المجلس بعد 13 شهرا

> أضحى عجز أعضائه الفاضح على التواجد في مقر الحكم المؤقت في عدن مؤشرا على عدم اهتمامهم بالمواطنين

على رغم مرور ثلاثة عشر شهرا على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي فجر السابع من أبريل 2022 إلا أن أثره في واقع العمل السياسي ما زال غائبا، على رغم سيل البيانات والتصريحات واللقاءات والزيارات الخارجية التي لا يلمس المواطنون أي أثر إيجابي لها ولا يستفيد من ترفها غير الموظفين العموميين المحيطين برئيس وأعضاء "المجلس"، وهذا بالطبع ليس تشكيكا في المزايا الشخصية التي يتمتع بها الأعضاء، إلا أن ذلك لا يمنعني من القول إن الأمر يتطلب أكثر من ذلك بكثير خصوصا أن المرحلة التي يمر بها البلد تستدعي قدرات سياسية تناسب المرحلة وفي مقدمها وضوح الرؤية وانسجامها ووجود هدف نهائي متفق عليه.

كتبت كثيرا وسأستمر بالقول إن العقبة الكأداء التي تقف وستظل ماثلة أمام "المجلس" هي غياب النظام الحاكم عن نشاطه مكتفيا بالتواصل عبر الـ"واتساب" أو الـ"زووم" وهي وسائل حديثة صالحة لإدارة علاقات بين أصدقاء وأفراد الأسرة وليس بين مجموعة سياسية جيء بها لأداء مهمة وطنية هي وقف الحرب واستعادة السلم الاجتماعي وتحسين الخدمات العامة... لكن الواقع الذي نشاهده هو الفشل الذريع في تحقيق أي منها.

بالطبع فإن التوصل إلى وقف الحرب واستعادة السلم الاجتماعي يحتاجان إلى انغماس الطرف الثاني للمعادلة، وأقصد جماعة "أنصار الله" الحوثية، بنزاهة وإرادة حقيقية وتخل عن منطق إن القوة وحدها ستأتي بالحق الذي يرونه، وذاك أمر ممكن، لكنه لا يمكن أن يصبح مستداماً ولا مقبولا وطنيا. وما أراه اليوم هو أن "الجماعة" تظن، وهي مخطئة كليا في ذلك، أن احتمالات توصلها إلى تفاهمات دائمة سياسية وأمنية مع الرياض هو انتصار لها، لكن ما يجب أن تدركه هو أن ذلك لو حدث لن يكون كافيا كي ينخرط اليمنيون في حوارات وطنية بعيداً من لغة الاستقواء بالسلاح إذا لم يتحقق قبول الأغلبية بمخرجاتها.

إن استقرار الأوطان والشراكة الكاملة المتساوية لا يمكن إنجازها بتفاهمات خارجية فقط، ولعل "الجماعة" تشعر بأنها قادرة بها وحدها أن تستمر في التحكم المطلق بالأوضاع الداخلية، وهو أمر لن يتحقق إلا بمواصلة اللجوء الى القوة والعنف وهذا سيخلف احتقانات ستنفجر حتماً في وجه مشروعها الذي لا يمكن القبول به كما نقرأه اليوم.

ومع أن "الجماعة" تمارس سلطاتها بقمع ورفض الإنصات إلى كل الأصوات المعارضة، وحتى الناقدة، التي تصدر من داخلها ومن خارجها ولا تقيم لها وزنا، فإنها ستجد نفسها وحيدة في مواجهة مع المجتمع كله بمن فيهم المجاميع الكثيرة التي تحالفت معها إما اتقاءً لبطشها، أو حمايةً لمصالح مادية بعيدة من المصلحة الوطنية.

الكل يعترف أن العامل الحاسم الذي مكن "الجماعة" من استمرارها طيلة السنوات التسع الماضية، هو حيوية قياداتها وقدرتهم على امتصاص الغضب وتجاهله مستفيدةً من الحرب الطويلة، فاستخدمتها وسيلة لحشد المجتمع خلف مشروعها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي... هذا العامل هو فساد "الشرعية" ورخاوتها وانشغالها وعدم توحدها خلف مشروع مضاد لما تقوم به "الجماعة"، مكتفية بالضيافة الكريمة من دول التحالف وخصوصاً الحكومة السعودية معتمدةً على دعمها المادي الضخم والعسكري الذي كان واضحا أنه لا يمكن استمراره إلى أمد طويل.

وحين تم التفكير بمعالجة أسلوب إدارة السلطة في معسكر "الشرعية" جرى الأمر في السابع من أبريل 2022 بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، الذي كان واضحا أن الغرض منه هو خلق مؤسسة تجمع الكيانات، التي ترى في الحوثيين خصما في الوقت الذي تسكن الخلافات بينها هي أيضا، ولم يتمكن "المجلس" من الارتقاء بأدائه بسبب الضعف المؤسسي والهيكلي مما شكل عائقا يصعب تجاوزه قادرا على الوفاء بالتزاماته الأخلاقية والدستورية، كما أن سوء إدارة "المجلس" أفشل حصوله على الدعم الوطني، وأضحى عجز أعضائه الفاضح على التواجد في مقر الحكم المؤقت في عدن مؤشراً إلى عدم اهتمامهم بالمواطنين، وأظهر أنهم غير مكترثين لمعالجة أزمات الناس.

إلى هذه اللحظة لم يشعر المواطنون بأي تغير ملموس في حياتهم اليومية حتى على مستوى اللغة الرثة التي يستخدمها الإعلام الرسمي ومواقع التواصل الاجتماعي التي يمولها "المجلس" بسخاء للترويج للتصريحات والقرارات ومزاعم الإنجازات، وهذا أمر بالغ الخطورة يضعف حظوظ "الشرعية" في أي حوارات محتملة في المستقبل مع الحوثيين لأن سيطرة "المجلس" مفتتة بين قوى مسلحة كثيرة، بينها من الخلافات ما يصعب تجاوزه بالقيادات الحالية.

تسبب الضعف في بنية "المجلس" بإصابة العمل السياسي بالوهن حد العجز، وانعدم الخيال السياسي الذي يكفي للقيام بأي مبادرة تعيد شيئاً من الحياة والحيوية للمجتمع وللأحزاب البائسة التي تكلست قياداتها وقواعدها، ولم تعد قادرة على استنساخ بدائل تسمح بعودة النشاط السياسي الهزيل أصلا، واستسلمت القيادات لدفء الالتصاق بالحكم لضمان استمرار ما حصلت عليه من مزايا مادية مغرية يتمسكون بها ولا يرغبون في التنازل عنها على رغم أنهم يدركون أنها غير مقبولة أخلاقياً، وبلا وجه حق لأنها بلا مردود على الناس.

ومن عجائب "المجلس" أنه قام بتوزيع الدرجات الوظيفية المغرية وما يلحق بها من سفه في دفع المرتبات على الهيئات، التي شكلت في 22 أبريل 2023، لغرض مساعدته، وهي في الواقع لم تنجز ما يستحق الإنفاق عليه من المال العام، واكتفى بعضها في الإعلان عن اجتماعات وإطلاق تصريحات مكررة ومملة وادعاء التوافق على بعض الوثائق التي بقيت طي الكتمان وإبقائها حبيسة الأدراج بحسب التقاليد التي ما زال الحزبيون يمارسونها في كل مؤسسة يستولون عليها.

أوضاع "المجلس" محزنة وقدرته على الإنجاز ضعيفة، ووضع كهذا يتطلب الجرأة على المواجهة لا الاختباء، ويستدعي وجود رؤية واضحة لما يراد تحقيقه في حدود المتاح ووقف العبث في إنفاق المال العام للحصول على إشارات الإعجاب على التصريحات واللقاءات، التي لا ينتج منها إلا مزيد من الصور والكلمات الفارغة من أي مضمون.
اندبندنت عربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى