت هاجر تسعى بين جبليَن، وهما ما يُعرَفان بالصفا، والمروة، وتدعو الله، فأتاها جبريل بعد أن أنهَت سبعة أشواط عند موضع زمزم، وفجّرَ لها بأمر الله ماء زمزم، فجعلت تحوطه بيدها.

 أمّا قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، فقد مرّت السنين وهاجر في مكّة، ولمّا كبر إسماعيل -عليه السلام-، وبلغ أَشدّه، رأى إبراهيم -عليه السلام- في المنام أنّه يذبحه، فامتثل أمرَ الله، وأخبر ابنَه برؤياه، فامتثل الآخر لأمر الله، وحين وضعه على الأرض، وأمسك السكّين؛ ليذبحَ ابنه، أنزل الله ذِبحًا عظيمًا؛ فداءً له؛ إذ لم يكنِ القصد إزهاق روح إسماعيل، بل كان ابتلاءً من الله لهما؛ ليرى إخلاصهما، واستسلامهما لأوامره.

* بناء إبراهيم الكعبةَ مع ابنه إسماعيل
 بيّن الله -تعالى- لإبراهيم وإسماعيل أساسات البيت الحرام التي كانت قد دُفِنت في الأرض منذ وقت طويل، ثمّ أمرهما ببناء الكعبة المُشرَّفة؛ فكان إسماعيل يجمع الحجارة، ويأتي بها إلى أبيه الذي كان يرفع البناء، فلمّا ارتفع البناء وضعَ إبراهيم حجرًا ووقف عليه، وقد عُرِفَ هذا المكان ب(مقام إبراهيم)، وتجدر الإشارة إلى أنّهما -عليهما السلام- كانا يبنيان الكعبة، ويدعوان الله -تعالى- ويقولان: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)).

 وقد طهّرا البيت ممّا لا يليق به من النجاسات، والقذارات؛ امتثالاً لأمر الله؛ ليكون مكانًا مناسبًا للصلاة، والعبادة، ودعَوا الله أن يجعل من ذريّتهما أمّة مسلمة مُوحِّدة لله لا تُشرك به شيئاً، فاستجاب -سبحانه- لهما، وجعل في ذُرّية العرب من نَسل إسماعيل أمّة مُوحِّدة، كما بعث من ذُرّيته محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث ورد في قوله -تعالى-: ((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ*رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)).

* الدروس والعبر المستفادة من قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام
تجلَّت في حوار إبراهيم مع أبيه وقومه في القرآن الكريم دروسٌ كثيرة، من الأهمِّيَّة عرض بعضها، ومن ذلك:
* ضرورة الصدع بالحق: فما النفع إن كان الإنسان يعلم الحق ويخفيه؟ فهذا إبراهيم صدع بالحق ووقف بوجه قومه وأبيه.
* اتخاذ الأساليب يكون حسب رؤية الداعية : فأسلوب إبراهيم اختلف بين قومه وأبيه، فهو مع قومه كان في العموم أشدَّ منه مع أبيه، حيث رقَّق في بعض المواقف خطابه لأبيه تألُّفًا له وتليينًا لقلبه.
* كل من يحمل دعوة فإنه معرّض للخطر والإيذاء، فهذا إبراهيم قد حاربه قومه وآذوه وشتموه وانتهى بهم المطاف لرميه في النَّار.
* الصبر على الدعوة، فلا ينبغي للداعية ترك الدعوة إن رأى قومه لا يستجيبون له، وهذا ما قام به إبراهيم حين هدَّده أبوه فأجابه إبراهيم: ((سلام عليك سأستغفر لك ربي)).
 * الهداية من عند الله تعالى، فعلى الداعية أن يدعوَ إلى الله، وعلى الله الهداية، فرغم كلِّ محاولات إبراهيم لهداية أبيه إلا أنَّ أباه رفض دعوته، وتكبَّر عليها.
* جاهزيّة الداعية للرَّدِّ على دعوات المبطلين وشبهاتهم بما يتوفَّر له من أدوات وطرق للإقناع، فإبراهيم حاول التوجُّه بخطاب عقلاني للقوم، ثم بعد التكذيب حاول تغيير الواقع بيده عبر تكسير الأصنام، قال تعالى: ((وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)) الأنعام.
* دِينُ المسلم أعظم من الأرحام والأحباب والمكاسب، فإن خُيِّر المسلم بين دينه ودنياه فعليه اختيار الدِّين لأنَّ فيه صلاح دنياه وآخرته، وهذا ما فعله إبراهيم عليه السلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى