​من أبطال المسلمين

> خالد بن الوليد  (3)

(يتبع من يوم أمس).. يروى أن أحد أمراء جيش الروم ويدعى «جرجة بن بوذيها» خرج من الصف واستدعى « خالد بن الوليد» رضي الله عنه للمبارزة فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجة: يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع، هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم ؟ قال: لا ! قال: فبم سميت سيف الله ؟ قال: إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين » ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على الكافرين.

فقال: يا خالد إلى ما تدعون ؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل، قال: فمن لم يجبكم ؟ قال: فالجزية، قال: فإن لم يعطها، قال نؤذنه بالحرب ثم نقاتله، قال: فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا، قال جرجة: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر ؟ قال: نعم، قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟ فقال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان له فضل كبير.

فقال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني؟ قال: تالله لقد صدقتك وإن الله ولي ما سألت عنه، فعند ذلك قلب جرجة الترس ومال مع خالد وقال: علمني الإسلام، فقال له خالد: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فتشهد جرجة ودخل في دين الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه فصب عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين، ثم زحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجة، وأصيب جرجة رحمه الله واستشهد ولم يصلي لله إلا تلك الركعتين مع خالد رضي الله عنهما.

كان لسيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه قلنسوة وضع في طيها شعرًا من ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مقدم رأسه لما حلق في عمرة الجعرانة، وهي أرض بعد مكة إلى جهة الطائف، فكان يلبسها يتبرك بها في غزواته، وعنه أنه قال: « اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة اعتمرها فحلق شعره، فسبقت إلى الناصية، فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدمة القلنسوة، فما وجهت في وجه إلا فتح لي ».

رسم توضيحي يبين التفاف خالد بن الوليد حول جبل الرماة المسلمين الذين أمرهم النبي بحماية ظهر جيش المسلمين فتخلوا عن مواقعهم فيه لجمع الغنائم، ليباغت خالد جيش المسلمين المنتصر حينها من الخلف ويضعهم بين فكي كماشة المشركين
رسم توضيحي يبين التفاف خالد بن الوليد حول جبل الرماة المسلمين الذين أمرهم النبي بحماية ظهر جيش المسلمين فتخلوا عن مواقعهم فيه لجمع الغنائم، ليباغت خالد جيش المسلمين المنتصر حينها من الخلف ويضعهم بين فكي كماشة المشركين

دخل عليه أبو الدرداء يزوره بسبب مرضه فقال له سيدنا خالد: « إن خيلي وسلاحي على ما جعلته عليه في سبيل الله عز وجل، وداري بالمدينة صدقة، قد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب، ونعم العون هو على الإسلام، وقد جعلت وصيتي وإنفاذ عهدي إلى عمر ».

فقدم أبو الدرداء بالوصية على سيدنا عمر فقبلها وترحم عليه، ومات البطل العظيم خالد بن الوليد سنة إحدى وعشرين، وحكى من غسله أنه ما كان في جسمه موضع صحيح من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم.

وقيل لقد قال كلمات عند موته: لقد لقيت كذا وكذا زحفًا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعن برمح وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي فلا نامت أعين الجبناء.

رضي الله عن سيدنا خالد بن الوليد ورحمه وأسكنه الفراديس العلى، وصلى الله وسلم على من رباه وأدبه وعلمه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله أولا وأخرًا.

خاض خالد أكثر من مئة معركة، ومن بين المعارك الشهيرة التي خاضها خالد بن الوليد هي معركة اليمامة ومعركة اليرموك وحصار القدس، ويرجع تميز خالد بن الوليد إلى خوضه لأكثر من مئة معركة والفوز في غالبيتها، مما جعله من القادة العسكريين الأكثر تميزًا في تاريخ الإسلام، وكان يعتبر خالد بن الوليد قوة لا تُقهر بالشرق، وكان الرسول يسميه "سيف الله المسلول"، وكان دوره الكبير في صراع القوتين أمرًا لا يُنكر، حيث حفظ أمن المسلمين وحقق لهم النصر في العديد من المعارك التي أدت إلى توسع الدولة الإسلامية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى