التسول في عدن.. مهنة تجني أموالًا طائلة في وقت قصير

> وئام الزميلي

> شهدت مدينة عدن اكتساحًا كبيرًا لما بات يعرف بالمتسولين وأصبحوا رمزًا طاغيًا لها في كل مديرياتها، وتعود هذه الظاهرة بشكل أساسي للفقر والبطالة ، فاستفادوا منها بزيادة مداخيل الرزق الكثير، لتصبح مهنة يومية تدر مالًا وفيرًا، متخذين تعاطف الناس وسيلة سهلة لدخلهم ، رغم أن البعض والأغلبية غير مستحق للمساعدة، فمعظمهم ممثلا بارعًا، فنرى النساء والشباب وكبار السن يعملون في هذه الظاهرة، حيث أن البعض قادر على العمل في أماكن عديدة وبعيدا عن التسول الذي ينقص من قيمة المتسول عينه، ويجعل المجتمع خاملا اتكاليا ، فنحن لا نعلم إن كان هناك طرف آخر في نشر هذه الكارثة لتدمير البلاد أم مجرد طريقة لجلب المال.


"الايام" أجرت عددا من اللقاءات مع المواطنين، وكذلك بعض المتسولين حول هذه الظاهرة، وكيف يمكن للسلطات أن تحد منها جذريا.

قالت الأستاذة بسمة حمود غالب محـمد "ظاهرة التسول كبيرة جدا وبدأت تنتشر بالمجتمع نتيجة الفقر وقلة دخل الفرد وانعدام الأشغال، لذلك التسول مرتبط بمشكلة البطالة حيث يلجأ الكثير من الأفراد، نتيجة انعدام الأعمال إلى التسول، كذلك الأسر الفقيرة تدفع أبناءها إلى التسول، لذلك يجب توفير الأعمال وكذلك رفع دخل الفرد بالمجتمع، حتى يقل هذا الوباء".


الشاب وليد الشامي تحدث بأن التسول ظاهرة انتشرت في مجتمعنا اليمني من بعد حرب عام 2015م، في الشوارع والمساجد والأسواق التجارية، وهي سلبية تشوه المجتمع من جميع الجوانب، والبعض يرجع سبب التسول للحرب والمجاعة، التي تعيشها اليمن بشكل عام.

لكن عندما ننظر للواقع نرى التسول أصبح وظيفة، علما بأن له (سياسات) يتم التوظيف على إثرها، بالإضافة إلى أن للتسول أنواعا قد يأتونك على هيئة بائعي مناديل، أو ماسحي سيارات، وترى أكثر المستولين أطفالا، وعندما يباشرون عملهم فإن آباءهم يراقبونهم في أطراف الشوارع، وفي حالات أخرى يكون المشرف عليهم شخص يمتلكهم كـعبيد لديه، ويجعلهم يتسولون، ويتم إعطاؤهم مبلغا رمزيا ويأخذ ما تبقى من المال.


يضيف الأخ هيثم محـمد مدير مبادرة بسمة طفل -ناشط شبابي في حقوق الأطفال- مشكلة التسول ظهرت منذ زمن طويل، ولكن زادت هنا في بلادنا بعد الحرب مباشرة، بسبب الغلاء الفاحش للأسعار، والذي ساد في البلاد، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة، فحاجة الناس أجبرتهم على ذلك وأيضا بعد الحرب تم اختطاف الأطفال من المناطق الشمالية، وجلبهم للمناطق الجنوبية للتسول، وأيضا من المناطق الجنوبية إلى الشمالية، فنلاحظ كوننا من هنا من مدينة عدن أن أكثر المتسولين من محافظة تعز والحديدة والمناطق الشمالية، فذلك يندرج تحت مسمى شبكة تتبنى الأطفال وتجعلهم يتسولون إجباريا وليس طواعية، ومن يرفض ذلك عليه عقوبات ومنها الضرب وتركه ينام دون طعام، وغيرها من أساليب تعذيب الأطفال.

وقد تواصلنا عدة مرات مع مسؤولي أمن العاصمة عدن لمتابعة هذه الظاهرة والحد من هذه الكارثة لكن دون جدوى.

وكأن كلامنا غير واقعي -على حسب تفكيرهم- وكان ردهم أننا متأثرون بمسلسل الأطفال الكرتوني (ريمي) وكلنا نعلم، والمسؤولون في بلدنا يعلمون أن مسلسل ريمي قد طبق في الواقع وهنا في مدينة عدن تحديدا.

من جانبٍ آخر أخبرتنا إحدى المتسولات من مديرية دار سعد عن سبب امتهانها لهذه المهنة قالت "أنا أم لخمسة أطفال وزوجي يعاني من مرض بالعمود الفقري ولا يستطيع العمل الشاق، إلا أنه في الماضي كان يعمل حمالا، وكان يسد حاجتنا من مقومات الحياة، لكن حينما بلغ به العناء مبلغا لم نجد من يعولنا أو حتى يتصدق علينا بأبسط الأشياء، فكان عيشنا بفضل الله، من الجيران وأصحاب الخير، لدرجة أنه عندما حل علينا شهر رمضان الماضي، لم نحصل على تمرة واحدة لنفطر بها، مما اضطرني الأمر بأن أخرج للبحث عن عمل فلم أجد.

وكلنا يعلم أن الأعمال غير متوافرة حاليا في عدن، فكلها بالواسطة، وفي حالة أن وجدت عمل سيعطونني راتبا في آخر الشهر، وأنا أحتاج للقوت اليومي، لذلك خرجت وأنا يملؤني الخجل والاستحياء، فأول مرة أمد يدي، ودمعتي تسيل على خدي، وكرامتي قد سُـلِـبَت وعزة نفسي أهينت، وهي أغلى ما يملكه الإنسان.

طلبي الذي أوجهه عبر "الأيام" أريد من السلطات وفاعلي الخير الالتفات لنا والنظر لحالنا، كي لا نمد أيدينا إلى الناس في الشوارع، وكذلك أن يعطفوا على الأسر الفقيرة والمتعففة، فما أخرجنا إلى خارج منازلنا إلا الجوع.

وأضافت متسولة أخرى من منطقة الفيوش بمحافظة لحج قائلةً "أنا عزباء وأبلغ من العمر عشرين سنة، وأنا أكبر إخوتي، وعائلتي لا يستطيعون إيجاد لقمة العيش لنا، فخرجت للتسول منذ ما يقارب الخمس سنوات وأنا على هذا الحال، كما أن والدي معاق ووالدتي لا تستطيع العمل، إضافة إلى أن المخيمات لا تقبلنا بسبب ازدحامها، وأحيانا نحصل على أعمال لكن لفترة ثم يطردوننا، وأتذكر أن إحدى المنظمات كانت قد استوعبت الفقراء في العمل لديها، ولكن لفترة بسيطة من الزمن، ثم توقفت وكان عملنا في مجال التنظيف، وأرغب أن أسلط الضوء على معاناتنا نحن البنات -المتسولات- من التحرش كوننا مساكين لا حول لنا ولا قوة، فتوقفت عن التسول ثم عدت مرة أخرى، فالحياة وظروفها هي من أرغمتني على ذلك.


ومن مدينة كريتر في مديرية صيرة بالعاصمة عدن قالت إحدى المتسولات "أنا متزوجة من نفس طبقة عائلتي ونفس المستوى، غرفة واحدة تحتوينا أنا وزوجي وعائلته.

زوجي كان يعمل بالتنظيف لم يجد عملا مناسبا، فالأعمال لأصحاب المصالح وأناس معينين فقط، كلنا نعلم كم من متخرج لم يحصل على وظيفة فكيف نحن الذين لا نملك من هذه الحياة شيئا، حاليا زوجي يغادرنا ليبحث عن قوت يومنا، وأنا أتسول لكي أساعده في المأكل والمشرب، وفي بعض المرات يطلبونني لتنظيف البيوت، لكن ليس بشكل دائم لأن وضع بلادنا والمعيشة لا تسمح بذلك.

أوجه رسالتي للمنظمات والسلطات بتوفير فرص عمل لأزواجنا، وإتاحة الفرصة لنا وعدم رفضنا كون طبقتنا لا تتلاءم مع طبقة المجتمع هنا، وأحلف بالله أننا راضون بأي عمل يتاح لنا.

خاص لـ "الأيام".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى