صدقه عليه الصلاة و السلام
قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إننا لا نكذبك، وما أنت فينا بمكذب، ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام: 33).
سأل هرقل أبا سفيان عدة أسئلة، ثم علق على إجابة أبي سفيان، وكان مما جاء في كلامه، "وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا. فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله".
فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق، وما كذب قط.
وأعظم مظهر من مظاهر صدقه عليه الصلاة والسلام هو تبليغ كل ما أوحى إليه من ربه، إذ لو لم يكن صادقًا لكتم بعضه مما فيه عتاب له، مثل قوله تعالى: "عبس وتولى" وقوله: "عفا الله عنك لما أذنت لهم"، وقوله: "وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس، والله أحق أن تخشاه"، وقد قال تعالى: "ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين".
ويعلق ابن القيم على كلام عليٍّ قائلًا: (وقوله: أصدق الناس لهجة. هذا مما أقر له به أعداؤه المحاربون له، ولم يجرب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة قط، دع شهادة أوليائه كلهم له به، فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات مشركوهم وأهل الكتاب منهم وليس أحد منهم يومًا من الدهر طعن فيه بكذبة واحدة صغيرة ولا كبيرة.
وأكبر من هذا كله شهادة رب العالمين على صدقه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33]، والذي جاء بالصدق هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي شهد لما جاء به هو الله في قرآنه المنزَّل من فوق سبع سماوات، ويقول ابن عاشور معلقًا على هذه الآية: "الذي جاء بالصدق هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصدق هو القرآن".