"لقمانيات" صحفية رائدة

> لم يكن علي محمد لقمان ( 1918 - 1979 ) شاعرًا فذًا وشخصية رائدة في مجال العمل الثقافي والصحفي في عدن واليمن فحسب، بل كان من أولئك الرجال المبدعين الذين لا يختلف حولهم اثنان على كونهم ذوي أثر واضح وبصمة لا تمحى على تاريخ ومسيرة الشعر والأدب والصحافة في بلدانهم وعلى أجيال من المثقفين جاءوا بعدهم واقتفوا أثرهم وربما ترسموا خُطاهم فكانوا بالنسبة لهم منارات تضيء لهم سبل العطاء في ميادين الكتابة الأدبية والإبداعية.

كان ديوان ( الوتر المغمور ) الذي نشره علي محمد لقمان سنة 1944 أول ديوان شعري يصدر في عدن، وكانت مسرحية ( بجماليون ) التي ألَّفها أول مسرحية تنشر في عدن سنة 1948، كما أنه درس الصحافة في جامعة القاهرة وتخرج فيها سنة 1947 وبذلك فهو يعدُّ أول خريج يمني في هذا المجال.

بعد التخرج وجد علي لقمان الطريق ممهدا للانطلاق في عالم الصحافة فقد كان والده رائد النهضة وحركة التنوير المحامي والمصلح الاجتماعي محمد علي لقمان ( 1898 - 1966 ) قد أسس في يناير عام 1940 في عدن صحيفة ( فتاة الجزيرة ) أول صحيفة مستقلة في اليمن والجزيرة العربية ورأس تحريرها، فعهد إلى نجله الشاعر والصحفي ( علي ) حديث التخرج بمسؤولية إدارة التحرير، والذي أنشأ بنفسه بعد ذلك صحيفة أسماها ( القلم العدني )، وفي عام 1963 أسس ( دار الأخبار ) ومن هذه الدار أصدر صحيفة يومية أطلق عليها اسم ( الأخبار ) كما أسس والده عام 1953 صحيفته الأسبوعية ( آيدن كرونيكل ) وهي أول صحيفة إنجليزية مستقلة تصدر في عدن، وعمل في دار فتاة الجزيرة أيضا شقيقه الصحفي الشهير فاروق لقمان، وبقي علي لقمان ينشط في كتابة المقالات الأدبية والفكرية والسياسية وينشر قصائده الشعرية. يقول الدكتور شهاب غانم في مقالة له بعنوان ( نبذة عن صحف آل لقمان ) : "وعلى هذا الأساس كانت فتاة الجزيرة تصدر صباحًا، والأخبار تصدر مساءً، ويوم الأربعاء كانت تصدر القلم العدني، بينما تصدر آيدن كرونيكل يوم الخميس ".

ما هذه إلا ومضة واحدة استدعتها الذكرى من كوكب كبير مشع بأنوار الثقافة والصحافة وبكل ما يتصل بنتاجه الفكري والإبداعي، ولعمري فإن مجرد الاقتراب من تلك التجربة الأدبية والقلمية المتميزة والمتفردة لعلي محمد لقمان يتطلب الكثير من التروي والحذر وعدم الشروع في النفاذ إلى أعماقها دون امتلاك الأدوات الضرورية واللازمة وأولها معرفة خصوصيتها وأبعادها التاريخية والفلسفية وآفاق انطلاقاتها الرؤيوية وحتى خصائص عاطفتها وسمات عالمها النفسي والفكري، فقد كان غزير العطاء زاخرا بالجمال ذا قلم سيال لا ينضب وفيه من الثراء الإبداعي ما يبهر القراء والمتلقين شعرا وأدبا.

اليوم تتراءى أمامي أطياف من الماضي البعيد حاملةً معها صورا تبدو باهتة، ومع ذلك أستطيع من خلالها رؤية شيء من عهد قديم يعيدني إلى زمن ( دار الأخبار ) التي أسسها علي محمد لقمان في حي كريتر العريق بعدن والتي لم تكن تبعد غير خطوات عن منزل والدي حيث عشت، فكنت وأنا صغير أمر من أمامها باستمرار بعد أن أغلقت عام 1967 وفي تفكيري أنها دار لطباعة الصحف، فأحببت القراءة وأصبحت متعلقًا وشغوفًا بكل ما يتصل بالصحافة من أخبار ومقالات وأعمدة وتحقيقات صحفية بل وأحفظ أسماء الصحفيين وأتعرف عليهم. ثم إنني لم أكن بعيدًا عن عالم الطباعة والنشر، فوالدي الشاعر والصحفي علي أمان رحمه الله هو مؤسس وصاحب امتياز مجلة ( أنغام ) أول مجلة فنية شهرية تصدر في عدن واليمن في يناير 1959 وكان يمتلك مقر مطبعتها الخاصة، وظللت لسنوات مطلعا على أرشيفها وأعدادها الأولى وحتى الأخيرة بعد أن توقفت عن الصدور عقب الاستقلال الوطني عام 1967، وأذكر كيف كنت وأنا في المرحلة الإعدادية مداوما على قراءة الصحف بل وحتى الاشتراك في بعضها كجريدة ( أخبار الأدب ) المصرية وأنتظر وصولها كل أسبوع بفارغ الصبر، وبعد تخرجي في الجامعة تهيأت لي الفرصة للإسهام في تحرير الصفحات الثقافية لبعض الصحف المحلية في عدن لفترة من الزمن كانت كافية لتعزز من علاقتي بالصحف اليومية وقراءتها وتجعلني مرتبطا بها إلى اليوم وحتى ما لا نهاية.

ما أردت الوصول إليه من خلال هذه الإيماضة الخاطفة هو التعريف أولا بعلم من أعلام الشعر والأدب والصحافة عاش في جزء عزيز من وطننا العربي الكبير، وثانيا محاولة التذكير والحث على العودة إلى الصحف اليومية ( الورقية ) كما كانت هي عادتنا سابقًا، فإن متعة تصفحها كل صباح وقراءتها والاطلاع على محتواها لا تعادلها أي متعة حتى ولو قدمتها لنا أحدث التقنيات المتطورة في عالم الاتصال من هواتف محمولة وشاشات لوحية وأجهزة تبقينا على اطلاع متواصل أولا بأول على كل ما يطرأ ويستجد من أخبار وموضوعات وقد أصبحت من الضرورات التي لا غنى عنها في هذا العصر، ومع ذلك فللصحيفة الورقية متعة ونكهة خاصتان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى