عالمنا اليوم ..!!

> لم يعد مغلقا بل أصبح وطنا يضم الجميع، كما أن حدود الدول مَرْسومة لتكون فاصلا بين دولة وأخرى، ما هي إلا خطوطٌ خيالية منقوشة على ورقٍ لِلِاسْتِدْلَالِ على مكان وجود هذه الدول والطريق المُؤَدِّي لها، وما هي إلا أسطر وأشكال على لوحة في فصل دراسي يتم من خلالها تعليم الأطفال جغرافية موقعها و مساحتها وعدد سكانها وتضاریسها، أيّ أنها حدود وهميّة لا أساس لها على أرض الواقع ، فهل من اللائق أن يتقاتلون الناس لأجل الوهم؟

والجميع أمّة واحدة، والجميع من سلالة آدم، وأعضاء عائلة واحدة، وغاية ما في الأمر أنّها عائلة عالمية كبيرة.

ولقد خلقنا الله سبحانه وتعالى مختلفين في أشياء كثيرة، منها الشكل والطباع واللغة والاهتمامات وغيرها الكثير، لا لشيء سوى أن نتعارف ونتشارك في ما بيننا ويعوض كل منا الآخر ما ينقصه .

ومن الطبيعي أن نختلف في آرائنا وأفكارنا، معتقداتنا وطريقة عملنا، أذواقنا وميولنا، مواهبنا وقدراتنا... ولكن العجيب أن نتنازع من أجل هذا الاختلاف .

لذا لابد أن نُميِّز أولا بين الاختلاف والخِلاف، إن الاختلاف مبدأه حضور العقل والدليل في فعل التواصل والتحاور، بينما الخِلاف مبناه غياب العقل والدليل، كما يستند الاختلاف إلى مكارم الأخلاق عمليا على عكس الخِلاف الذي يسوده الحقد والكره لأن كل فريق يرى نفسه هو الأصح، وكل من عاداه باطل.

إن فكرة الخلاف المكتسبة والمترسبة في الوجدان البشري تجعلنا غير قادرين على تقبل الآخر، أو الإعتراف بوجوده حتى، إذا نظرنا عن كثب، سنكتشف أن كل الصراعات، والحروب، والقتال، وحتى المشاحنات الصغيرة اليومية، تنطوي على هذه الفكرة، أنت مختلف معي في الجنس، العقيدة، المبادئ، الجنسية، الأفكار، الميول، والرأي، أنت تشجع فريقًا ما، وأنا أشجع الآخر، كل هذه الاختلافات تكبر وتتحول كل يوم إلى فجوة عملاقة ستبتلع الجميع.

فلنتأمل قليلا لنفهم كيف أن عدم تقبلنا للاختلاف هو في جوهره عدم تقبل للذات، فلولا الاختلاف لما كنا نحن كما نحن ولما كنت أنت وهو وهي كما هم اليوم،

ومهما اختلفنا لكننا نتحد من حيث الجوهر، وجوهر وجود الإنسان ما هو إلا النُبل والشرف وهدفه في صقل وإبراز معدن فضائله الرحمانية في مسعاه لتحقيق القيم الإنسانية على هذه الأرض، وفي هذا المسعى قد نختلف أيضا في الوسائل والسبل كما قد تواجهنا نفس التحديات وربما تختلف، لكن قد نتفق جميعا على أن التحديات الحقيقية التي تواجه تحقيق الإنسان لإنسانيته هي الجهل والتعصب والفقر والظلم وغياب العدالة وأشرسهم هي الأنانية وحب الذات، وبالتالي فإذا تبين العدو الحقيقي سيتحد الإنسان مع أخيه الانسان بغض النظر عن نسبة قرابته، جنسه، عقيدته، ثقافته، رأيه ... لمواجهة العدو الحقيقي للإنسانية، وبالتالي لن نفكر بعد ذلك في مشاكلنا الهامشية مع الآخر وننظر له على أنه غريب، بل سنراه فردا من أسرتنا الإنسانية الكبيرة، هذه الأسرة التي لم يتسن لنا بعد التعرف على كل أعضائها.

إن التنوع والاختلاف هو رافد مهم من روافد التقدم القويم والصحيح، معنى هذا الكلام أنه في داخل مجتمع ما، مهما اختلفنا وطالما قبلنا الاختلاف وجعلناه بوابة للحوار وتبادل الأفكار، فإن ذلك لا يمكن إلا أن يكون نافعا للمجتمع برمته، لأن الاختلاف والحوار الذي قد ينتج عنه لا يغيران مقدار ذرة في وصال المختلفين، كما أن إحياء لغة الحوار هي أولى الخطوات نحو بناء مجتمع يؤمن بثقافة التنوع و الاختلاف و يتقن فن إدارته كنعمة و رحمة إلهية وسبب أساسي لازدهار العالم بأسره، بينما ينظر للخلاف على أنه علة التحجّر والتخلّف.

فهل آن الأوان أن نرى أنفسنا مواطنين عالميين مسؤولين عن بناء عالم جديد خالٍ من الصراعات عديمة الجدوى، وأن نخدم مجتمعنا الذي يسكننا ويحيى في قلوبنا وأن نعمل بضمير حيّ وعقل وقاد بنور العلم والسلام، كي ينال حظه من تلك الثقافة الراقية الداعية لتطوير الإنسان والحياة، ونحن نعيش في قرن الأنوار.

وما أحوجنا اليوم لإتقان هذه الثقافة وعلى رأسها الالتزام بالأدب و احترام الرأي الآخر، وتقبل ما يقوله أثناء الحوار بغض النظر عن القناعة به، والتسامح معه مهما تباعدنا في وجهات نظرنا أو معتقداتنا الدينية أو العرقية أو المجتمعية. ومن هذا المنطلق يجب علينا أن نبدأ بأطفالنا لينشأ لدينا لاحقا أجيال ذات عقول ناضجة وأرواح طيبة تقرّ بحرية إبداء الرأي بعيدا عن التعصب والكراهية، جيل منفتح يحترم حرية الجميع و يحاور برقي ولا يعرف العنف والظلم، الاستقصاء، والاستئساد، يتخلص كليا من وباء أحادية التفكير، يستقبل التنوع والاختلاف بقلب سليم، وكأنهم بعث جديد.

ودمتم سالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى