حسين أحمد الفقير.. التاريخ حين يتكلم

> البدوي الأصيل بملامح العدني الخالص، حسين أحمد الفقير، يستطيع أن يصنع الدهشة بحديثه عن موئل فتوته، وشبابه، وكهولته، والشيخوخة؛ عدن: الحارات والبيوت والناس وإيقاع الحياة وصخب الأحداث وتبدل الأزمنة وكأنه حارس المعبد في الأساطير الإغريقية.

وكان مرجعية لنا في منتدى (الأيام) بمن فينا الراحل نجيب يابلي إذا ما احتاج الأمر الدخول في تفاصيل الشخصيات العدنية.

فإذا انساق الحديث إلى دثينة والفضلي والعواذل ولحج فسوف يسد نقص فهمنا عن تلك المراتع ومن دب عليها وصنع تاريخها الحديث.

يدخل علينا حسين أحمد الفقير فجأة منتدى (الأيام) على نهاية القرن الماضي، أو لعلني كنت أنا الوافد الجديد إلى عوالم هشام وأخيه تمام في منتداهما المدرسة.

وكان حسين الرائع أقرب إلى صاحب الحظوة هشام في زياراته للمنتديات العدنية وللمحافظات الأخرى ويأخذ بذلك صفتي المستشار المقرب والحارس المحافظ على الباشراحيل هشام المطلوب رقم 1 لنظام عفاش بعد أن صاغ هشام استراتيجية النهوض بالقوى الجنوبية المناهضة للاحتلال، وسخر (الأيام) ومن فيها ومن حولها لذلك الغرض.

واللافت، عند الاقتراب من حسين أحمد تجليه ونبوغه الفطري في التاريخ والأدب والسياسة والسير الذاتية للشخصيات الكبرى في بلادنا.

ولعل لنشأته في الحاضرة الساحرة عدن نصيبًا في ذلك، فالإنسان أينما وجد لا أينما ولد.

حيث يستطيع العم حسين أن يبهرك وهو يخوض في التاريخ، ويسترسل معجبًا بالمعلقات ويردد معلقة عمرو بن كلثوم بما فيها من اعتداد زائد بمجد القبيلة التي استطاعت قتل ملك الحيرة عمرو بن هند.

وستجد المتني شاغل الناس والأزمان حاضرًا في ذاكرته، قبل أن يعرج على القمندان وأمان وجرادة والبردوني ..إلخ.

اتذكر؛ وقد كنت كثير التحدث في المنتدى عن الفنان الأسطورة فضل محمد اللحجي، ما قاله لي العم حسين عندما كان مناوبا في الحراسة على الغرفة التي نقل إليها الفنان فضل محمد في مستشفى (الملكة) بعد تعرضه لإصابة بليغة أودت بحياته فيما بعد: قال: كانت إلى جوار فضل في المستشفى امرأة كبيرة في السن خاطبها فضل والدماء تغطي وجهه:

يا أماه هل رأيتِ أحدًا في الدنيا يقتل فنان!؟

كان حسين أحمد قد التحق بالأمن قبل الاستقلال عام 1967 م ومن زملاء دفعته: أحمد عبدالله المجيدي وفيصل علوي ومحمد ناصر عويضان وعبيدان (و الأخيران من قرية هران ديان).

ولعل فترة التحاقه بالعمل في عدن هي ما مكنته من الاطلاع والغوص في الحياة الاجتماعية والسياسية وصقلته لنتعرف عليه بعد عقود بهذه الشاكلة العجيبة المبهرة وبمزايا الإنسانية الجمّة.

وكان رحيل الباشراحيل هشام قبل عقد ونيف بداية التأريخ لانفراط عقد منتدى (الأيام) في مرحلته الثورية الصاخبة وتفرقنا، وأصبحت اللقاءات تتم متباعدة لدى الأستاذ تمام باشراحيل بعد أن رحل معظم رواد المنتدى إلى بارئهم وذهاب حسين أحمد إلى مقر إقامة صديقه الرئيس علي ناصر محمد في سوريا للعلاج الطويل من مرض عضال وانتقاله بعد ذلك إلى مصر لذات الغرض.

ولم نندهش لتغلب الرجل المثقف حسين أحمد على المرض على الرغم من تقدمه في العمر، لمعرفتنا بإيمانه وثقته بربه وبصلابته وشجاعته فقد عاد إلى أسرته في خورمكسر متعافيًا ولكنه فقد أغلى من يحب من أفراد أسرته وخاصة ابنه الذي استشهد في حرب تحرير عدن من الحوثة وإصابة حفيده.

وظلت جملة واحدة (الحمد لله) مطبوعة على لسانه كلما التقينا؛ على فترات متباعدة في منتدى (الأيام)، وقد تغيّرت الشخصيات وتبدلت الاهتمامات فيه؛ كسنة من سنن الله في خلقه.

رحم الله الإنسان الكبير والرائع حسين أحمد الفقير وآواه الله في جنة الفردوس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى