حرب أردوغان الأخيرة من أجل الاستمرار في السلطة

> «الأيام» رويترز:

> ​خلال العقدين اللذين قضاهما في السلطة، احتفظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصورة الزعيم القوي الذي لا يقهر، لكن مستقبله أصبح على المحك في وقت قد يتحول المشهد السياسي لمصلحة خصمه في الانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم الأحد.

وصعد نجم أردوغان بعد بدايات متواضعة ليحكم بلاده 20 عاماً، أعاد خلالها رسم سياستها الداخلية والاقتصادية والأمنية والخارجية، وأصبح منافساً للزعيم التاريخي مصطفى كمال أتاتورك الذي أسس تركيا الحديثة قبل قرن من الزمان.

حان وقت القصاص

وواجه أردوغان، وهو نجل قبطان بحري، رياحاً سياسية معاكسة قبل انتخابات اليوم الأحد، فبينما كان يعاني بالفعل تحميله مسؤولية أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد، جاء الزلزال المدمر في فبراير (شباط) الماضي ليترك حكومته متهمة ببطء الاستجابة والتراخي في تطبيق لوائح بناء كان من المحتمل أن تنقذ أرواحاً.

وفي وقت تظهر استطلاعات الرأي أن المنافسة قوية، قارن المنتقدون الظروف الحالية بتلك التي جاءت بحزبه (العدالة والتنمية) ذي الجذور الإسلامية إلى السلطة عام 2002 في انتخابات خيم عليها أيضاً تضخم مرتفع واضطراب اقتصادي.

وقبل يومين من الانتخابات قال أردوغان إنه وصل إلى منصبه من طريق صناديق الاقتراع، وإذا ما اضطرته الظروف فإنه لن يغادره إلا بالطريقة ذاتها.

وتابع في مقابلة تلفزيونية يوم الجمعة الماضي، "سنقبل جميع النتائج التي تأتي بها بطاقات الاقتراع، ونتوقع الأمر نفسه من معارضينا"، أما خصومه فيرون أن يوم القصاص حان.

حرب الخصوم النموذجية

وفي ظل حكمه تمكن من جمع خيوط جميع السلطات في يده من خلال نظام الحكم الرئاسي التنفيذي، وقمع المعارضة وسجن منتقديه ومعارضيه وسيطر على وسائل الإعلام والقضاء والاقتصاد، وكدس المؤسسات العامة بالموالين وأضعف أجهزة الدولة المعارضة.

وتعهد خصوم أردوغان بإلغاء كثير من التغييرات التي أدخلها الرئيس الحالي على تركيا، والتي سعى إليها في إطار رؤيته لمجتمع متدين ومحافظ له كلمة على المستوى الإقليمي.

لكن الأخطار الكبيرة التي تمثلها انتخابات اليوم الأحد ليست جديدة على أردوغان الذي قضى قبل ذلك عقوبة السجن لأنه ألقى قصيدة شعر ديني، ونجا من محاولة انقلاب عسكري عام 2016 عندما هاجم جنود مارقون البرلمان وقتلوا 250 شخصاً.

ومع وجود كثير من الأمور على المحك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، يستهدف السياسي المخضرم الذي فاز في أكثر من 10 انتخابات منتقديه بحرب نموذجية.

وملأ أردوغان الفترة السابقة للانتخابات باحتفالات حول الإنجازات الصناعية، بما في ذلك إطلاق أول سيارة كهربائية تركية وتدشين أول سفينة هجومية برمائية تم بناؤها في إسطنبول لحمل طائرات مسيرة تركية الصنع.

كما أسرع أردوغان بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياط مكتشف في البحر الأسود، ووعد بتوفير الغاز الطبيعي مجاناً للمنازل، وافتتح أول محطة للطاقة النووية في تركيا خلال حفل شارك فيه عبر الإنترنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وشملت هجماته على تحالف المعارضة الرئيس اتهامات بأن التحالف يتلقى دعماً من حزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمرداً منذ الثمانينيات أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص.

ورد كليتشدار أوغلو، الذي حصل على تأييد حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، بالدفاع عن حقوق هذه الطائفة متهماً أردوغان "بمعاملة ملايين الأكراد كإرهابيين".

وفي إطار مساعيه إلى استعادة شعبيته بين الناخبين المحافظين، أدلى أردوغان أيضاً بتعليقات مناهضة للمثلية الجنسية، ووصف حقوق مجتمع الميم بأنها مفهوم "منحرف" سيحاربه.

بإشارة من إصبعه

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات ربما تمضي نحو جولة ثانية في وقت لاحق من الشهر الجاري إذا لم يفز أردوغان أو كليتشدار أوغلو بأكثر من 50 في المئة من أصوات الناخبين.

وتظهر بعض الاستطلاعات تأخر أردوغان، مما يشير إلى عمق أزمة كلفة المعيشة التي أثارتها سياساته الاقتصادية غير التقليدية.

وأطلقت السلطات حملة لخفض أسعار الفائدة في إطار مواجهة التضخم المرتفع بهدف تعزيز النمو الاقتصادي، لكنها أدت إلى انهيار العملة في أواخر عام 2021 وتفاقم التضخم.

وكان الاقتصاد أحد الركائز الأساس لأردوغان خلال العقد الأول له في السلطة، عندما كانت تركيا تتمتع بالازدهار المستمر مع مد طرق جديدة وبناء مستشفيات ومدارس جديدة وارتفاع مستويات المعيشة لسكانها البالغ تعدادهم 85 مليون نسمة.

وقالت التركية حليمة دومان إن الأسعار المرتفعة جعلت السلع في كثير من محال البقالة ليست في المتناول بالنسبة إليها، لكنها لا تزال مقتنعة بأن أردوغان لا يزال قادراً على حل مشكلاتها.

وقالت حليمة في سوق وسط إسطنبول "أقسم أن أردوغان يستطيع حلها بإشارة منه".

نشأ الرئيس التركي في حي فقير بإسطنبول والتحق بمدرسة مهنية إسلامية ودخل السياسة كزعيم للشباب في حزب محلي، وبعد أن شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول صعد إلى المستوى الوطني كرئيس لحزب العدالة والتنمية وصار رئيساً للوزراء عام 2003.

وتمكن حزب العدالة والتنمية بزعامته من ترويض الجيش التركي الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960، وفي عام 2005 بدأ محادثات لتحقيق طموح استمر عقوداً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة تعطلت لاحقاً بشكل كبير.

زعيم أدمن السلطة

نظر الحلفاء الغربيون في البداية إلى تركيا بقيادة أردوغان على أنها مزيج حيوي من الإسلام والديمقراطية يمكن أن يكون نموذجاً لدول الشرق الأوسط التي تكابد للتخلص من الاستبداد والركود، لكن مساعيه إلى فرض سيطرة أكبر سببت حال استقطاب في البلاد وأثارت قلق شركائه الدوليين. واعتبر المؤيدون المتحمسون ذلك مجرد مكافأة لزعيم أعاد التعاليم الإسلامية إلى صميم الحياة العامة ودافع عن الطبقات العاملة المتدينة، غير أن المعارضين رأوا أن ذلك هو إمعان في الاستبداد من جانب زعيم أدمن السلطة.

وبعد محاولة الانقلاب أطلقت السلطات حملة إجراءات صارمة، إذ احتجزت أكثر من 77 ألفاً في انتظار المحاكمة وتم فصل 150 ألف موظف حكومي أو وقفهم عن العمل، وتقول منظمات معنية بحقوق الإعلاميين إن تركيا صارت أكبر دولة تسجن الصحافيين في العالم لبعض الوقت.

وقالت حكومة أردوغان إن الحملة كانت نتيجة للتهديدات من أنصار الانقلاب، وكذلك تنظيم "داعش" وحزب العمال الكردستاني.

وعلى الصعيد الداخلي يقف مجمع القصر الرئاسي الجديد مترامي الأطراف المقام على مشارف أنقرة كعلامة بارزة على سلطات أردوغان الجديدة، أما على الصعيد الخارجي فإن تركيا تستعرض قدراتها بشكل متزايد وتدخلت في سوريا والعراق وليبيا، وغالباً ما تنشر طائرات مسيرة عسكرية تركية الصنع بقوة حاسمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى