كيف تقرأ الحكومة تدهور وضعنا المعيشي

> لن يصدق أحد بأن الحرب وتداعياتها هي وحدها السبب في تدهور وضعنا المعيشي، فمراحل التدهور الاقتصادي طويلة العهد نجدها في انشغال السياسيين بترتيب الوضع السياسي وأركان الحكم وتناسيهم الواجب الأهم الذي عليهم أيضا وهو تثبيت الوضع الاقتصادي وأركان معيشة الناس، وهذا ما غفلوا عنه طيلة الثلاثة العقود الماضية فأدخلوا البلد دائرة الفشل والعجز الاقتصادي المستندي فقط، بينما الأرصدة والحسابات النقدية والعينية المتسربة من خزينة الدولة بعناية وتخفي من مكافحة الفساد تشهد تضخما وطفرة نوعية لم تمر بتاريخ الدول في العالم أجمع.

إن أعداد الأعيان التجارية وليدة اللحظة والغير مرتبطة بتاريخ أي نشاط تجاري طيلة العقود الثلاثة الماضية تزداد بشكل مثير وبطريقة سحرية نقلت أشخاصا وكيانات إلى مستوى كبار المكلفين ضريبيا، فشركاتهم ووكالاتهم التجارية وبنوكهم، هي اليوم واحدة من أعمدة اقتصاد فقاعي مزاوج بين النشاط التجاري والمنصب الحكومي، فوكيل حصري هو مسؤول حكومي مدني أو عسكري في بعض الأحيان وهذا مريب.

هذا النشاط التجاري الكبير والقفزة النوعية لأرصدة تجار الطفرة وحساباتهم البنكية في الداخل والخارج تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن البلد لديها مخزون نقدي ضخم جدا، ثم تدعي الحكومة وجود عجز كبير في الموازنات تتم مناقلته عاما بعد آخر، بوجود تناسب طردي بين ارتفاع أرصدة الأموال للأفراد والمؤسسات وزيادة نشاطهم التجاري وبين حصة الدولة من الضرائب والواجبات الزكوية وغيرها، فكيف تقرأ الحكومة وضع المعيشة المتدهور منذ سنوات؟ وكيف يترجم الخبراء والمختصون ويفهم المراقبون قياس النسبة والتناسب المختل.

إن تداول النقد يفوق الخيال في شراء القات والأثاث والكماليات والسيارات الحديثة وبناء وبيع وشراء الفلل والعمارات وتشييد المشاريع العملاقة للأسواق التجارية والمطاعم الراقية والمتنزهات داخل البلد وخارجها؟ وبالمقابل تنعدم الخدمات والشعب يتجرع مرارة العوز والفاقة ويستقيم في طوابير التسول ينتظر ما تقدمه المنظمات من هبات ومساعدات يضلل بها الرأي العام.

ويا ترى كيف تقرأ الحكومة حجم التسجيل التجاري في الغرفة التجارية للكثير من الأسماء التجارية المستحدثة والمضافة إلى قوائم الاستحقاقات الإيرادية للضرائب والواجبات، أليس في اتساع دائرة النشاط التجاري وارتفاع نسبة التداول النقدي في الأسواق مؤشر إيجابي يبين حجم الدخل المرتفع للفرد في الدولة بوجود حركة تجارية في توسع منقطع النظير.

مالا يفهمه أحد هو صمت الحكومة إزاء هذا الانحراف الاقتصادي وخروجه عن أهداف التنمية والجدوى الاقتصادية في البلد وعدم مساهمته في تعزيز حجم موارد الدولة، فكيف يفسر هذا النشاط التجاري وفي أي باب يتم تصنيف ارتفاع أرصدته وحساباته؟

أليس لدى الحكومة ترجمة لهذا التناقض والخلل، فكم هي نسبة النقد المتداول يوميا في السوق خارج أهداف التنمية الاقتصادية؟ فعلى سبيل المثال، يفترض كحد أدنى أنه يتداول ما نسبته 1000 ريال يوميا في القات لعدد تقريبي 6 مليون شخص يتعاطى القات ما يعني أن 6 مليار ريال يصرف يوميا في القات ويقابله 6 مليار تصرفه للوقود والاتصالات والتواصل و6 مليار تنفقه في التغذية والولائم والضيافات والسفريات ليصل تقريبا ما يتداول نقدا في السوق يوميا مبلغ 18 مليار ريال يوميا ويتوقع أنه أكثر من ذلك بكثير، وهو في الميزان الاقتصادي إنفاقا ضخما يعبر عن ازدهار اقتصادي في البلد لامثيل له ، وسيولة نقدية تعطي صورة مغايرة لمستوى دخل الفرد المرتفع بشكل كبير جدا يصيب الدول الداعمة بالحيرة فكيف لها أن تدعم شعب ينفق في الكماليات والمتعة والكيف أكثر من 15 مليون دولار يوميا، لكن ما من شيء حقيقي على الأرض ولا ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي المتعارف عليه دوليا في موازين ومعايير الاقتصادات الحكومية في الموازنات العامة للدول.

فما الذي يدور في البلد اقتصاديا ومنذ سنوات ما قبل الحرب؟ وما هذا الغموض والاضطراد النسبي وعدم القدرة على تحديد ماهية اقتصاد الدولة وشخصيته، أهو إدارة اقتصادية ناجمة عن دراسات وتقارير أم هو استهلاك واستنزاف متسارع ومتعمد وخلل نتج عنه عدم سيطرة؟ وكما يقال في السوق حساب البقالات.

يتداول الكثيرون أن لدى الدولة عجز بالمليارات تسبب بحرمان الشعب من الحياة الكريمة بينما هي في وضعية لا يظهر منها ذلك!! فكيف تفسر الحكومة الإنفاق على أدواتها واحتياجاتها بما لا يقل عن مستوى الإنفاق الراقي والرفاهي لأعضاء حكومات الدول الأكثر والأعلى نموا اقتصاديا فلا فارق البتة بين مسؤول حكومي محلي وآخر في دولة غنية ولهذا تسقط أموال الدولة وحساباتها في القمائم المتعفنة للفساد، فبإمكان الحكومة تقنين الإنفاق والتزام معيار التقشف ورصد هذه المليارات وأكثر منها بكثير من خلال جمع القمامات المالية المتسخة بالفساد والاختلاس والتسرب النقدي والمالي من خزينة الدولة المخرومة من كل الجوانب وإعادتها إلى الصندوق الذي لم يجد أمينا له حتى يومنا هذا، حينها تستطيع الحكومة أن تساهم بتقديم مساعدات غذائية للدول الفقيرة والأشد فقرا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى