السلام "زائر" لإثيوبيا فقد طريقه على بوابات المصالح

> "الأيام" هاشم علي حامد:

>
الأمن والسياسة يعرقلان "اتفاق بريتوريا" وسط انقسامات ظاهرة للأحزاب والجماعات المسلحة

تمثل قضية السلام في إثيوبيا أولوية تشغل الساحة السياسية والإعلامية خلال الأشهر الستة الماضية، إذ لا تزال تحيطه أحداث وتحديات من خلافات عرقية وأيدولوجية وتدخلات إقليمية، في وقت تشهد فيه مناطق كاروميا وأمهرا وتيغراي رفع شعار "السلام واجب قومي وليس سياسياً".

ثلاث أمم سوداء

ويقول كتاب "تاريخ إثيوبيا" لساهيد اديجوموبي "شهدت الدولة حوادث بلغت ذروتها بنشأة دولة مركزية بيروقراطية حديثة، وحصلت إثيوبيا على مكانتها كواحدة من ثلات أمم سوداء مستقلة تاريخياً إلى جانب هايتي وليبيريا، باستثناء احتلال إيطالي لمدة خمس سنوات"، لكن هل تمثل نجاحات الماضي رصيداً لحاضر ينشد الوحدة والسلام؟ وهل تعتبر تجارب التاريخ قناعات في التفاؤل بالمستقبل بخاصة لشعوب أفريقيا المستهدفة بحيل الاستعمار؟

تحدى السلام

رئيس الوزراء أبي أحمد قال في مارس الماضي أمام أعضاء مجلس النواب (البرلمان الإثيوبي) إن بلاده "تتمتع حالياً بسلام واستقرار أفضل بكثير مما كانت عليه قبل ستة أشهر، نتيجة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بما في ذلك اتفاق السلام الذي توصل إليه لإنهاء الصراع في الأجزاء الشمالية"، لافتاً إلى أن هناك عديداً من المبادرات الجارية لتحقيق السلام الدائم.

وذكر أبي أحمد أن "نهاية الحرب في الشمال خطوة كبيرة لتحسين السلام في إثيوبيا"، مضيفاً أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لضمان السلام الكامل في البلاد وأن هذا يتطلب تعاوناً قوياً بين الحكومة والشعب، موضحاً أنه "سيكون من السذاجة توقع سلام كامل بعد نهاية الحرب مباشرة، إذ لا يمكن معالجة الأوضاع على الفور"، مشيراً إلى الأنشطة التخريبية لبعض الجهات الفاعلة التي تتحدى جهود السلام في البلاد.   

تجربة أفريقية

مدير المعهد الأفريقي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد قال "وضعت إثيوبيا تجربة سلام حقيقية من خلال اتفاق بريتوريا، إذ حقق كثيراً من أهداف العملية التي مثلت نقطة تحول في صراع استعصى على الحل، لكنها بإرادة حكومية وقناعات إقليمية توصلت إلى سلام شكل منعطفاً مهماً في مسيرة الدولة الإثيوبية التي عرفت عبر التاريخ بتجاربها، لكن ذلك لا يمنع أن نقول لا تزال التجربة في طريقها وينتظرها كثير من التحديات والعقبات تحتاج إلى تفعيل وإشراك حقيقي لمنظمات المجتمع المدني والدبلوماسية الشعبية".

وأضاف "اعتقد أن السلام الإثيوبي يعد نموذجاً ناجحاً للقارة الأفريقية ومنطقة القرن الأفريقي، وعندما أقول نموذجاً لأفريقيا أقصد أنه جاء بجهود أفريقية وأعطى للقادة الأفارقة الأمل في أنهم يمكن أن يحققوا نجاحات وسلام أمام الصراعات والنزاعات التي تعصف بكثير من دول القارة السمراء".

وأوضح مدير معهد الدبلوماسية أن "السلام الإثيوبي خلق زخماً وصدى كبيراً في بداياته، وتوصل الفرقاء إلى تنفيذ عديد من بنود الاتفاق الذي جاء في ظروف بالغة التعقيد، كما تجاوز كثيراً من العقبات، لكن لا يزال يقف أمام الاتفاق كثير من التحديات بعضها يأتي ضمن سياق الصعوبات الأمنية التي تواجها البلاد عموماً، وأخرى تتمثل في عناصر من بنود الاتفاق نفسه، لكن إثيوبيا أعادت للأذهان أن حكمة هذه الدولة لا تزال قائمة ولديها قدرة في إعادة سياق تجاربها السابقة والتاريخية كدولة محورية في المنطقة".

خيار استراتيجي

وتابع أحمد القول "بحسب الكاتب بنجامين فرانكلين (لم تكن هناك حرب جيدة أو سلام سيئ)، وانطلاقاً من هذا الفهم لأهمية السلام كخيار استراتيجي هنا يجدر بنا أن نقول إن إثيوبيا حققت كثيراً من بنود الاتفاق ونجحت في الوفاء بأهم متطلباته من إيقاف الحرب وإسكات البنادق، وهي بلا شك خطوة ترتبت عليها خطوات عدة كإيصال المساعدات، وإعادة الحياة للمدن والقرى التي ظلت حبيسة الأزمة في إقليم تيغراي وبعض مناطق أمهرة وعفار".

ولفت المسؤول بمعهد الدبلوماسية إلى أن الفرق بين "أمس الحرب" التي حرمت السكان من أبسط متطلبات الحياة و"أيام السلام" التي أعادت الأمل والحياة بكل معانيها شاسع ولا يحتاج إلى براهين، منوهاً بأن ذلك يكتمل بإنجاز وثمرة الحوار الوطني الشامل  للسلام الذي انطلق فعلياً بهدف معالجة القضايا الوطنية الكبرى التي ربما كانت سبباً في النراعات والصراعات داخل البلاد.

وعن التحديات التي تواجه حكومة آبي أحمد في وجهة نظر الدبلوماسية الشعبية يؤكد أنه لا تزال المشكلة الأمنية تتمثل في أزمة الجماعات المسلحة في إثيوبيا، وفي مقدمها جماعة "أونق شني" غرب منطقة "ولغا" بإقليم أروميا وما جاورها، مشيراً إلى أنه على رغم محاولات السلام وفتح طريق التفاوض إلا أن هذه الجماعة تمثل تهديداً وتحدياً أمنياً واضحاً، بخاصة وأنها تنحدر من أكبر أقاليم البلاد وأهمها في كثير من المجالات السياسية والاقتصادية".

التزام بالاتفاق

الكاتب الإثيوبي أنور إبراهيم وصف السلام الإثيوبي "بأنه أسهم في إيقاف الحرب التي اندلعت في إقليم تيغراي بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي لمدة عامين، مضيفاً "يعوق مسار السلام عدم تنفيذ بعض البنود مثل خروج القوات الأجنبية من أراضي الإقليم، وعدم تسرع الحكومة في تنفيذ كل تعهداتها، وكذلك بعض التحركات للنظام الإريتري وقوات أمهرا في مناطق الغرب التيغراوي واحتلال بعض المناطق في الجنوب الذي يعتبر مهدداً لاتفاق السلام، إضافة إلى بعض التحركات الداخلية في ما يخص الحراك السياسي الداخلي، الذي يراه الجميع بأنه ربما يكون أكبر مهدد  للاتفاق".

وعما وصلت إليه مراحل السلام والجديد على الأرض من تحديات أوضح إبراهيم أن "مراحل السلام تسير بصورة جيدة في ظل الاستقرار الذي يشهده إقليم تيغراي، والجديد هو تحركات المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا الذي قام بإلغاء تسجيل حزب جبهة تحرير تيغراي كحزب سياسي، وهو أحد التحديات التي تواجه الاتفاق في ظل تبادل التهم، إضافة إلى التعمد في تسجيل أحزاب بأسماء مناطق في تيغراي التي يراها المواطنون والسياسيون في الإقليم بأنها تحركات لإجراء تغييرات سياسية فيه بطريقة أخرى، وإبعاد الجبهة التي وقعت على اتفاق بريتوريا مع الحكومة، في الوقت الذي ترفض فيه الجبهة أي تحرك ضدها معتبرة ذلك نوعاً من نقض بنود الاتفاق".

وعن العقبات التي تواجه الاتفاق يقول الكاتب الإثيوبي إن "العقبات كثيرة منها عدم الالتزام ببنودها كافة، وعدم فرض الأمن في الطرقات المؤدية لتيغراي وضبط التفلتات التي تقوم بها الجماعات المسلحة، وكذلك التأخير في تقديم بعض التسهيلات التي كان من المفترض أن تقوم بها الحكومة الإثيوبية تجاه الإقليم، مع ظهور تذمر سياسي بالإقليم من وقت لآخر متهمين الحكومة ومجموعات سياسية أخرى بأنها تعمل على عرقلة اتفاق السلام من خلال العمل على نشر عديد من العراقيل".

سلام مزدوج

يرى الباحث في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد أن "السلام أطلقت شعاره القيادة الإثيوبية منذ الأيام الأولى بعد تفجر الحرب، عندما تأكد لها أنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من الغبائن وتوسيع رتق الخلاف وتعطيل الحياة، في حين أن أي سلام ينبع من الداخل المحلي يكتب له النجاح مهما واجه من عقبات، طالما تعافي من أي ضغوط خارجية تؤدي إلى انحرافه".

وأضاف حامد "في الأحيان الغالبة وبخاصة الصراعات في الدول الأفريقية تسمع وترى تدخلات عديدة للقوى الخارجية باسم السلام وحل الخلافات عبر ضغوط وإملاءات"، لافتاً إلى أن القوى الدولية عندما تتحدث عن سلام فإنها تقدم مصالح غير شرعية على حساب شعوب ضعيفة تستقل واقعها.

وأشار الباحث السياسي إلى أن ما يحدث في عديد من دول العالم من نكبات يأتي بسبب تدخلات خارجية مع وجود تقصير على المستوى الوطني تجاه تحقيق نظام سياسي راسخ، وكذلك السلام كغيره من شعارات الديمقراطية والعدالة تطلقه القوى الكبرى وفق خطط تواجه بها الأنظمة في بعض دول العالم لتحقيق أهداف معروفة.

بدوره يرى الكاتب وايل العفيف أن ما يسمى بالسلام لدى النظام العالمي ليس إلا كذبة كبرى، لافتاً إلى أن إثيوبيا "لم تعرف سلاماً حقيقياً منذ الأزل فأهلها في صراعات مستمرة وحروب دائمة".

وقال العفيف إن "السلام في عرف القوى الدولية يخضع في أحيان كثيرة لتقييمات مزدوجة وفق تلك المصالح، فما يروج له في بعض القضايا من سلام يختلف عن السلام العادل، ولا يحمل مضامين إنصاف في كثير من الأحيان"، لافتاً إلى أن "ما يحدث الآن في فلسطين ومنذ 70 عاماً نموذج يشهد على النفاق العالمي الذي يشاهد الظلم والإجرام بأدق التفاصيل ولا يحرك ساكناً".

وتابع وايل القول "ما يشهده السودان حالياً من واقع حرب فرضت عليه ينادي فيه بسلام ضد إرادة السودانيين ولا يخدم مصالحهم الوطنية، لأنه يناصر ميليشيات أجنبية مسلحة تهدف لإحداث تغيير ديموغرافي يخرج أهل المواطنين من بلادهم وأرضهم لصالح أطراف أخرى تخدم المصالح الأجنبية والأميركية".

وطالب العفيف جميع الأطراف الإثيوبية أن تحرر السلام المنشود من أي ضغوط خارجية، وأن يكون معالجة الواقع عبر إرادة محلية تخدم مصالح إثيوبيا لا غيرها.

"إندبينت عربية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى