السجون البديلة خطوة لتعزيز حقوق الإنسان في الدول العربية

> المنامة "الأيام" العرب:

> ​في السنوات الماضية بدأت دول عربية خطوات جدية في إدخال العقوبات البديلة إلى منظومتها القانونية، وخرجت فكرة السجون المفتوحة إلى النور لتكون نقلة نوعية ومرحلة مهمة في تنفيذ أحكام قانون العقوبات البديلة، وآخر هذه الدول هي البحرين.

وقررت البحرين اعتماد هذه العقوبات في إطار المشروع الإصلاحي لتطوير منظومة العدالة الجنائية وتعزيز حقوق الإنسان، بينما وضعت دول أخرى شروطا وضوابط تحدد متى يمكن تطبيق هذه العقوبات، ودول أخرى تريثت في إدخال هذه العقوبات إلى منظومتها القانونية، وفضلت الاعتماد على الإطار القانوني التقليدي المؤطر لمنظومتها الجنائية.

وأعلنت السلطات البحرينية في الخامس من أبريل الحالي البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من العقوبات البديلة (برنامج السجون المفتوحة). وقال مدير عام الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة الشيخ خالد آل خليفة “هذه المرحلة، والتي يتم تنفيذها بمبنى السجون المفتوحة، تتضمن التركيز على تطوير الجانب العملي للمستفيدين من خلال تقديم برامج تساعدهم في الاعتماد على الذات وتعزيز ثقتهم وقدراتهم المعرفية والمهنية، ومشاركتهم الإيجابية في كافة مناحي الحياة، بالإضافة إلى إقامة المشاريع والاندماج بسوق العمل”.

وأضاف أن “الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة ماضية قدما في تقديم البرامج الهادفة إلى تعزيز وتطوير إمكانات المستفيدين من تطبيق أحكام قانون العقوبات البديلة”. وأشار إلى “التنسيق مع النيابة العامة وعرض قائمة المستفيدين على قاضي تنفيذ العقاب، بما يسهم في الوصول إلى الهدف النهائي وهو إدماج المستفيدين من المحكوم عليهم تدريجيا في المجتمع”.

وكانت السلطات البحرينية قد أضافت برنامج السجون المفتوحة إلى برامج التأهيل والتدريب للمحكوم عليهم بعقوبات بديلة العام الماضي، ونص القرار على أن تكون وزارة الداخلية هي الجهة المشرفة على هذه السجون.

وطبقا لنظام العقوبات البديلة، تعد الجهة المختصة بالتأهيل والتدريب تقريراً شاملاً عن سلوك المحكوم عليه عقب انقضاء مدة البرنامج المقرَّرة، ورفع هذا التقرير مباشرة إلى إدارة تنفيذ الأحكام بوزارة الداخلية البحرينية.

والسجن المفتوح هو كل سجن يقضي فيه السجناء مدة عقوبتهم مع الحد الأدنى من الإشراف والأمن والحراسة المحيطة بهم، وغالباً ما يتم تلافي احتجازهم في زنزانات. وقد يُسمح للسجناء بالقيام بوظائف أثناء قضاء مدة عقوبتهم، خصوصاً للسجناء الذين يعتبرون أقل خطورة على النظام العام.

وتعتبر العقوبات البديلة من الأنظمة العقابية الحديثة والمتاحة قانونياً من أجل معاقبة مرتكبي المخالفات الخفيفة، والتي تضمن كرامة الشخص من دون أن تسلبه حريته، وما قد يترتب على دخول السجن من تبعات نفسية واجتماعية.

وهي من الإجراءات التي أثبتت جدواها في العديد من الدول الديمقراطية لتلافي الآثار السلبية للسجن على الأفراد والمجتمع، فوفق الدراسات الاجتماعية، يترك السجن آثاراً مختلفة على الحالة النفسية والاجتماعية للسجناء، إضافة إلى التبعات التي ترافق السجين حتى بعد خروجه من الحبس المتعلقة بكيفية تعامل المجتمع معه ونظرته له، ومدى قدرته على الاندماج مجدداً، وأثر تجربته في أسرته وحتى أبنائه.

  • إشادات في البحرين والمغرب

أشاد إعلاميون وقانونيون بما حققه قانون العقوبات البديلة، فأكدت رئيسة لجنة المرأة باتحاد المحامين العرب المحامية هدى راشد المهزع أن المرحلة الثانية من تطبيق العقوبات البديلة، والخاصة ببرنامج السجون المفتوحة، تفتح أمام مهنة المحاماة والقضاء آفاقا أوسع للتعامل مع القضايا الجنائية، وتضع أمام المهنة بدائل للوصول إلى العدالة الناجزة بما يخدم استقرار المجتمع بصورة أشمل.

من جهته، قال الكاتب محميد المحميد إن المرحلة الثانية للسجون المفتوحة دليل على نجاح الرؤية واستمرارية الأهداف وفاعلية النتائج.  وأضاف المحميد أن الهدف الأسمى للبرنامج هو إدماج المستفيدين من المحكوم عليهم تدريجيا في المجتمع، وما نراه من تقدم ملموس في البرنامج، وشراكة مجتمعية من مؤسسات الدولة ورغبة من المحكومين للانضمام للبرنامج وغيرها كثير تعد مؤشرات قياس النجاح الحاصل للبرنامج، خاصة في ظل التركيز على تطوير الجانب العملي للمستفيدين من خلال تقديم برامج تساعدهم في الاعتماد على الذات وتعزيز ثقتهم وقدراتهم المعرفية والمهنية، ومشاركتهم الإيجابية في كافة مناحي الحياة، بالإضافة إلى إقامة المشاريع والاندماج بسوق العمل.

بدوره يسعى المغرب لخوض التجربة في مجال العدالة، فيما تضع وزارة العدل لمساتها الأخيرة على مشروع قانون يتعلق بالعقوبات البديلة استعدادا لعرضه على المصادقة. ويهدف مشروع القانون إلى التقليص من أعداد السجناء وتوفير تكاليف معيشتهم داخل أسوار السجن عبر اعتماد العقوبات البديلة كحل لمشكلة الاكتظاظ، وحماية الجناة من سلبيات السجن.

ويعرف المشروع العقوبات البديلة بأنها العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجرائم التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها سنتين، وتخول للمحكوم عليه تنفيذ بعض الالتزامات المفروضة عليه مقابل حريته، وفق شروط تراعي من جهة بساطة الجريمة، ومن جهة ثانية اشتراط موافقته. وذكرت لبنى الصغيري محامية ونائبة برلمانية عضو بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أن المغرب في حاجة إلى هذا المشروع، خاصة أن عددا من الجرائم البسيطة لا يستحق أن يقضي المتابعون بشأنها عقوبة حبسية.

ويأتي هذا المشروع تجاوبا مع مطالب عدد من الحقوقيين والمتدخلين في مجال العدالة من أجل تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية التي تعرف ارتفاعا مستمرا في أعداد السجناء. وجرى إنجاز المشروع بناء على استشارات موسعة مع ناشطين حقوقيين وقانونيين، وإثر الاطلاع على تجارب دول أخرى. ويستثنى من هذه العقوبات البديلة، ما يتعلق بجرائم الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ، ثم الاتجار الدولي في المخدرات والمؤثرات العقلية، والاتجار في الأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسي للقاصرين.

وبحسب المعطيات التي قدمتها المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج، فإن الفترة ما بين شهري أكتوبر من سنتي 2021 و2022 عرفت ارتفاعا في أعداد السجناء بلغت نسبته 10 في المئة، بعدما انتقلت من 89 ألفا إلى 98 ألف سجين. وكان من بين الأسباب للتفكير الجدي في المشروع الاكتظاظ الذي تشهده سجون البلاد، وضرورة إيجاد حلول تساهم في التقليص من أعداد السجناء، وتوفير تكاليف معيشتهم، خصوصا بالنسبة إلى السجناء المحكومين بمُدَدٍ قصيرة.

وكانت إحصائيات وزارة العدل كشفت أن نحو 50 في المئة من السجناء محكومون بمدة تقل عن سنتين، فيما شدد وزير العدل عبداللطيف وهبي على أن مشروع قانون العقوبات البديلة أصبح يشكل رهانا أساسيا. وأفاد الوزير في معرض رده على سؤال في البرلمان أن الوضع العقابي القائم أصبح بحاجة ماسة إلى اعتماد نظام العقوبات البديلة، خاصة في ظل المؤشرات والمعطيات المسجلة على مستوى نزلاء السجون.

كما أصبح الاعتقال الاحتياطي يشكل أزمة حقيقية، إذ كشف التقرير السنوي للنيابة العامة أن معدل الاعتقال الاحتياطي خلال النصف الأول من سنة 2021، تراوح ما بين 44 و45 في المئة.

ويشمل مشروع القانون مجموعة من العقوبات البديلة، على رأسها المراقبة الإلكترونية، والغرامات المالية، وخدمة المنفعة العامة، إلى جانب تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير علاجية أو إعادة تأهيل. وتُمكّن المراقبة الإلكترونية، من خلال قيد في معصم المعني أو بساقه، المحكمة من تحديد مكان ومدة المراقبة، وتراعى في تحديدها خطورة الجريمة والظروف الشخصية والمهنية للمحكوم عليه وسلامة الضحايا.

ويتيح مشروع القانون أيضا إمكانية استبدال العقوبات السالبة للحرية بغرامات مالية تحدد مبلغها المحكمة عن كل يوم من مدة الحبس المحكوم بها، بشرط ألا يتجاوز منطوقها سنتين حبسا. وتضم البدائل، العمل من أجل المنفعة العامة كواحد من أهم البدائل، لكن بشرط أن يبلغ المحكوم عليه 15 سنة كأدنى حد من وقت ارتكابه الجريمة، وعلى ألا تتجاوز العقوبة المنطوق بها سنتين حبسا.

ويرى رئيس المنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان جواد الخني أن هذا النهج الذي يتجه نحو عقوبات بديلة عوض العقوبات السالبة للحرية “يتفاعل مع ظاهرة الاكتظاظ في السجون من خلال تقييد الحقوق وفرض تدابير رقابية، إذ تستهدف هذه العقوبات اختبار المحكوم عليه للتأكد من استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج”. وأضاف الخني أن مشروع القانون الخاص بالعقوبات البديلة “توجّه جديد يجيب أيضا على إشكالية حقوقية وإنسانية، ويقوي التأهيل والتأديب، ويعزز الضمانات القانونية ومتطلبات المحاكمة العادلة”.

كما أن هذه الخطوة التي تدخل في إطار إصلاح منظومة العدالة في المغرب جاءت بعد دستور 2011، وإقرار عدد من القوانين الجديدة، وتطبيق عدد مهم من التزامات المغرب مع منظومة حقوق الإنسان.

  • خطوة في تونس

أما في تونس، فقد دخلت العقوبات البديلة حيّز التنفيذ في عام 2018، حيث تم تنفيذ أولى العقوبات البديلة بمحافظة المنستير في ديسمبر 2018 بحق شاب ليست له سوابق عدلية ومحكوم عليه بالسجن لمدة أربعة أشهر بتهمة السرقة، وتم استبدال نصف مدة العقوبة بأعمال البستنة لساعتين يومياً على مدى شهرين لصالح إحدى البلديات في المنطقة.

واعتبر الحكم آنذاك خطوة جريئة قد تفتح المجال أمام القضاة لإصدار المزيد من أحكام العقوبات البديلة، إلا أنها لم تتقدم بالشكل المطلوب، رغم ما تعانيه السجون في تونس من اكتظاظ تجاوز في بعضها 200 في المئة.

وينص القانون على أن الحكم بالعقوبة البديلة يشمل فقط مرتكبي الجرائم غير الخطيرة، وأن يكون الحكم الأولي سالباً للحرية لمدة تصل إلى عام سجناً، ثم يقع استبدالها بعقوبة العمل للمصلحة العامة، والتي تتمثل في ساعتي عمل عوضاً عن يوم سجن، على ألا يتجاوز الحجم الإجمالي لساعات العمل 600 ساعة في إحدى المؤسسات العمومية أو الجمعيات التي لها طابع خيري كجمعيات رعاية المسنين وغيرها.

كما يشترط القانون ألا يكون لمرتكب الجرم سوابق عدلية وأن يوافق على العقوبة البديلة ونوعها، وأن يكون قادراً صحياً على القيام بتلك الأعمال. وبحسب الإحصاءات الرسمية، يكلف السجين الواحد في تونس يومياً 47 ديناراً (15 دولاراً)، لذلك تعتبر العقوبة البديلة حلاً للتخفيف من هذه النفقات في بلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة منذ سنوات. كما أن العقوبات البديلة تحد من نسبة العودة إلى السجن التي تقدر حالياً بأكثر من 40 في المئة، بسبب عدم توفر مؤسسات وهياكل تعيد تأهيل السجين لإدماجه في المجتمع والدولة الاقتصادية.

واعتبر جمال مسلم رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن العقوبات البديلة “لم تشهد تطوراً في تطبيقها في تونس على مستوى الجمهورية، رغم توفر الإطار التشريعي الملائم، لافتاً إلى تنامي ظاهرة الاكتظاظ في السجون وارتفاع عدد الموقوفين من دون محاكمة حيث تبلغ نسبتهم 64 في المئة من جملة المودعين بالسجون".

وأشار مسلم إلى "انتشار الأمراض في السجون بسبب الاكتظاظ، علاوة على العلاقات المتوترة بين المساجين والموظفين والمسؤولين في السجن بسبب الظروف اللاإنسانية داخلها"، ورأى أن "الحل هو في تطبيق العقوبات البديلة، وعدم استسهال إصدار بطاقات الإيداع بالسجن خصوصاً عندما تتعلق الجرائم بأشخاص لا يمثلون خطراً على المجتمع".

وأكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن “المناطق التي تم فيها تطبيق العقوبات البديلة كانت نسبة العودة فيها إلى السجون أقل بكثير من المعدل العام".

ودعا الدولة إلى "التعجيل بتذليل الصعوبات إزاء اقتناء السوار الإلكتروني"، كما حض المجتمع المدني على العمل على "تأطير المساجين الذين قضوا فترة عقوبتهم واصطدموا بمجتمع لا يساعدهم على إعادة إدماجهم في الحياة الاقتصادية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى