> هشام عطيري

مساكن من العشش وأهلها يعملون ببيع الفحم والرعي

> على مدى ساعتين من الزمن، قطعتها سيارة قديمة من مدينة العند بمديرية تبن بلحج، مرورًا بمناطق سهلية وجبلية، وصولًا حتى وادي القيفي، الذي تطل على أطرافه العديد من التجمعات السكانية والقرى ذات المسميات المختلفة، لنصل إلى وجهتنا وهي قرية نائية تسمى "الخربة"، التي تقع في الجنوب الشرقي لمنطقة كرش، فالطريق إلى قرية الخربة شاق وطويل.

تقطن في هذه القرية حوالي 80 أسرة يسكنون في منازل بدائية قديمة "العشش" وهي مكونة من أعواد شجر الأثل والسمر، ومطلية بالطين، وقليل من المنازل المبنية من البلوك والحجر. ويتخذون تلك العشش مأوى لهم، لكنها لا تفي بالغرض، فعند هطول الأمطار، وغيرها من عوامل التعرية، تتعرض هذه الأسر وأطفالهم إلى مأساة حقيقية، تغيب عنها أعين السلطات، وكأنهم خارج الجغرافيا والتاريخ.


مفارقات عجيبة يعيشها أهالي القرية حيث يعد وادي القيفي طريقا رئيسيا للعديد من المنظمات الدولية، التي تعمل وتتدخل في عدد من مناطق كرش القبيطة. كما قامت إحدى المنظمات ببناء منازل لبعض المواطنين في قرى مختلفة، فيما أهالي الخربة لم يلتفت لهم أحد، ولم يقدم لهم أي دعم، لمساعدتهم في تجاوز معاناتهم.


العاقل ثابت من أبناء منطقة العند قال: إن قرية الخربة لا توجد فيها مقومات الحياة، وهي تستدعي تدخل الجهات المختصة في السلطة المحلية، والمنظمات الدولية، للنظر لهذه القرية، التي تعاني أشد المعاناة في مختلف المجالات، مطالبا تلك الجهات بالتدخل العاجل في القرية، لإنقاذ أهلها، فلا صحة ولا تعليم ولا مياه.

وكشف العاقل ثابت أن هناك مدرسة وحيدة، تبعد عن القرية مسافات بعيدة، يتجمع فيها الطلاب من مختلف القرى، غير معتمدة رسميًا من قبل مكتب التربية، حيث يقوم بالتدريس فيها متطوعون، يقوم الأهالي بدفع مبالغ مالية شهرية، كحوافز لهم مقابل تدريس أبنائهم، الذين يقطعون مسافات طويلة تقدر بأكثر من خمسة كيلو، مشيًا على الأقدام، ذهابا ومثلها عودة.


كثير من القصص التي يرويها أهالي المنطقة حيث تشير المواطنة قرطلة حيدرة: "إن عمل أغلب الأهالي، التحطيب، وبيع الفحم، والرعي، لتوفير مصدر عيش لهم، فاذا لم يعملوا فلن يستطيعوا توفير لقمة العيش"


وأكمل: يجلب نساء وأطفال المنطقة المياه، على ظهور الحمير، أو فوق رؤوسهم، أو يقطعون أكثر من ساعتين، مشيا على الأقدام، لجلب مياه الشرب لهم، ولأغنامهم، على الرغم من وجود بئر بالمنطقة معطلة، وتحتاج إلى إعادة تأهيل، ومدها بالطاقة الشمسية، وغيرها من المستلزمات، التي ربما تخفف من معاناتهم اليومية التي يتكبدونها.

ويقول المواطن ناصر سعيد "إن هناك بئرا قريبة جدا من القرية، ممكن أن تنهي معاناة الأهالي، إذا توافرت الإمكانيات، لإصلاح البئر، وتوفير ألواح الطاقة الشمسية، فهو -حسب قوله- لا تتوافر لديه الإمكانيات لإصلاح البئر، ما يستدعي تدخل أحد الجهات المانحة، لإنقاذ الأهالي مما يعيشون فيه من مآسٍ"، مشيرا إلى أن البئر تقع في أرضه، ويبدي استعداده في حالة إصلاح البئر، بالسماح للأهالي في القرية، بالاستفادة منها لإنهاء معاناتهم اليومية"


يعتمد الكثير من سكان القرية على شراء احتياجاتهم المنزلية من منطقة العند، التي يعتبرونها مركزهم الأقرب، لأخذ احتياجاتهم منها، وتتطلب من رب كل أسرة، عقب كل أسبوع، السفر إلى العند على متن دراجة نارية، وهي وسيلة المواصلات الوحيدة لكافة القرى على طول طريق وادي القيفي، حيث تبلغ تكلفة أجرة الدراجة النارية أكثر عشرة آلاف ريال، ذهابًا وإيابًا، ليجلب لأسرته متطلباتهم الضرورية من مواد غذائية وغيرها، تغطي أكثر من أسبوع، فهم غير قادرين على جلب احتياجاتهم، بشكل يومي لوعورة الطريق والتكلفة الباهظة، لعملية النقل من القرية إلى العند والعودة، ناهيك -في حال حدوث مرض- عن غياب أي وحدات صحية قريبة، أو أشخاص متدربين في جانب الإسعافات الأولية.

يعيش المواطن صالح منصور في عشة مع أسرته وأطفاله البالغ عددهم سبعة، فإذا هطل المطر يتحول منزله إلى مستنقع، ليتعايش مع هذا الوضع بشكل مستمر، فهو غير قادر على بناء منزل يقيه تقلب الأجواء.


بقدر الألم الذي أصاب هذه القرية في مقتل، وجعلها خارج الخارطة، ولم تلتفت إليها لا سلطات ولا منظمات. يقول الأهالي أنهم لديهم الأمل بالله عز وجل، وراضيين بما كُتب لهم، وبرغم عيشهم المحدود على عمل الفحم وتصديره، لبيعه وأخذ مردوده لاحتياجاتهم، وهي مهنة شاقة وتمر بمراحل عديدة.

في القرية يوجد حوالي 19 طفلا من الأيتام، لم يحصلوا على أي دعم، وهم بحاجة ماسة إلى من يأخذ بأيديهم، ويمد لهم يد العون والمساعدة، ويعوضهم عن فقدان أبويهم، وكفالتهم من قبل الداعمين وفاعلي الخير، ليعيشوا حياة طبيعية، مثل أقرانهم.


معاناة منطقة الخربة تفاصيلها كبيرة ومتشعبة، ويبقى السؤال لماذا غابت عنهم أعين الجهات المختصة، والمنظمات الدولية؟




خاص لـ "الأيام".