السياسة التعليمية المفروضة على الجنوب صعبت معالجة الاختلالات

> يجري العمل حاليا بأوضاع استثنائية للتعليم في الجنوب، وبالأخص من بعد العام 2007م والعقاب الجماعي، الذي فرض عليه بعد خروج الشارع الجنوبي مطالبا باستعادة دولته، ولم يعد من الطبيعي استمرار العملية التعليمية في الوضعية الاستثنائية وغياب الاستراتيجية العامة للتعليم في بلد يسعى لاستعادة هويته.

للأسف الشديد لم تهتم القوى السياسية الثورية لوضعية التعليم، ولم تخض أي تحد لتصحيح أوضاعه أو رسم خطط لها أبعاد جغرافية وإيديولوجية تنشئ الجيل على نهج مرتبط بالواقع حتى في ظل وجود التناقض والرفض الاجتماعي الجنوبي لمسمى الدولة الواحدة وبرامجها وسياساتها إلا ماكان من قبل أفراد (معلمين ومعلمات).

إن السياسة التعليمية للجمهورية اليمنية واحدة من السياسات المرفوضة في الجنوب إلا أنها ظلت سارية المفعول بفرض الأمر الواقع ويستمر العمل بها حتى يومنا هذا بآلية عقيمة مضطربة وغير مستقرة، ينظر إليها بعض المتابعين بنظرة خوف وقلق كبيرين، حيث تؤكد الكثير من الشواهد على أن التعليم في الجنوب كان ولا يزال مستهدفا من قبل أطراف الصراع السياسي في اليمن والقوى الانتهازية، التي تستخدم التعليم وأدواته لأغراض الابتزاز السياسي، وقد ظهرت حقيقة هذا القلق في الجنوب مبكرا جراء استنساخ التجربة، الموجهة للتعليم في اليمن الشمالي كما كان يطلق عليه قبل الوحدة، ونقل تجربة التعليم المزدوج الحكومي والمتحزب إلى عدن وبعضا من محافظات الجنوب وهو نوع من أنواع التعليم المبرمج لصالح سياسة حزبية دينية.

لقد أفرز هذا النوع من التعليم خللا فكريا، وأوجد تناقضا اجتماعيا في مفردات التعليم وأدواته وبالتالي انعكس ذلك التناقض على مخرجاته ويعد هذا أكبر شق ضرب جدار التعليم المنتظم في الجنوب، وكسر هيبته وقيمته الأيدلولوجية وفتح الباب أمام أي تغييرات أخرى تنسل إلى جسد الهيكل التربوي والتعليمي وبالفعل بدأ التعليم في الجنوب يتعرض لكثير من الاستحداثات الضارة والمقوضة لمداميكه الضاربة جذورها في أعماق العمل التربوي والتعليمي المتميز في المنطقة والإقليم.

تدريجيا وخلال السنوات التي تلت حركة التغيير السياسي واتباع منهج الربيع العربي المطالب بإسقاط النظام سقطت مع النظام منظومة القيم التعليمية والتربوية في الجنوب، واهتزت هيبة المدرسة والمعلم والكتاب المدرسي وفقدت الإدارة المدرسية قرارها واستقرارها وخضعت العملية التعليمية لاحتياجات الشارع وسطوته، فخرج الكتاب المدرسي إلى السوق قبل مستودعات مكتب التربية والتعليم في المحافظات وتجمهر الأهالي حول المدارس لحماية حق أبنائهم الطلاب والطالبات بالحصول على معدلات مرتفعة، واستخدام وسائل النجاح القهري وإجبار المراقبين على فتح الباب للغش العلني في الامتحان فانكسر كبرياء المعلم وشعر بالإهانة والاستحقار، فرفض العديد منهم المشاركة في محرقة القيم في الامتحانات النهائية.

تبعا لكثير من المتغيرات التي طرأت على طبيعة العمل التربوي والتعليمي ظهرت الحاجة إلى التعليم المنضبط، ولأن راسمي سياسة التعليم المفروضة على الجنوب على علم مسبق بالتوجه للبحث عن البدائل وليس أمامهم إلا التعليم الخاص، فدفع أصحاب تلك السياسة بالرأسمال المتكدس بين أيدي عناصرهم إلى الاستثمار في قطاعات التعليم، فانتشرت المدارس الخاصة والمطابع الخاصة للكتاب المدرسي والوسائل التعليمية، وتوفير كل الاحتياجات المثلى للتعليم المنضبط كي يدفع الأهالي بأبنائهم نحوه، وزعزعة ثقة الجمهور بالتعليم الحكومي. كل تلك السياسة تم تنفيذها بخطط مدروسة وممنهجة.

وأكثر من كل ذلك ماتعرض له المعلم الجنوبي من ظلم وتعسف وتجويع وإفقار ورفع الغطاء عنه اجتماعيا والتخلي عنه وتركه فريسة الفقر والمرض والأزمات النفسية والفشل الاجتماعي، كي ينكسر ويحتقر العمل في مهنة التعليم، بحرمانه من الحق في العيش بكرامة، ليجري عاجزا خلف لقمة العيش التي أذلته وقهرت كبرياءه، وأشعرته بالقيمة الاجتماعية للوظائف العليا واستصغار وظيفته كمعلم، وهذا أثر سلبا عند البعض ممن دفعته الحالة التعسفية تلك إلى تغيير سلوكه الاجتماعي كمعلم.

إن الساعي إلى البحث عن معالجات لما يعاني منه التعليم في عدن والجنوب عامة، لن يتمكن من تحديد نقطة الانطلاق للمضي نحو تنفيذ برنامج المعالجات للاختلالات، والسبب في ذلك يرجع بدرجة أساسية إلى انتهاج السياسة التعليمية العقابية، التي تمارسها قوى مازالت تمسك بأدوات التعليم ومساراته ومتحكمة بها، وتديرها بآلية الشد والجذب ومنطق الفعل وردة الفعل.

المسؤولية تقع وبكل صراحة وشجاعة على القوى السياسية الجنوبية، عليهم أن يعلموا علم اليقين إن التعليم أداة تحكم بيد السلطة السيادية، تنشئه كيفما خططت له فهي تستطيع أن تنشئ جيلا خلال 12 عاما دراسيا، تغرس فيه خلالها ماتريده، كقيم الوفاء والإخلاص لله وللوطن وللشعب، وتسخره ليستخدم طاقاته وإمكانياته في خدمة المجتمع وتنميته وتطويره، ولن يستكمل العام الأخير من فترة الدراسة النظامية إلا وقد تكونت لديه شخصية متوازنة بسلوك قويم يحمل لدينه ولوطنه وشعبه كل الحب والتقدير، والشعور الذاتي بأداء الواجب تجاههم وسيحمل على عاتقه مهمة بناء مجتمعه بما أوتي من قوة، ذاك لأن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، والدول الناهضة الراغبة في تصحيح أوضاعها ومعالجة الاختلالات، التي تعاني منها ليس عليها إلا أن ترسم سياسة تعليمية هادفة، وتسخر إمكانياتها وقدراتها لتنفيذ الخطط المرسومة بدقة واهتمام، وحتما ستحقق هدفها وستحصد مخرجات عالية الجودة لاتعرف الغش ولا الفساد ولا الخيانة ولا التفريط بالواجب نحو الوطن والشعب.

حينها سيكون ذلك الجيل هو الذي سيعيد للوطن وللشعب كل حقوقه، وسينهض بهما نحو آفاق الغد المشرق والنهضة والتنمية والتقدم والازدهار فمن جد وجد ومن زرع حصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى