معلق سياسي روسي: صمت بوتين ينذر بعودة حكام روسيا كقوة سياسية

> «الأيام» رويترز:

> يرى المعلق السياسي الروسي أندريه بيرتسيف، أن حرب روسيا ضد أوكرانيا لم تعد بالنسبة للكثيرين من الروس حربا بعيدة عنهم لا تؤثر على حياتهم. فالمسيرات المحملة بالمتفجرات لم تؤد إلى إظلام أجواء المناطق الحدودية فقط، لكن أجواء موسكو أيضا، بينما أصبحت التوغلات المسلحة عبر الحدود الآن، أمرا يحدث بانتظام في منطقة بيلغورود... لكن، طوال الوقت، يتظاهر فلاديمير بوتين بعدم حدوث شيء كبير.

ويعتزم الرئيس الروسي خوض هذه الحرب حتى نهايتها المريرة، ولكن لكي يتجنب أن يظهر أنه خسر، لا يستطيع أن يحدد بوضوح أهدافها النهائية.

يقول بيرتسيف الصحافي بموقع «ميدوزا» الإخباري المستقل في روسيا، والباحث لدى «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، في تقرير نشره المركز إنه من المرجح أن يكون القصف المتزايد لمنطقة بيلغورود، وهي أول منطقة تجد نفسها منغمسة في حرب بوتين، وتوغلات الجماعات المسلحة، أكبر اختبار يواجهه حاكمها فياشيسلاف غلادكوف في حياته، ولكنه أيضا وفر له الكثير من الفرص ليتفوق. فأجزاء من المنطقة، بما في ذلك بلدة شيبيكينو التي يبلغ تعداد سكانها 40 ألف نسمة، تتعرض بانتظام للقصف، ويتم إجلاء سكان المناطق المعرضة للخطر بصورة جماعية بعيدا عن خط المواجهة. وفي مرحلة من المراحل كان غلادكوف يتفاوض علانية على تبادل للأسرى، رغم أنه سرعان ما التزم الصمت، بناء على أوامر من الكرملين.

كما ذكر الحاكم صراحة أن المنطقة ليس لديها أموال كافية لاستعادة البنية التحتية بعد القصف. وفي تسعينيات القرن الماضي، كان طبيعيا أن يتحدث الحكام أصحاب النفوذ علانية عن مشكلات مالية، لكن الأمر غير معتاد بدرجة كبيرة في روسيا في عهد بوتين.

وقد يبدو أنه لا بد أن القيادة الاتحادية وبوتين نفسه هما اللذان يتحكمان في الموقف المتوتر في المنطقة. ولكن في الوقت الحالي، يقتصر أي تدخل اتحادي على الاتصالات الهاتفية بين الرئيس والسلطات المحلية. ولم يحصل مواطنو المنطقة على أي تطمينات من بوتين. كما أنه لم يدل بأي كلمات دعم لمواطني موسكو في أعقاب الهجوم بالطائرات المسيرة عليها.

وتحدث بوتين بالفعل عن الحادث، لكنه كرس معظم حديثه لتاريخ أوكرانيا وروسيا. في حين أن التطمينات جاءت من العمدة سيرغي سوبيانين، الذي صرح بأنه يتم تشكيل فرق أطباء متنقلة في المدينة، ووعد بتوفير كل المساعدات الضرورية، وحاول إقناع المواطنين بأن سلطات المدينة لن تتخلى عن الذين تأثروا بالهجمات.

ويقول بيرتسيف إن هذه ليست المرة الأولى التي تتبنى الحكومة المركزية هذا النهج الذي ينطوي على عدم التدخل. فأثناء جائحة كورونا،

نأى بوتين بنفسه عن الحديث عن المشاكل ومحاولة حلها، وبدلا من ذلك نقل كل السلطات - والمسؤولية - للحكام. وكان المنطق في ذلك الوقت واضحا. فقد تعين على المسؤولين الروس انتقاء خيارات صعبة، ما بين إجراءات الإغلاق غير المقبولة، ومواجهة زيادة عدد الوفيات. وكان لا بد أن يُغضب أي من هذين الخيارين قطاعا على الأقل من المواطنين.

وبينما انخفضت شعبية الحكام نتيجة لذلك، وقف بوتين ببساطة على الهامش. وبدأ فقط في التحدث عن الجائحة عندما تم تطوير بروتوكولات واضحة ولقاحات لمواجهتها. حينئذ تحدث عن النجاحات التي لم تكن لها علاقة به، لأنه لم يكن مشاركا في عملية صنع السياسات الخاصة بالجائحة.

ويوضح بيرتسيف أنه ربما يكون الموقف الحالي أكثر خطورة من الجائحة، ولذلك يلتزم بوتين الصمت. فبمجرد فشل الخطة الأساسية وهي السيطرة على كييف في ثلاثة أيام، نأى الرئيس بنفسه عن الأجندة العسكرية. فهو غير مستعد وغير قادر على وقف الحرب والاعتراف بأخطائه. وفي الوقت نفسه، يدرك أن محاولة وضع الدولة على أساس عسكري واسع النطاق، سيكون أمرا غير مقبول للغاية. ومن الواضح أن بوتين يتوقع تحقيق هدفه عن طريق الاستنزاف. وفي الوقت نفسه، يفضل الابتعاد تماما عن القضايا التي يمكن أن تقوض شعبيته.

وكل هذا من شأنه أن يعزز موقف الحكام وبعض المسؤولين الحكوميين، ذلك لأنه كلما اقتربت الحرب من أراضي روسيا نفسها، زادت الحاجة إليهم.

وتؤكد استطلاعات الرأي أن رغبة المجتمع الروسي في الاستقرار أقوى من أي وقت مضى. ووفقا لبحث أجرته المجموعة الاجتماعية المستقلة «الميدان الروسي»، سوف يصوت الناخبون الروس في الانتخابات الروسية لصالح «مدير فعال» وليس لصالح موجه معنوي. وطوال سنوات كثيرة، حجّم الكرملين دور الحكام، وحولهم إلى مجرد منفذين لقرارات بوتين، ومديرين لعملياته على الأرض. وقد أدت الحرب - وانعزال الرئيس نفسه عن المشاكل الحقيقية - إلى تغيير كل شيء. وقد يؤدي ما يقوم به حكام المناطق من جهد علني إلى استعادة شعبيتهم وسلطتهم الحقيقية.

وأخيرا بدأ الحكام يتصرفون كسياسيين عموميين حقيقيين. لكن بيرتسيف يشير إلى أن حكام المناطق يعملون في الوقت نفسه لتحقيق أهداف تكتيكية معينة، وليس لتحقيق خطط بعيدة المدى. إذ يراقب غلادكوف حاكم منطقة بيلغورود تصنيفه بشغف، بينما يهتم سوبيانين عمدة موسكو بانتخابات المعمودية التي ستجرى في سبتمبر المقبل.

ولكن كل ما يحدث يوضح أنه وسط حالة شبه الشلل داخل السلطة الأعلى، يكتسب أولئك الأقرب للقاع استقلالية غير مسبوقة، وإذا لزم الأمر، فإن لدى المسؤولين الروس الاستعداد لتجاهل قواعد تلك السلطة الأعلى التي لا يمكن انتهاكها على ما يبدو... وفي حالة انهيار النظام، لن يختفي هؤلاء المسؤولون ببساطة. فهم سوف يندمجون في النظام الجديد، أو حتى يبدأون هم أنفسهم في إيجاد نظم جديدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى